الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تريد أمريكا رحيل الرئيس ؟ .

بدر الدين شنن

2015 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا تصر الولايات المتحدة منذ سنوات ، في حملاتها السياسية ، المزعومة ، لدعم شعوب البلدان العربية على رحيل الرؤساء ، بأوامر وإملاءات سيد البيت الأبيض ، بدلاً من الآليات الديمقراطية . وتركز كل أسباب الأزمات بأشخاصهم ، مستبعدة الدخول في جذورها التاريخية وتفاصيلها ، ومن هم المسؤولون عنها في الداخل والخارج ، وتجعل من رحيلهم ، أو تصفيتهم ، الحل الأمثل للأزمات ، وتحقيق الديمقراطية ، باستغبائها الكامل لهذه الشعوب ، وذلك بتجاوزها عمداً ، أن تغيير الرؤساء وتحقيق الديمقراطية ، ينبغي أن يتم بآليات ديمقراطية ، تمارس الشعوب من خلالها حقها بتقرير البديل الذي يوفر لها الحرية والعدالة ، وليس من خلال الوصاية الخارجية ، التي لها معنى واحد هو فرض الهيمنة الخارجية ، وإخضاع الشعوب باسم تحريرها من رؤسائها . وللتغطية على هذا المعنى بالضبط ، ترفق إصرارها بإيحاءات مخادعة ، بأنها ستدعم بعد رحيل الرئيس ، عملية خلق حالة مغايرة في البلاد ؟ .

لم يعد هذا السؤال معلقاً ، بعد أن عايشنا ، على مدار السنوات الماضية ، كيف تم ترحيل الرؤساء ، في تونس ، وليبيا ، ومصر ، واليمن ، وكيف تم إعدام الرئيس العراقي ، وكيف طوال هذه السنوات ، تواصل الولايات المتحدة إملاءاتها ، لترحيل الرئيس السوري ، مصحوبة بعدوان إرهابي دولي ، وابتزازات سياسية ودبلوماسية .
وبخاصة ، بعد أن اتضحت حقيقة هذه الحملات .. وذرائعها " الترحيلية " من خلال الممارسة على الأرض ، واتضحت نتائجها البشعة ، المكونة من دماء وآلام الملايين من الضحايا ، والمشردين ، بذريعة ، إسقاط أنظمة ، وترحيل رؤساء ، بسيناريوهات تآمرية مخادعة للجماهير صاحبة المصلحة في التغيير من أجل حياة أفضل . واتضحت صورها ونتائجها أكثر ، بما آلت إليها الأمور ، من دماء ، وتفكيك في بنية الدولة ، ووحدة المجتمع ، ومن زعزعة للاقتصاد ، والاستقرار السياسي والاجتماعي ، في ليبيا ، واليمن ، والعراق ، وسوريا ، وتونس ، وبما يهدد بمآلات مماثلة لبنان والجزائر ومصر .

ما يؤكد ، أن هدف مخطط الترحيل للرؤساء ، هو إسقاط الدول ، وإعادة رسم خرائطها ، والهيمنة عليها ، وليس إسقاط رؤساء لغايات ديمقراطية .
إنها حرب أمريكية عدوانية بامتياز .. ذريعتها التغيير .. وعنوانها الترحيل .. ومفعولها التدمير .. وعقيدة قواها الضاربة الرئيسية المتمثلة ب " داعش ، وجبهة النصر ، والقاعدة " هي تعاليم ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، التكفيرية التدميرية المتوحشة ، المعادية للحضارة العلم والعقل . وذلك للسيطرة المطلقة على كل الجزء العرب من العالم ، المتميز ، ببتروله ، وغازه ، وجغرافيته ، وأسواقه ، لاستكمال تجسيد إمبراطورية الرأسمال الكونية تحت قيادتها .
غير أنها حرب مختلفة عن الحروب الاستعمارية التقليدية ، التي جرت ، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، من حيث زج جيوش الدول المحاربة لاجتياح البلدان الأخرى المستضعفة ، أو من حيث نوعية آلياتها .. وذرائعها .. وتوحشها . إنها حرب يقودها المركز الإمبريالي الأمريكي ، الذي استحوذ على القطبية الدولية ، مشحوناً بالغرور ، والإحساس المتضخم بالقوة ، وبقدرته على تحريك الدول والشعوب كما يشاء ، وتحريك آليات الأرض والسماء ، بتوجيه الأوامر والإملاءات ، عن بعد .. مرفقة عند الحاجة .. بالعقوبات .. والإرهاب .

ولعل من المفيد التذكير في هذا السياق ، أنه في منتصف الحرب العالمية الأولى ( 1916 ) قامت بريطانيا وفرنسا بنفس الدرور إزاء بلدان المشرق العربي ، فوضعتا خريطة جديدة ، عن بعد ، تم فيها تحديد خطوط نفوذهما ومصالحهما ، من بين النهرين ( الفرات ودجلة ) إلى ما يبن البحرين ( الأبيض والأحمر ) . وكان رهانهما على انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب ، وعلى قوى حليفهما ، أمير مكة " الشريف حسين " القبائلية . لتحقيق مؤامرتهما . ومع انتهاء الحرب ( 1918 ) وانهيار الإمبراطورية العثمانية .. تم عملياً .. ترحيل السلطان . وبعد ذلك بقليل ، قامت بريطانيا بكل وقاحة بتمزيق اتفاقها مع الشريف حسين ، الذي ينص على إقامة دولة عربية بزعامته ، من الشام إلى مكة ، واعتقلته ، وأمرت بترحيله إلى قبرص منفياً حتى الموت . .
وثبتتا الحدود بين مناطق احتلالهما في المشرق العربي ، كما رسماها في منتصف الحرب .. بالقلم .. والمسطرة ، وتمزق المشرق العربي بموجب ذلك ، إلى سوريا الحالية ، ولبنان ، والأردن ، وفلسطين ، والعراق . ، متجاهلتين باحتقار الشعوب التي تعيش فوق هذه المساحة الواسعة ، والتي كانت تحلم بدولة واحدة تضمها جميعها .

وفي أول عهد الرئيس الأمريكي " جورج بوش الابن " عام ( 2000 ) وضعت الجهات الأمريكية المسؤولة عن صياغة الاستراتيجية السياسية الأمريكية حول العالم .. عن بعد أيضاً .. وبمعزل عن شعوب العالم .. وضعت مخطط إقامة " نظام العولمة " . وحددت الأهداف والآليات المطلوبة على كل المستويات ، السياسية ، والاقتصادية ، والعسكرية ، والفكرية ، والإعلامية ، لبناء نظام عالمي متماسك ، يمتلك المناعة ضد التحديات والتمردات .. وكان في مقدمة الجديد في إنجازاتها .. بعد حرب أفغانستان وحرب العراق .. بناء جيوش إرهابية دولية ، بديلة للجيش الأمريكي .. في تحقيق تلك الاستراتيجية حيث يتطلب الأمر تدخل القوة لفرض الأوامر الأمريكية .

وكان على تلك الجهات أن تتعامل في الجزء العربي من العالم ، مع أنظمة حاكمة ، متعددة التسميات والأشكال ، بعضها ملكي .. وبعضها جمهوري .. لكنها كلها تقوم على شكل هرمي مقلوب ، يعتمد على ثباته وتوازنه على رأسه في أسفله ، وليس على قاعدته . وحسب هذا الواقع ، يكفي عند الرغبة في إعادة النظر في أحجام وبنى هذه الدول ، أو تفكيكها .. إزاحة الرأس ، المماثل وضعه ، لوضع قرن الثور الحامل للكرة الأرضية في الحسابات الخيالية ، حتى ينهار هرم هذه الدولة أو تلك . ما يتيح بعدها اللعب والعبث ببقاياها الجغرافية والبشرية ، حسب مخطط العولمة الإقليمي والدولي .

وهذا ما حدث ، وما نراه يحدث ، في العراق ، وليبيا ، واليمن ، وتونس ، ومصر ، فيما بقيت سوريا تقاوم هذا المصير . ما يعني حقيقة ، أن أمريكا لا تستهدف رؤوس الرؤساء ، لإزاحتها من طريق الشعوب في نضالها الديمقراطي ، وإنما تهدف إلى الاستيلاء على الدول ، والتلاعب بمصائرها .
وهذا يضيء حقائق لماذا كان ترحيل " زين العابدين بن علي " وإعدام " صدام حسين " واغتيال " معمر القذافي " وترحيل " علي عبد الله صالح " بعد محاولة اغتياله ، وترحيل " حسني مبارك " إلى السجن . ويضيء تعثر مخطط الترحيل في سوريا ، رغم الضغوط السياسية ، واستخدام الحرب الإرهابية المتصاعدة الشاملة لكل الأراضي السورية ، التي حولت سوريا إلى مصدر للحريق .. والرعب الإرهابي .. وعدم الاستقرار الأمني لبلدان عدة .

ومن اللافت ، أنه كلما تصاعدت الحرب في سوريا دون جدوى ، وتصاعد صمود الجيش السوري .. والشعب السوري .. يتعقد اللغز في إصرار أمريكا المتواصل على رحيل الرئيس ، التي تتجاهل حق الشعب السوري بتقرير مصيره .. ويزداد تعقيداً في رفض الرئيس الرحيل . ويتحول إلى مركب نقص في السياسة الأمريكية من طرف .. ومركب قوة في الواقع السوري عامة من طرف آخر . وتصبح الحالة السورية لغزاً عالمياً .

وهنا يحق السؤال : لماذا لم تلجأ أمريكا إلى الإصرار القانوني والحقوقي ، من أجل إجراء انتخابات ديمقراطية شفافة ، في كل البلدان التي لعبت فيها على رحيل الرؤساء ، إذا كانت تعتقد فعلاً ، أن هؤلاء الرؤساء مكرهون من شعوبهم .. وأن من تدعمهم في حملتها وتسميهم معارضات ، هم يمثلون شعوبهم حقاً .. وقد كان ذلك يجنب هذه البلدان ، الدمار ، والدماء ، والتمزق ؟ .. إنها لا عذر لها .. فهي تعرف ما تفعل .
لقد نجحت حرب ترحيل الرئيس ، للانقضاض على الدولة ، في ليبيا ، وتونس ، ومصر ، واليمن ، وتعثر وفشلت في سوريا ، وفي فشلها زادت نسبة المقتنعين من الشعب السوري ، أن الوطن أولاً ، والتمسك بالوحدة الوطنية .. وحدة كل القوى التي تقاتل بالفعل وبشرف ضد الإرهاب الدولي وتدافع عن وحدة ووجود سوريا ، وبأن الشعب السوري وحده من يقرر عبر الانتخابات الديمقراطية الشفافة ، من هو جدير بالرئاسة ، ومن هو أهل لقيادة الدولة والمجتمع . وقد أدى هذا إلى ارتفاع منسوب المسؤولية الوطنية . وفتح المجال لأن يعود هرم الدولة إلى وضعه الطبيعي واستقراره على قاعدته .. الدستورية الديمقراطية .. وصار تكرار الطلب الإملائي الأمريكي برحيل الرئيس .. له معنى معاكس .. ومفعول معاكس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة نار من تحدي الثقة مع مريانا غريب ????


.. الجيش الروسي يستهدف تجمعات للقوات الأوكرانية داخل خنادقها #س




.. الطفل هيثم من غزة يتمنى رجوع ذراعه التي بترها الاحتلال


.. بالخريطة التفاعلية.. القسام تقصف مقر قيادة للجيش الإسرائيلي




.. القصف الإسرائيلي المتواصل يدمر ملامح حي الزيتون