الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيم المطلقة والقيم النسبية

عماد صلاح الدين

2015 / 7 / 14
العولمة وتطورات العالم المعاصر


القيم المطلقة والقيم النسبية
عماد صلاح الدين

يأتي إنكار وجحود كثير من المعتقدات والنظريات والتصورات الفلسفية والمذهبية، لعموم المطلقانية التامة؛ خارج مفهوم الزمان والمكان الإنساني والتقليدي المعروف، كتجريد نظري، وليس بمعنى الإدراكية والملموسانية - على ابعد تقدير- كمفهوم، يأتي هذا الإنكار ضمن مرتكز مرجعية انه لا توجد قيم أو منظومة أخلاق كونية وثابتة، كنبراس نوراني علوي مطلق وبارز، كما الشمس والقمر، ابرز المضيئات والمنيرات في جوف الليل وفي وضح النهار، مع عدم نفي أي إمكانية بشرية تاريخية، في سياق المحاولة والحراك والفاعلية، بمرجعية أدنى؛ عقلية وذهنية، في استبصار أدوات وأساليب للإضاءة والإنارة جديدة ومبتكرة، منذ فجر التاريخ الإنساني، وحتى اليوم.

إن مسألة النظر إلى القيم المطلقة والقيم النسبية، تشبه إلى حد كبير، وضمن نسق علائقي رابط، مسائل النظر إلى العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وكذلك الأمر بخصوص الحلولية الجزئية والحلولية الشاملة. وكنت قد توصلت، واستكمالا لمسيرة وجهود المرحوم الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري، إلى وضع تصور نظري ومعرفي في مفهومي الحلولية الشاملة والحلولية الجزئية، وعن الفروق بينهما، قياسا إلى ما بذله، وتوصل إليه المسيري، في وضع إطار، وتحديد معنى واصطلاح، لكل من مفهومي العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة( أرجو مراجعة مقالاتي ودراساتي بخصوص الحلولية الجزئية والحلولية الشاملة المنشورة على مواقع الشبكة العنكبوتية العديدة).

وأضيف هنا، بأنني حاولت الربط، مع التوضيح المفاهيمي والعلائقي، بين كل من:
1- العلمانية الجزئية والحلولية الجزئية؛
2- العلمانية الشاملة والحلولية الشاملة؛

وقلت بهذا الصدد، إن العلمانية الجزئية والحلولية الجزئية، تلتقيان بمعقوليتهما ومقبوليتهما، على المستويين الديني التوحيدي والهيوماني الإنساني، وانه بالتالي لا تعارض ولا تناقض بينهما، بل إنهما يكملان بعضهما البعض، ويتعاضدان، في سبيل بثق نموذج إنساني أخلاقي وحضاري فاعل، مع كل الدوائر الإنسانية، وكذلك مجالاتها المتنوعة والمتعددة.

والمسألة هنا، أيضا، تنطبق في سبيل صك مفهومي القيم النسبية والقيم المطلقة، وتحديد معناهما، والفرق والافتراق بينهما؛ ذلك أن القيم المطلقة والقيم النسبية مجتمعتان، لا تتعارضان مع العلمانية الجزئية والحلولية الجزئية، وان القيم المطلقة، الدينية المصدر، ذات البعد والإطار التوحيدي، هي بمثابة الهادي والمنير المرشد، لمسيرة البشر الاجتهادية والعملية التفصيلية، في غير جانب حياتي.

ومن هنا، كانت الرسائل السماوية التوحيدية، في جل وجليل دعوتها، هي محاولة إتمام الأخلاق والقيم ومكارمهما ومحاسنهما، قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ولذلك، يحدث التمازج والتوافقية المنضبطة، بين القيمية النسبية والقيمية المطلقة؛ ما بين أسس ارتكازية ومحاولات اجتهادية، ينتج عنها في نهاية المطاف أعراف وعادات وتقاليد وأمثال وحكم وغيرها، تتحقق فيها مصلحة الناس، من اثر هذه العلاقة المحورية والتبادلية الايجابية، بين القيم النسبية والقيم المطلقة، ومسألة التمازج بينهما.

وحينما تكون المرجعية، للقيم المطلقة، ذات البعد المفاهيمي والتجريدي، الديني الإنساني، دون أن تكون هناك وبالارتباط وبالتبادلية المتمازجة، عموم سياق عملاني وتفصيلي تجريبي، يسعى إلى تحقيق منجزات إنسانية، في مجالات عديدة ومتنوعة، ليترتب على ذلك تكون مفاهيم قيمية؛ أعراف وسوابقية في العادة المكررة والتقليد المتبع والمعتاد، ضمن فترات زمنية وجيلية بعينها، وبحسب قضية المواءمة والمناسبة، بسند الظرفية المكانية والزمانية بهذا الخصوص.

عندها، وبحسب أعلاه، نكون أمام حالة لاهوتية فراغية خاملة متكاسلة ومتواكلة، يتسم المجتمع السائدة فيه بحالة من التخلف والانحطاط الأخلاقي والاجتماعي، مع حضور طاغ للفقر والمرض والجهل، ولكثير من الأدواء الاثنية الدينية والاجتماعية الأخرى. وهي هنا، تلتقي مع الحلولية الشاملة، في نسقها الآخر الديباجي والاعتذاري، عن الضعف والتواكلية العامة.

وأما حين تكون المرجعية فقط للقيم النسبية، مجردة من كل منظومات القيم المطلقة؛ الطالقة، والهادية لمكونات عموم وخصوص المقدرة الإنسانية المتكاملة، فعندها نكون أمام تجليات التحول الحاد من الهيومانية الإنسانية الأخلاقية والعملية الاجتهادية إلى العلمانية الشاملة التي، تنكر كل مرجعية متجاوزة لحدودنا وسقوفنا البشرية، وتجعل مرجعية الشيء في الشيء نفسه، بما في ذلك الإنسان نفسه كذلك. وهنا – بالتحديد- تتجلى صور ونماذج وتطبيقات الحلولية الشاملة الذرائعية والاعتذارية؛ حينما تنظر إلى أن الإله حل في الطبيعة أو في قوانينها أو في الإنسان والشعب، أو حتى في جيش من الجيوش العسكرية؛ بحيث يتحول هذا الجيش إلى بقرة مقدسة لدى منظومة سياسية أو ثقافية ما، بل وربما يحل هذا الإله في المفاهيم الإنسانية نفسها، فتتخذ طابع القداسة والطهارة والصدقية المطلقة؛ فتصبح مقاومة بعينها هي المقاومة الوحداء، ولو ارتكبت هذه المقاومة باسم المقاومة نفسها كل جرائم الحرب وضد الإنسانية والخطايا بأشكالها وأنواعها المختلفة، ولو بحق مظلومين من شعوب أخرى، فالاعتذار دائما عنها بأنها هي المقاومة، ولو أن غيرها قاوم ويقاوم، لكن لأنه لا يلتقي مع هذا المقاوم الأوحد، في التوجه السياسي أو الميداني أو التحالفي، لأصبح غير مقاوم. ولو أن هذا المقاوم يقاوم نفس العدو التقليدي، الذي يقاومه هذا المقاوم الأوحد، ويسمي نفسه مقاوما لأنه يقاوم هذا العدو.

هنا، تلتقي القيم النسبية الخالصة وفقط، مع العلمانية الشاملة والحلولية الشاملة؛ لان كل شيء أصبح مرجعية ذاته، دون قيم متجاوزة، أو دين متجاوز، أو اله متجاوز، عن عالمنا الضيق والمحدود.

وبسبب ذلك، يتحدث دعاة العلمانية الشاملة والحلولية الشاملة (الذرائعية في تبرير التمييز والاحتلالات والتفرقة العنصرية) عن انه لا توجد قيم ثابتة وراسخة مشتركة إنسانيا، بل إن هذه القيم والأخلاق تختلف من مجتمع إلى آخر، وهي تتبدل باستمرار لا ينقطع، حتى وصلنا إلى ذروة ما بعد الحداثة والإعلان الرسمي والأكيد لوفاة الإله الأحد، وتجليات العولمة والاستهلاكية، وتثبيت حقوق المثليين جنسيا، والشواذ جنسيا على العموم، برلمانيا وتشريعيا في المملكة المتحدة وفرنسا ومؤخرا الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن يصبح الممنوع في الصبح مسموحا به عند منتصف النهار، والحرام مساء يصبح هو الآخر مباحا مع ساعات الفجر الأولى من يوم جديد. وهكذا يغدو الحال كله في حالة من السيولة الشاملة، دون ضابط ما، أو محدد أخلاقي وإنساني حقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. قطط مجمدة في حاوية للقمامة! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. موريتانيا: مع تزايد حضور روسيا بالساحل.. أوكرانيا تفتتح سفار




.. إسرائيل تحذر من تصعيد خطير له -عواقب مدمرة- بسبب -تزايد اعتد


.. هدوء نسبي مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن -هدنة تكتيكية- انتقده




.. البيان الختامي لقمة سويسرا يحث على -إشراك جميع الأطراف- لإنه