الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الولد الشقيّ- الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل

عدنان حسين أحمد

2015 / 7 / 15
الادب والفن


على الرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاماً على موجة السينما الألمانية الجديدة إلاّ أنها ماتزال حيّة حتى يومنا هذا. فأفلام معاصرة من قبيل "أركضي يا لولا أركضي" لتوم تايكور، و "وداعاً لينين" لفولفانغ بيكير و "السقوط" لأوليفير هيرسبيغل تذكرِّنا بأفلام روّاد الموجة الألمانية الجديدة وعلى رأسهم رينر فيرنر فاسبندر، ألكسنادر غلوغ، فولكر شولندروف، هيلما ساندرز برامز، مارغريتا فون تروتا، فارنر هيرزوغ وبقية المخرجين الألمان الذين تميّزوا بنفَسَهم الإبداعي، وطرحوا بشجاعة نادرة قضايا حسّاسة ومثيرة للجدل إلى درجة دفعت بالاعتقاد أنهم لم يتركوا شيئاً للأجيال الإخراجية اللاحقة.
إن هذا الاستنتاج الخاطف بحيوية موجة السينما الألمانية الجديدة سابقاً وفاعليتها الحالية في المشهد السينمائي الراهن يثبت لنا بالدليل القاطع أن أفكار هذه الموجة ومفاهيمها لم تمت، وإنما هي حيّة نابضة تعيش بين ظهرانينا موفرة العديد من العناصر الإلهامية لمخرجي اللحظة الراهنة الذين يبحثون عمّا هو خارج عن السائد والمكرور والمتعارَف عليه.
بعد أن طوت الحرب العالمية الثانية صفحتها الكئيبة والمروّعة شعرَ المخرجون الألمان أنهم بحاجة لأن يلقوا حجراً كبيراً في بحيرة السينما تحديداً كي يحرِّكوا المياه الساكنة ويُحدثوا فيها نوعاً من التغيّير الذي قد يجذب أكبر عدد من المتلقين من محبّي الفن السابع. وبالفعل أصدر بعض هؤلاء السينمائيين الشباب آنذاك بياناً تمحور على جُملتين لا غير وهما "أن السينما القديمة ميتة، ونحن نؤمن بالسينما الجديدة" وكان على رأس هؤلاء الشباب ألكساندر كلوغ، إدغار ريتز، بيتر شاموني وباقة أخرى من الأسماء التي لمعت لاحقاً في المشهد السينمائي الألماني. وعلى الرغم من أهمية الأسماء الإخراجية التي ورد ذكرها تواً إلاّ أن رينر فيرنر فاسبندر له حضور مميز، ونكهة خاصة.

الجرأة القصوى
يُوصف فاسبندر غالباً بعشرة ألقاب تتقدم اسمه، فهو مخرج، وكاتب سيناريو، وممثل، ومصور، ومؤلف موسيقي، ومصمِّم، ومونتير، ومنتج، ومدير مسرح، و "الولد الشقيّ" الذي يحمل مفاجآته معه أينما حلّ أو ارتحل. لا تكمن، بطبيعة الحال، جرأته في شقاوته أو في وضع الآخرين في مواقف محرجة، وإنما في جنونه المشابه تماماً لجنون الفنان السريالي سلفادور دالي مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الألمان كانوا يصفونه بـ "ضمير الأمة"، لكنهم كانوا "يتحاملون عليه في الوقت ذاته" لأن العديد من أفلامه كانت "تتقصى القيم الروحية، والعزلة الإنسانية للمواطنين الألمان الذين يعيشون في مجتمع يفتقر إلى التوازن الروحي".
تكمن جرأة فاسبندر في سلوكه، وشخصيته، وعالمه الداخلي الذي ينطوي على غرابة واضحة، كما تتجسّد في رؤيته الفنية والإبداعية، ورفضه للمشهد الثقافي المتشبث بمنظومة القيم والقوالب الفنية القديمة التي لا تستجيب لروح العصر، لذلك بحث السينمائيون الألمان من الموجة الجديدة عن طريقة لإحياء مشروعهم السينمائي بعد الحرب وقد تصدّر المشهد فاسبندر وشولندروف وهيرتزوغ وقدموا أفلاماً روائية طويلة تجمع بين الموضوعات المبتكرة، والتقنيات الحديثة، والرؤى الجديدة التي تضمنت أشكالاً سينمائية لم يألفها المتلقي الألماني من قبل حيث تم التركيز على مجمل المشكلات التي يعاني منها الفرد الألماني ولم يستثنِ الموضوعات الحساسة مثل الدعارة والمثليين والسحاقيات والإدمان على المخدرات والجريمة وما إلى ذلك.

الدراما النفسية
أنجز فاسبندر أربعين فيلماً روائياً طويلاً نذكر منها "الخوف يأكل الروح"، "زواج ماريان براون"، "برلين ميدان ألكساندر"، "مونيكا فوس"، "الحب أبرد من الموت"، "تاجر الفصول الأربعة" وغيرها من الأفلام المثيرة للجدل. فقد اختار فاسبندر في فيلم "الخوف يأكل الروح" موضوعاً شائكاً يتمحور على ردة الفعل العنيفة للعائلة من جهة، وللمجتمع من جهة أخرى على امرأة وحيدة، بيضاء البشرة، وطاعنة في السن، لأنها تزوجت من شاب مغربي مهاجر، أسمر اللون. وعلى الرغم من أن الوحدة هي التي جمعتهما قبل كل شيئ إلاّ أن المجتمع كان معادياً لهما ورافضاً لهذه العلاقة العاطفية التي نشأت بين السيدة الألمانية والمهاجر المغربي.
لا يخرج فيلم "مارثا" عن موضوع سادية الرجل ومازوشية المرأة التي تحملته على مضض على الرغم من الآثار القاسية التي تركها على جسد زوجته بعد أن نجح في الهيمنة على حياتها كلياً، وصار يفرض عليها نوع الحِمية التي يجب أن تمارسها، والموسيقى التي تستمع إليها، وإلى العزلة التي يقترحها بنفسه حتى أفضى بها إلى الشلل النفسي الدائم.
كان فاسبندر مولعاً بالدراما النفسية لذلك أنجز فيلم "الخوف من الخوف" الذي يروي هو الآخر قصة ربة بيت من الطبقة المتوسطة التي تضطر لأن تسجن نفسها في بيت كئيب جداً مع زوج قلق، ومرتبك نفسياً الأمر الذي يدفعها إلى الإدمان الفاليوم والإفراط في تناول المشروبات الروحية لأنها بدأت تعاني من الحصر النفسي، وتخشى أن تنحدر صوب الجنون.
أما فيلم "كوريل" فيسرد قصة شخص وسيم لكنه لص ومحتال وقد أُحبِط في علاقته المثلية مع أخيه. فهذا الكائن المنحرف يخون حتى الناس الذين يحبهم ولا يجد ضيراً في أن يقدّم لهم الموت بالمقابل. لقد أثار هذا الفيلم جدلاً طويلاً، ليس بسبب حريته فقط، وإنما لتصويره المثلية الجنسية والجريمة في آنٍ معا.
إذا كان فيلم "كوريل" سوريالي النزعة فإن فيلم "احترس من البغي المقدسة" لا يخلو من أوهام وفذلكات فكرية. فالمخرج في هذا الفيلم لديه هوس شديد بأناه المتضخمة، والطاقم محبَط برمته حيث تهيمن على الممثلين حساسية مفرطة تحول دون التواصل معهم. وحينما تسأل المخرج عن ثيمة الفيلم الأساسية يجيبك "الوحشية" ثم ينتهي الفيلم كالعادة نهاية فاسبندرية لا تخلو من سخرية مرة.
يعترف الجميع بأن فاسبندر كان حاضراً في الصحافة الألمانية بسبب تصريحاته الاستفزازية أيضاً والقضايا المثيرة للجدل التي يعالجها في أفلامه. وعلى الرغم من المراجعات النقدية المتباينة التي كان يكتبها النقاد المحليون إلا أن الصحافة الأجنبية كان تشير إليه بوصفه مخرجاً كبيراً تدخّل في ذائقة الناس وطرح عليهم ما لم يتوقعوه. وبالفعل عاشت أفلامه بعد ثلاثة عقود ولما تزل تؤثر في السينمائيين الجدد الذين وجدوا فيها مادة مُلهمة لأفلامهم القادمة التي تشير من طرف غير خفي إلى عبقريته الإخراجية، وخطابه البصري الذي سبق عصره بعدة عقود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر


.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى




.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا


.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح




.. انتظروا الموسم الرابع لمسابقة -فنى مبتكر- أكبر مسابقة في مصر