الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت المعقول

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


هناك أشخاص استـثـنائيون يتعـقـلون الموت و لا يهابونها.. "إنهم من بلغوا نقطة ما في الفكر، لا تـناقض فيها بين الموت و الحياة" مثـلما قال مؤسس السريالية "اندريه بريتون".. إنهم الأنبياء و الرسل و لكنهم كذلك ثوريون قي عـصرنا الجديد الذي لا يصبغ عليهم صفة النبوة، و ربما يلمع اسم الثوري الأرجنتيني " ارنستو تـشي قيفارا" في سجل الخلود الإنساني المعاصر و الذي غدا رمزا إنسانيا عالميا حتى ان وجهه الجميل الموحي بالثورة و الحرية و العـظمة الإنسانية يـزين عـدة أماكن في العالم كما يـرتسم على الثياب.
و يحفل التاريخ البشري بآلاف المقاتـلين الذين لم يـهابوا الموت بل كانوا يـهاجمونه و يقـذفون بأنفـسهم نحوه مما خلق سر شجاعـتهم. و لعل أسطورة "الإلياذة و الاوديسيا" الإغريقية تحفظ لنا اسم "فكتور" و "اخيل" كمحاربيـن شرسين يستهزئان بالحياة القصيرة المكـللة في شيخوختها بالمرض و الوهن و المذلة.. و يقول اخيل "ان الآلهة تحـسد البشر لأنهم كائنات فانية" و يشير ذلك إلى سأم الخلود و ضجر الحياة في عـدم فنائها.
و انك لن تجد مغامرا لا تحركه نـزعة مقارعة المجهـول و الموت، و لكنه يحصد المجد و الخلود. فالبحار الاسباني "كريستوف كولمب" غامر لاكـتـشاف طريق جديد إلى الهند فوجد نفسه قد اكـتـشف قارة جديدة كانت فيما بعد عالما جديدا لازال إلى اليوم.. و انك تـقرأ عن المغامرات الأوربية الكبيرة و التي أدت إلى عصر الاستعمار و الصناعة و الرأسمالية و التكنولوجية، حتى انك تـنتابك الدهشة لتوغل الأوربي الأبيض في إفريقيا و الهند و الصين و في كل أرجاء العالم الذي كان يعتبره جحيما، فغـدا هو ممثل الجحيم عند هذه الشعـوب التي لم ترتضي ذل الاستعمار، برغم تمتع أغلبيتها بانتاجات الأوربي شيئا فـشيئا.
و العربي استيقـظ على واقع مواجهة الموت بحيث كان يتخيل نفسه سيدا للعالم و مستكينا على ذاك الحال برضائه بالخضوع لخلافة الترك الإسلامية، حتى دكت مدافع "نابليون بونابرت" سكينته و حولته إلى واقع الفاجعة، و بدأت مواجهة الموت بتحدي الاستعمار إلى اليوم.
لكن هل يمكننا فعلا تعقل الموت أي إيجاد ما يبررها عقلانيا؟ فمن الواضح ان الهدف أو القضية التي تتجاوز الفرد في محدوديته نحو قضية أو هدف كلي متعلق بما هو ابعد يجر الفرد إلى الاحتراق في عملية تحرك الكل. الموت الفردي هنا قد لا يتم الإحساس به. و ابرز مثال هو الجنود. فمن الصعب القول بتعقل للموت و إنما انصهار في الكل و إحساس به أقوى من الإحساس بالفردية.
و الثقافة الإسلامية تبدو عاجزة عن التفكير في الموت لأنها قولبت المسالة في جاهزيات من الخرافة هي الجنة و النار و عذاب القبر و الزبانية . فالتفكير العقلاني في الموت هو الوجه الآخر للتفكير العقلاني في الحياة. و ها قد جعلنا الإرهاب الإسلامي أضحوكة في العالمين، إرهاب يجره من قضيبه خيال مريض هو حقيقة لديه و هي الحوريات في الجنة. فهذه ثيمة إرهابية أساسية إلى جانب غيرها. فهذا الإرهاب مركب، و بقدر ما يثير الاشمئـزاز و التقزز، إلا انه يفتح أبواب الجحيم على هذه المجتمعات التي لازالت تحافظ على تقليديتها. الجحيم المتمثل في إثارة الأسئلة و الحفر في التاريخ و التراث و الثقافة العربية الإسلامية و نبشها و الاعلان الصريح عن موت جاهزياتها الفكرية. فهناك جنازات لامرئية الى جانب المرئية للقتلى من العرب و المسلمين في كل مكان..
و هكذا يمكننا أن نـنتـقل إلى المعقولية حين يكون لنا موت معقول نواجهه بكل بساطة و شجاعة وجودية. من هنا فقط تتأسس المجتمعات المعافاة من الماضي و الموت العبثي غير المحسوب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أولينا زيلينسكا زوجة الرئيس الأوكراني. هل اشترت سيارة بوغاتي


.. بعد -المرحلة الأخيرة في غزة.. هل تجتاح إسرائيل لبنان؟ | #غرف




.. غارات إسرائيلية على خان يونس.. وموجة نزوح جديدة | #مراسلو_سك


.. معاناة مستمرة للنازحين في مخيم جباليا وشمالي قطاع غزة




.. احتجاج طلاب جامعة كاليفورنيا لفسخ التعاقد مع شركات داعمة للإ