الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حضرة فكرالفرنسي بودريار -من زنقة المأمونبة إلى حرب ليبيا الأهلية-

عزالدين اللواج

2015 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


كانت أول مرة تعرفت فيها على فكر الفرنسي الراحل جان بودريار،في المغرب ،وتحديدا عندما كنت أبحث عن بعض المراجع الخاصة بأحد أبحاث مواد الماستر.
الكتاب المعنون ب"المصطنع والاصطناع" ،والموجود في مكتبة دار الأمان ،كان واضحا من خلال إطلالة عابرة على مقدمته ،أنه يتضمن معلومات فكرية وفلسفية مميزة لم أطلع عليها من قبل ،لذلك قررت شراؤه ،وإعلان حالة الطواريء القرائية،لحين الانتهاء من قراءة كتاب "السي" بودريار .
خلال المسافة الممتدة من زنقة المأمونية التي يقع فيها مقر المكتبة بالعاصمة الرباط ،إلى مقر منزلي الكائن بالقرب من السفارة الفرنسية ،كنت أتصفح في "التاكسي" كتاب بودريار ،ولم أكن أعرف حينها أن تلك اللحظة كانت بداية لمشوار غرام معرفي لاحدود قرائية له مع مؤلفات وفكرالرحل "جان بودريار".
منذ فترة ليست بالوجيزة أثنت الدكتورة خديجة زتيلي أستاذة الفلسفة في جامعة الجزائر"2"، على مقالي المنشور هنا في موقع الحوار المتمدن ،وطلبت مني تطويرها في دراسة علمية، والمشاركة في كتاب من تحريرها وإشرافها ،سعدت كثيرا بتلك الدعوة التي تلقيتها عبر حسابي في الفيس ،وتواصلت بعدها مع الدكتورة زتيلي عبر بريدي الإلكتروني ،للاتفاق على الخطة الرئيسية للبحث ،والتي نالت استحسانها .
بدأت فعلا في بحثي ولم تمض فترة وجيزة،حتى تم اختراق صفحتي وبريدي الالكتروني ،من قبل بعض التتار الإلكتروني الموجود في ليبيا ، لينقطع التواصل مع الدكتورة زتيلي،ومنذ ذلك اليوم انقطعت أيضا علاقتي ببوديار عى مستوى البحث الابستمولوجي، واكتفيت بتدريسه لطلابي في مادة الفكر السياسي الحديث والمعاصر في جامعة عمر المختار،التي أعمل بها كمحاضر مساعد ،ففي هذا البلد الذي يعاني من ويلات حرب أهلية قذرة ،يتحمل المصطنع الذي تحدث عنه بودريار نصيبا كبيرا من صنع حدثها السياسي والإيديولوجي ،لامكان للفكر والتفكير والإبداع ، فالرصاص والانتقام من الآخر المختلف معه هو سيد الموقف .
هذه ومضة تأمليةعابرة كتبتها بعد أن قرأت مقالة الدكتور محمد بوشيخي في صحيفة ذوات الثقافية الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلاحدود، ،شعرت من خلالها بالثقة والفخر،تجاه جهد معرفي متواضع بذلته يوما ما ، وذلك عندما قرأت في متنها اقتباسا من مقالتي التي أعددتها عن بودريار .
خالص اعتذاري للفاضلة زتيلي، وخالص امتناني للباحث المغربي القدير بو شبخي على ذلك الاهتمام ،وفيما يلي دعوة لقراء الحوار المتمدن لقراءة نص الدكتور محمد بوشيخي المعنون ب"جان بوديار -فيلسوف التحدي في زمن الهيمنة " يقول بوشيخي:-
جان بورديار، (1929-2007) شخصية علمية فرنسية بارزة، تخصص في الأدب الألماني الذي درسه بالسوربون، أعرق الجامعات الفرنسية، فنقل منه إلى لغة موليير أعمالا أدبية وفكرية مهمة، منها كتاب "الأيديولوجية الألمانية" لكارل ماركس و"نقطة هروب" لبيتر ويس. غير أنه اشتهر في كتاباته، التي جمع فيه بين الفلسفة والسوسيولوجيا، بالفكر النقدي للنظام العالمي الجديد والمركزية الغربية والطغيان الأمريكي في العالم.
يعتبره أغلب المهتمين في شؤون الحقل الفلسفي،بحسب حسونة المصباحي "الوريث الشرعي لكل من جان بول سارتر وميشال فوكو"، ويقول محمد سمير عبد الله عن أفكاره إنها "جددت التفكيك deconstruction وما بعد الحداثة postmodernism والفكر الراديكالي والفنون والنظر إلى عنف العالم". بينما يقول عنه، جلالة بدلة، أنه كان معارضا لبورديو وقريبا من رولان بارت ومعجبا بفكر تفكيك الميتافيزيقا لجاك دريدا وجان فرنسوا ليوتار، ومتأثرا أيضا بالنظريات اللغوية البنيوية غير أنه "بقي بعيدا عن الماركسية وانتقد بشدة الأنماط الفكرية الناشئة عن الثورة الطلابية عام 1968. كما قدم نقدا لاذعا وتهكميا لفكر ما بعد الحداثة الموسوم بالنسبة له بتآكل المذاهب الكبرى وهيمنة نمط العيش الاستهلاكي".
أما موقفه من الماركسية، فلم يتأسس على القطيعة رغم مؤاخذاته عنها، إذ لا شك، كما يقول جوزيف عبد الله، "أن قدرا من أفكار ماركس الفلسفية ظل منبثا في ثنايا فكر بودريار"، كما هو الأمر بالنسبة لفكرة الاستلاب (Aliénation) في المجتمعات المعاصرة والتسليع وما يتصل بذلك من مفاهيم. لقد بقي بودريار هنا –يضيف نفس الباحث- "إن جاز القول، ماركسيا، ولكن بدون منهج المادية- الجدلية في التحليل"، وهو يرى أن بودريار يركز في مؤلفه "مجتمع الاستهلاك" على "الأشياء"، باعتبارها مصدراً للرموز التي تحدد العالم وترسم علاقاته، وهو "في هذه الفكرة تواصل مع تصور ماركس عن "استلاب الإنسان" و"صنمية" السلعة (عالمها السحري)".
ولكنه يستدرك القول بأن ذلك يتم عند بودريار، خلافا للماركسية، باستقلال عن العوامل المادية القائمة على التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج. كما أن "جنوح بودريار باتجاه دور "العالم الافتراضي" وتأثيره المركزي والشامل (مع عودته لأطروحات الباتافيزياء واقترابه من العدمية)، جعله يركز على الأوهام والخيال في رسم الاتصال بالأشياء، وفي دورها في اختلاق بنية المجتمع الحديث وعلاقته مع الواقع. كل ذلك يجري عند بودريار بتوسط الميديا، ولا سيما الرقمية، التي أخفت الواقع وطرحت مكانه "فوق-الواقع"".
كما يحاول بودريار أن يعرف نفسه، حسب ما أورده "جوزيف عبد الله"، بحسب تقلباته الفكرية أو بالأحرى تمرحلها الزمني، إذ كان، حسب ما ينقل عنه، "باتافيزيائي في العشرينيات، مشهدي في الثلاثينيات، طوباوي في الأربعينيات، اعتراضي في الخمسينيات، دوراني وعكسي في الستينيات". وقد عرف بودريار، حسب عز الدين اللواج، "في الأوساط الأكاديمية منذ ستينيات القرن المنصرم، وكانت أطروحاته ومقالاته البحثية ذات الملمح السوسيولوجي تلقى صدى واسعا داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، صدى بدأ ينزاح تدريجيا من إطار الوسط الأكاديمي إلى الوسط الإعلامي، عندما أعلن بودريار أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر تمثل ضربة قاسمة لنموذج الهيمنة الأمريكية، وأن تلك الأحداث تحقق حلم كل من يتمنى هزيمة الطغيان الأمريكي".
موت الواقع
وبغض النظر عما أثاره فكره من ردود أفعال متباينة، فإنه يبقى، في تقدير عز الدين اللواج، يحتل "مكانة مرموقة ومميزة في منظومة الفكر الإنساني المعاصر"، حيث "يتميز طرحه الإبستمولوجي بمناقشة وتحليل الظواهر السسيو-اجتماعية من منظور يتسم بالجدة والاستناد على الحجج والبراهين المثيرة للجدل والحوار الأكاديميين، وعلى الرغم من أن بودريار لا يصنف ضمن كوكبة علماء السياسة المعاصرين، فإن كتاباته التي تناول من خلالها العديد من القضايا السياسية الراهنة، حملت في طياتها فرضيات ذات دلالات مهمة لباحثي حقل النظرية السياسية، وبالأخص ما يتعلق منها بمفهوم موت الواقع الذي جاء في سياق رد فعل فكري طرحه بودريار إبان تناوله لتداعيات الثورة المعلوماتية الجديدة على الظاهرة السياسية".
يعلق عز الدين اللواج على فرضية بودريار حول "موت الواقع"، من خلال التأكيد على وجود "جلاد لا يُرى يقف وراء الصور والمعلومات التي تبثها الفضائيات ومواقع الإنترنت، جلاد يتوشح برداء الحقيقة والحرص على تفعيل منظومة حرية الرأي والتعبير، في حين لا يقدم إلا رؤيته الذاتية للحظة الحدث"، إنه زمن سيطرة القطب الواحد وديكتاتوريته التي يؤمنها عبر الهيمنة الإعلامية، لهذا وبلغة بودريار، فإن العالم يعيش "لحظة انقلابية تنقلنا من عصر الواقع إلى عصر موت الواقع بسبب موت أو نهاية أو تحلل المبدأ المؤسس للواقع، مبدأ الصراع والمواجهة الجدلية والتناقض والنفي والقطيعة والمجاوزة والثورة والتقدم".
ويذكر جوزيف عبد الله أن التاريخ يتغدى "من رهانات الواقعات، ولكن الواقعة فقدت معناها بالإعدام، فهي تصل بسرعة وتتبخر بسرعة. وهذا هو تأثير الإعلام: إلغاء المعنى، أو الإلغاء فحسب، فبعكس ما هو شائع الإعلام ثقب أسود، تعمية، بل امتصاص للواقعة، فتفقد حدتها ومعناها"، لذلك نحن نعيش، حسب ما ينقل جلالة بدلة عالما، أصبح فيه تحديد "الحقيقة الواقعية" الموضوعية إشكاليا، وهو "ما تشي به سيطرة التمثلات الافتراضية للعالم على القيم التي تضع أفكارا كالمعنى والحقيقة في المقدمة".
الإعلام، الإرهاب والنظام العالمي الجديد
ينتقد بودريار الهيمنة الغربية والأمريكية خصوصا في العالم وينظر إلى الإعلام كأقوى أدواتها، من هنا ينظر إلى "سؤال الإعلام"، كما يذهب إلى ذلك جوزيف عبد الله، على أنه "سؤال الأيديولوجيا"، وينظر إلى دوره على أنه دور "منتج الأيديولوجيا في عصر الثورة المعلوماتية والرقمية، ويتحكم بالإعلام من يتحكم بإنتاج الآلة الذكية الرقمية"
كما يسجل إشادته بقول بودريار إن "حرب الخليج لم تقع"، لأنها مقولة أراد بها أن الصورة "التي قدمتها وسائل إعلام الغرب، ليست هي حرب الخليج، ليست الواقع الفعلي لحرب الخليج"، إنما هي "فوق- واقع" هذه الحرب. فالإعلام الغربي، والأمريكي خصوصا، صورها بطريقة أيديولوجية تشوه واقعها، تخفي واقعها"، وذلك "لأن القوى القابضة عليه استخدمته للتضليل".
إن ذات الموقف من الإعلام سينعكس على موقفه من الإرهاب، وبالضبط من أحداث 11 سبتمر 2001، الذي سجل بخصوصها موقف متميز، بحسب حسونة المصباحي، باعتبارها "أمّ الأحداث"، التي جسّدت "كل الأحداث التي لم يكتب لها الوقوع". محملا مسؤولية "التحولات العنيفة في المسار العالمي" إلى "النظام العالمي الجديد" الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب مطلع التسعينيات، بعد أن أصبحت بلاده "سيدة العالم الوحيدة"، لأن هذا النظام الجديد "أوجد حسب رأيه، الظروف الموضوعية" للإرهاب؛ فبتسلط الولايات المتحدة، "ازداد حقد المناوئين لها، وتعاظمت لديهم الرغبة بتحطيمها". فالأمر يتعلق في هذه الحالة ب"إرهاب ضد الإرهاب"، مفندا في نفس الوقت مزاعم هنتنغتون في أطروحته حول صدام الحضارات.
ويعود الباحث، عز الدين اللواج، إلى مقالة "ذهنية الإرهاب" التي نشرها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في صحيفة لوموند، حيث أكد فيها "أن غياب الواقع وهيمنة المصطنع، تسببا في حجب حقيقة مهمة عن وعي المتلقي الذي يتابع هذه الأحداث عبر الفضائيات ومواقع الإنترنت، وهذه الحقيقة هي أن ما قام به الإسلاميون هو في الأساس رد فعل على الطغيان الأمريكي، ومحاولة لرد الاعتبار للذات الإسلامية التي أُهينت بسبب ذلك الطغيان"، مضيفا "لقد تعاطف الكثيرون مع ضحايا الحدث وقليلون هم من انتبهوا أو فكروا في الأسباب الحقيقية التي دفعت بعض الإرهابيين للقيام بذلك العمل". ف"العالم بفعل العولمة أصبح يعيش حرب عالمية رابعة"، وفق بودريار، لأن الحربين العالميتين الأولى والثانية "تعكسان الصورة الكلاسيكية للحرب، الأولى وضعت حدا لتفوق أوروبا وللعهد الاستعماري، والثانية حطمت النازية، والثالثة التي تكون قد وقعت تحت ما يسمى الحرب الباردة، قضت على الشيوعية، وكل حرب من هذه الحروب قادتنا إلى وضع عالمي جديد"، غير أن الحرب الجديدة أفضت إلى عالم جديد من نوع خاص في اعتقاد بودريار، لأنها "حرب الطغيان الأمريكي الذي ترفده تجليات عدة أهمها الأيديولوجيا التي تقف وراء مصدر الصورة واللغة التي يبثها أغنياء المعلوماتية لفقرائها".
إنها مأساة غياب الأخلاق، حيث كتب جان بودريار، بحسب حسونة المصباحي، "الإرهاب شيء لا أخلاقي"، كما أن الضربة الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة العالمي في نيويورك "لا أخلاقية"، معتبراً إياها جواباً "على عولمة هي نفسها لا أخلاقية"، مضيفا أن الإرهابيين الجدد "تمكنوا من الاستحواذ على نفس الأسلحة التي تمتلكها القوة المهيمنة على العالم أي الولايات المتحدة الأمريكية، فهم يملكون المال ويتقنون جيدا استعمال التكنولوجيا ووسائل الإعلام وجميع أدوات الحداثة والعولمة، غير أن هدفهم الأساسي هو تحطيم هذه الحداثة وهذه العولمة، دافعين حياتهم "ثمنا لذلك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه