الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعراق من (فزت ورب الكعبة) إلى (هزُلت ورب الكعبة)

محمد عنوز

2015 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يُعرف العراق منذ آلاف السنين بوادي الرافدين، هذا الوادي الذي بُنيت فيه حضارات لا زال العالم بكل أركانه يتطلع للبحث عن ما فيها من أسس وأفكار، صروح وأدوات، شرائع ومقومات، تشكل مهد الحضارة الإنسانية، إذ نمط الحياة، وهندسة البناء، وإبتكار الكتابة والكثير من المجالات كانت نتاج عقل الإنسان في هذا البلد الأمين، وليس نتاج التقليد، وهذه المكانة عبارة عن مسؤولية تقع على عاتق الأجيال المتعاقبة تستلزم حمايتها بكل أبعادها العلمية والثقافية والدينية ومضمون قيمها الإنسانية.
ونعيش هذه الأيام ذكرى إستشهاد الإمام علي بن أبي طالب (ع) ـ هذه الذكرى على حجم ألمها تحمل من المعاني والدروس ما يجعل الأمم كافة تعيش بكرامة حقيقية لا كرامة لفظية، لو توقفت عند بعض تلك المعاني والدروس، فمن سر ولادته إلى عبرة إستشهاده وما بينهما من تجليات ناصعة يستحيل عد عديدها، فنذكر منها اليقين والشجاعة والعدالة والكرم والصبر والتضحية والإيثار و.. و..، يقين بعبادة الخالق لا خوفاً من ناره ولا طمع بجنته، شجاعة في قول الحق وإعادته إلى صاحبه، عدالة بجوهرها لا بمظهرها إلى درجة توزيع العطاء دون تمييز بين قريب وبعيد، كرم تجسد باروع صوره إذ تصدق بخاتمه عند الركوع، اما الصبر فكان صبره صبراً جميلاً، التضحية والإثيار قدم منها صور غدت مثلا اعلى تعبر عن جوهره الإنساني والمبدأي.
إن ما جسده الإمام علي (ع) في حياته، لخصه في عبارته الشهيرة عندما غدر به بن ملجم إذ قال (فزت ورب الكعبة)، فما هو هذا الفوز الذي إقترن بقسم ؟! إنه الإطمئنان جراء أداء الواجب وصدق الإيمان إذ أن سلوكه سبق إدعائه وقدم الدليل على ضرورة الإنسجام بين الإيمان ومستلزماته وصور تجلياته في وحدة متكاملة، كما دلل على إمكانية التقرب منه على الأقل من خلال السير على منهجه، لا أن نَعرف طريقه ونتحدث عنه ونحرف سيرنا ونختلق المسوغات ومنها عدم القدرة على الإيتان بمثل تلك الأفعال دون أن نعلم بأننا سنجعل العقائد والمبادئ وكأنها ليس للناس كافة، وهذا الأمر من أبرز صور الهروب من المسؤولية الأخلاقية والشرعية، إذ يدفع الناس بإتجاه التعايش في حالة عدم الإنسجام مع عقائدهم الدينية ومبادئهم الإخلاقية والسياسية.
واليوم تلح الأسئلة ونحن وبلادنا في هذه الظروف التي لا يُعرف لها أفق، لا بل منذ قرون لم نخرج من دوامة الإحتراب ولم نتعلم شذرات من نهج الأمام (ع) في كل المجالات إلى درجة أقل ما يقال (هزلت ورب الكعبة) بسبب ما نشهده من حالات وظواهر بالحياة العامة على الصعيد الحكومي وغير الحكومي، نعم، نحن الآن في مرحلة (هزلت ورب الكعبة) وستطول هذه المرحلة لأن أسبابها قائمة بل راسخة وهناك من يعمل على ترسيخها ويغذي عوامل إستمرارها من خلال عدم الإستنكار على أقل تقدير، لنتمعن ببعض تلك الحالات والظواهر :

• يوصف العراق بالعراق العظيم، وعظمته كانت بأمجاده وحضاراته، واليوم غدت عظمته تتجلى في عظمة مأساته، فمنذ أكثر من خمسة عقود والنزيف مستمر، نزيف الجهدً والوقت والمال، وفوق هذا وذاك نزيف الدم، فأي ماساة عظيمة في بلادي !!!
• كيف نفسر رفض الإمام (ع) السكن في قصر الإمارة بالكوفة وهو خليفة المسلمين ؟؟؟ فهل من مقارنة بين هذا الرفض ولهاث أغلبية المسؤولين للإستحواذ على عقارات الدولة أو قطع الأراضي.
• العدالة المنشودة والتي جسدها الإمام (ع) في ذلك الموقف التاريخي إزاء طلب أخيه عقيل زيادة العطاء لم نراه عند أحد ممن تشيّعَ للإمام علي (ع) في حدود عمرنا الزمني على الأقل، واليوم العطاء لم يُعد حقاً، بل اصبح مكرمة يمنحها المسؤول من المال العام لإعتبارات التأييد والولاء !!!
• سلّم رواتب موظفي الدولة منذ التغيير عام 2003 فيه من الفجوات ما لا يردم بالشفلات، فمن راتب يفوق العشرة ملايين من دون المخصصات إلى راتب لا يتجاوز (200000) المائتي ألف دينار مع المخصصات.
• قال الإمام علي (ع) لكميل ( يا كُميلُ، العِلمُ خير مِنَ المالِ...) واليوم اصبح المال خير من العلم إلى درجة إباحة إختلاس المال العام، لا بل بالمال نشتري الشهادات ونحمل الألقاب ونحصل على المناصب وننال المكاسب ولتبقى المشاكل دون حلول علمية وعملية.
• التعينات في بلادنا هذه الأيام تحولت من قاعدة ( أكرمكم عند الله أتقاكم)، أي التعيين لأكفئكم ولأخلصكم ولأنزهكم إلى قاعدة ( أكرمكم عند المسؤول أكثركم ولاءً له بالحق والباطل)، أي التعيين حسب العلاقة العائلية أو الحزبية او الكتلوية، عدا أعضاء (حزب إلنه الله) باقون إلهم الله.
• بدعة المنافع الإجتماعية، غدت مضار إجتماعية، لأنها توزع في ظروف إنتخابية، حسب درجة القربى والمحسوبية والمنفعة وبشروط إنتخابية بالعلن وليس بالسر.
• المشاريع والمقاولات تمنح للذي يدفع أكثر نسبة نقدأ أو أفضل نسبة شراكة في المشروع أو المقاولة هذا ما يشاع، حتى لو كانت الشركة غير ذات إختصاص المهم (أدفع تسلم)، بدليل المشاريع المتلكئة هذا هو سببها.
نكتفي بهذا القدر، ولدى القارئ الكريم أكثر من هذا العدد وذات مرارة اشد مما تجعل القول (هزلت ورب الكعبة) خير قول في هذا الزمان بعد أن فقدنا قائل (فزت ورب الكعبة) ونقول له خاشعين بأن الطريق لا زال موحش لا بل يزداد وحشة ولكن سنكون من السالكين فيه لنصرت الحق وتلبية حاجة المحتاجين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من