الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


“ لحظة قَسَم لدخول جنّة تدعى هولندا “ 1

سعد سامي نادر

2015 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



“ لحظة قَسَم لدخول جنّة تدعى هولندا “ ـ1 ـ

كانت بقدر ما، لحظة عراقية بامتياز.. لحظة حاسمة من عُمرك، مضت فيها السنوات ثقيلة، وأنت تنتظرها بلهفة وحسرة..
لحظة أملْتَ بها أن تنعش روحك المكروبة، وأن تعيد بها ثقتك بنفسك من جديد. لكن سهواً، من عدم إكتراث وخوف، هو أكثر عَراقة فيك، سيمارس شروطه، وسيخلط عليك لحظة متعتك الغامرة تلك، مع جبل أساك الثقيل، المصر على حملِه معكَ أينما حَللتْ.

في حريةِ غربتِك، ليس غريباً وأنت تتخطى فيها بملل وكسل، حاجز السبعين، ان تحفَلَ بعد فوات الآوان، بلحظة سعادة حاسمة كنت تنتظرها بشغف . هكذا تمر كل لحظاتنا السعيدة، تأتي غفلةً كالبرق، كالأقدار بدون موعد.. ومضةً آسرة مثل لحظة شعور بالحبِّ، تمنحك القوةَ في تفتيت جبل اوهامك، وأساك المرّ، وتحطم بها مهابة يأسك.. جبلٌ مهيب شيّدتَه أنتَ بصمت في وحشة غربتك، دون اكتراث..

حينذاك، وفي قمة نشوتك الآسرة، ستجد نفسك حراً، نشيطاً، ، فتى في السبعين “رشيقا كسمكة الدولفين” . عندها، ستتخطّى يأسك المرّ، رتابة أيامك، سأمك. وستزول عنك مخاوف شيخوختك.. وستنسى ضنا وهزال بصرك المرير، ضغط دمك، صرصر أذنيك الذي لا ينقطع، اوجاع ركبتيك ،ظهرك..وستواضب على العيش بهدوء، وتعتادَ على ان تلهو ببلادة، تقلب ذكرياتك الحلوة فقط، دون ضجر.. آه،، يا لحُلمك السعيد..!!

في تلك اللحظة الأبدية من حياتي، وانا اجتاز فيها بضجرٍ وقرف، عتبة السبعين.. كنت مثلك تماماً، غارقاً بالأمل وتأمل تفاصيل ذات الحُلم، مُمسكاً بكل لحظاته الحاسمة تلك، سارحاً بذات بساطة آماله الهانئة.. لكني في غفلة منه، لا أتذكر منها سوى إني سرحْتُ في لامبالاتي، وسَهوت عند ترديدي يمين الولاء لجنتي الساحرة..هولندا..
في لعنة نسياني السخيفة تلك، لعل أيّ حديث عن نقص في حماستي، افسره بمثابة تهمة خيانة ساذجة مللت من كثرة سماعها في مؤسسة الحزن والتخوين هناك . فقد كنت شغوفاً جداً، باستقبال لحظتي السعيدة تلك.. بِئسَ نعمة النسيان..!!

تلك هي المشكلة.! شطحة نسيان عابرة فرضت “نعمتها” لبرهة، قلبت شكل المشهد في ذهني.. لحظة لا علاقه لها بخرف ما، ولا بلخمة آزهايمر بليدة..
في السبعين، علينا ان ندرك ونتذكر دوماً، معنى : للعمر أحكام و”حوبة”. وهذه أبسط احكامه والاكثر نذالة، وهي تمارس بأبشع صورة، خيانتها لذاكرة شطرنجي بارع مثلي..
كيف امكن للخمة أسى آسرة، ان تخنق روحي، وتبدد نشوة فرحة انتظرتها بنكد وشغف، سبع سنين،؟؟
حقاً، هي لحظة نحس وخرس غريبة، لا أدري كيف ومَن شدّ عنق لسان حرّ لا تنقصة بسالة ما، ولا الحمسة في ترديد أربع مفردات لا غير، هي يمين الولاء لجنتي الخضراء المزهرة… هولندا..!!
ألست من آل ياسر ..!؟
ألمْ يكن موعدكم هنا..؟؟!!
فكّ وثاق لسانك يا رجل، وردّدها واقتحم..!!
“إن وعد الله حق..!!
“أيها الربّ آزر أولاد الحلال”
…………………………
هذه هي ملابسات لحظة عثرتي وخجلي.. وهذا هو اعترافي، لا أحتاج كي يصدقه أحد، ولا أن أحلف بمقدساتٍ كانت قد شاركت بشكل ما، في تهجير عائلتي وملايين الأذكياء الشرفاء في الشتات..
لكني كرجل حرّ، سأقسم لكم بما هو أغلى وأثمن، بوطني الحُلم ، وبكل ما تركته ورائي من ذكريات حلوة هناك، وبأسماء آلاف الأحياء والأموات ممن شاركوني حلوها ومرّها، وبأماكنها السعيدة التي ما زلت أحن لها، وألتفت بأسى وأسف إليها ..
بإسمهم جميعا، أُقسم باني لآخر لحظة من سعادتي تلك ،كنت قد حفظت وعن ظهر قلب، جملة قَسَم الولاء البسيطة تلك ..لكنني لا استطيع ان أفسر لكم ، لماذا اختنقتْ..!!
لا تعجبوا حين أُخبركم، بأني وحتى في أوج لحظتي الكونية الحاسمة من أساي وأسفي وخجلي، انقذني في ترديد كلمات يميني، هولندي نبيل، دائم الإبتسامة، هو الملاك الذي تشاهدونه وهو يحتضن شيخوختي في الصورة.. لقد همسَها لي بكبرياء الواثق المترفع المقتدر . من دون غضب، وبلا أيّ علامة استهجان قد أحس بها بالضعف والإهانة. والأهم، كان هولندياً بلا حساسية “ أورانجـ..ية” مفرطة بالوطنية ..
يقيناً حينها، كنت أحمل معي وباصرار بليد، جبلاً من الأسى، أنساني تلك المفردات الأربع البسيطة، التي لا تطلب منك أكثر من أن تردد : أنا أُقرْ..!!: لتدخل الجنة
"Dat Verklaar En Beloof Ik.
في رحاب جنّات مملكة “ويليم أورانج” الديمقراطية الساحرة،، لا يُطلب منك أو من أبنائك ان تردّدوا كل صباح ..”مليكنا ..قائدنا ..سيدنا نفديك بالأرواح”..
لكن دون شكّ، ستعِشْ أنت وأبناءك واحفادك في جنانها حراً، سعيداً، آمنا،، غانماً، كريماً، مكرماً.. شعور غامر كهذا، كفيل ان ينسيك أساك، ويعلمك اهم درس في الوطنية :
ان الوطن سلطة سياسية ،،حقوق مواطنة غير منقوصة.. مقابل واجبات مواطن حد الفداء بالروح..

يتبع : “ لحظة قَسَم لدخول جنّة تدعى هولندا “ ـ2ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر