الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض من ملامح اكتساح السياسي للنقابي بالمغرب

محمد فاضل رضوان

2005 / 10 / 11
الحركة العمالية والنقابية


لا يملك المتتبع للشأن النقابي بالمغرب إلا أن يقف حائرا أمام طابع الغرابة التي تكتنف طبيعة سير مختلف هياكله و تنظيماته ما بين مظاهر وطقوس عدة تنسجم و ماأضحى يعرف بسياق الأزمة في المغرب. أزمة السياسي و الثقافي و الاقتصادي و الأخلاقي... هذا السياق يسمح بالحديث عن أزمة العمل النقابي بالمغرب و التي تتأسس عبر مظاهر خلل عدة ترتبط كل واحدة منها بالأخرى لتتفرع عنها توابع و لواحق تجسد بوضوح إفلاس واجهة أساسية من واجهات اشتغال المجتمع المدني كان من شأن تواجدها الفعال أن يسهم في تحريك دواليب مجالات مختلفة من الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية بهذا البلد. فما بين.موسمية العمل النقابي التي يصعب التحكم في مساراتها التائهة بين سياقي التصعيد و المهادنة التي تتضارب في لحظات كثيرة دون خيط ناظم يحدد هذه المسارات و يوحدها في خدمة غايات المجال النقابي في شموليته إلى التداخل بين النقابات والأحزاب إلى درجة يصعب معها معرفة أين يبدأ الحزب و أين تنتهي النقابة و ما مدى تأثير كل إطار منهما على الآخر فيفتح المجال بالتاي للتعددية النقابية التي تعد سليلة التعددية الحزبية المغربية و التي لا تجد لها مبررا معقولا في ظل التوافق الإنساني حول أجندات عمل النقابة التي تختلف بالتأكيد عن عمل باقي المؤسسات و في مقدمتها الأحزاب.. هذه النقاط الثلاث التي تبدو واجهات كبرى لأزمة العمل النقابي المغربي تلتقي على مستوى علاقة النقابات بالأحزاب و طبيعة تسخير كل منهما للآخر في تحقيق مكاسب ميدانية. فلصالح من يسير هذا التداخل بين السياسي و النقابي في المغرب؟ و ما هي انعكاساته على أداء النقابات و رسم برامجها ما بين سياقي التصعيد و المهادنة و هل من جدوى للتعددية النقابية بالمغرب؟
مالذي يتحكم في سيناريوهات التصعيد و المهادنة؟
لا يجد المتتبعين للعمل النقابي في المغرب منطقا معقولا يتحكم في سير التحركات النقابية ما بين سياقي المهادنة و التصعيد, فغلبة ما أضحى يعرف في الأدبيات السياسية و الاجتماعية المغربية المعاصرة بالسلم الاجتماعي طيلة أيام السنة, ثم الإنزال المفاجئ و المكثف للشغيلة في أيام و ظروف بعينها لا يجد له تفسيرا بالنظر إلى أن أغلب الإشكالات المطروحة على أجندة الأجهزة النقابية لم تعرف تحركا يذكر منذ سنوات, اللهم في الاتجاه العكسي الذي كان من أهم سماته التراجع عن مكاسب نقابية انتزعت سابقا, هذه الموسمية في أداء الأجهزة النقابية لا يمكن الاقتصار في تحليلها على غياب رؤية واضحة للفاعلين النقابيين لسياق تحركاتهم و احتجاجاتهم بما يشل قدرتهم على فرض خياراتهم إزاء الإشكالات المطروحة, بقدر ما يمكن ربطها بتوازنات غير مرئية أو غير متاحة الرؤية لأغلب القواعد العمالية, فالتضارب بين سياقي المهادنة و التصعيد وفق درجة غليان الساحة السياسية و طبيعة التحالفات المبرمة بين مختلف فاعليها يؤشر على أن هذه السيناريوهات تتجاوز ما قد يعتبر تكتيكا آنيا من قبل النقابات في تسيير الشأن العمالي لتنخرط في لعبة التوازنات السياسية الشمولية التي لا تخدم بالضرورة مصالح القواعد العمالية التي تتحول إلى أداة للضغط الموسمي من أجل إعادة ترتيب أوضاع معينة لم تعد مقبولة من طرف جهات نافذة في النسيج السياسي بالأساس, غير أن دخول النقابات في لعبة التوازنات السياسية هذه لا بد و أن يمر في الغالب عبر قنوات الأحزاب السياسية المرتبطة بها و هو ما يربطنا بالنقطة الثانية التي حددناها سلفا لمقاربة أزمة العمل النقابي بالمغرب و التي ترتبط بعلاقات التداخل بين النقابات و الأحزاب التي تضيق الكثير من هوامش الحركة أمام الأطر النقابية بتأثرها بطبيعة التواجد السياسي للحزب المرتبطة به ما بين موقعي الحكم و المعارضة. فما هو السياق التاريخي المتحكم في هذا التزاوج بين السياسي و النقابي في المغرب؟ و ما هي طبيعة العلاقة التي تربط بين الطرفين و لصالح من تسير؟ و ما هي انعكاسات هذا التلاقي على مستوى فاعلية العمل النقابي؟
هل من حدود فاصلة بين النقابات و الأحزاب؟
إن مقاربة سريعة لارتباط النقابي بالسياسي في المغرب ستعيدنا لا محالة إلى بداية الستينيات حين راهن رفاق المهدي بن بركة في اللحظات الأولى للاتحاد الوطني للقوات الشعبية على رفاق المحجوب بن الصديق الزعيم التاريخي لما يعرف بالنقابة الأم في المغرب, الاتحاد المغربي للشغلUMT لاختراق القواعد العمالية بما يضمن انتشارا شعبيا واسعا للحزب المنشق حديثا, في مواجهة رفاق الأمس بحزب الاستقلال مما حدا بهذا الأخير إلى الرد بنفس الأسلوب من خلال الإعلان عن تأسيس إطار نقابي جديد حمل اسم الاتحاد العام للشغالين بالمغربUGTM و الذي ظل منذ تأسيسه وإلى حدود الآن يمارس العمل النقابي بألوان استقلالية ووفق الرؤى و التوازنات الخارجية و الداخلية لحزب الاستقلال, و لأن ارتباط النقابات بالأحزاب أصبح أحد طقوس المشهد السياسي بالمغرب فقد كان لا بد للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و هو يعلن عن نفسه بقوة في عقد السبعينيات من إطاره النقابي الخاص و الذي تمثل في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل CDT التي يتزعمها منذ تأسيسها محمد نوبير الأموي و هو الإطار الذي انطلق من ظروف الاحتقان السياسي و الاجتماعي لمغرب السبعينيات ليضمن لنفسه تواجدا قويا في الأوساط العمالية المغربية يسير في انسجام مع المكانة القوية و المميزة التي طالما احتلها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في النسيج السياسي المغربي, و قد كان لهذا الإطار أن يقدم مثالا صارخا على ارتباط النقابي بالسياسي في المغرب حين تأثر بالانشقاق الحزبي الذي عرفه الاتحاد في مؤتمره السادس بتموقع جزء من أطره إلى جانب زعيمهم محمد نوبير الأموي الذي أضحى من رموز انشقاق المؤتمر الوطني الاتحادي و انخراط البقية في إطار جديد وفق تصور جهات نافذة داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في إطار نقابي جديد حمل اسم الفدرالية الديمقراطية للشغل FDT, كما عبر حزب العدالة و التنمية عن جاهزيته للانخراط في المشهد السياسي المغربي بطقوسه و حيثياته و من ضمنها تسخير النقابي في خدمة السياسي من خلال إحياء الإطار النقابي القديم في حركة الدكتور الخطيب الاتحاد الوطني للشغل UNT و استغلاله في إنزال نقابي ضمن لنفسه نفس الاكتساح الذي ضمنه الحزب الوصي في الأوساط السياسية رغم كل الظروف و الملابسات التي لا يتسع المجال لتحليلها, هذا إضافة إلى تنظيمات نقابية أخرى مرتبطة بالأحزاب الإدارية ليس لها تمثيلية تذكر.
هذا التداخل بين السياسي و النقابي بالمغرب لم يكن خفيا بقدر ما عكسته مجموعة من المظاهر القوية كاحتلال القيادات النقابية لمناصب نافذة في الأجهزة التنفيذية للأحزاب المشرفة عليها, و صدور مناشير النقابات بالألوان المميزة للأحزاب, إضافة إلى ظهور قيادات الأحزاب إلى جانب القيادات النقابية في تجمعات و استعراضات فاتح ماي مما يطرح السؤال حول أين ينتهي الحزب و أين تبدأ النقابة؟.
إن ارتباط النقابي بالسياسي في المغرب كان من الممكن القبول به لو كان يتم وفق مستوى أفقي أساسه التنسيق بين الفاعلين النقابيين و الحزبيين لما يخدم مصلحة العمال و يشكل جبهة قوية لانتزاع المكاسب و الحقوق, إلا أن سياق الأحداث يؤشر على ارتباط الطرفين في سياق علاقة عمودية تجعل النقابي في خدمة السياسي ما دامت تحركات و إنزالات الشغيلة تتأثر بملابسات الوضع السياسي القائم بما يخدم الحزب و ليس النقابة, وهو ما يعني وفق النموذج المغربي ارتهان مصالح الفئات العمالية الواسعة في يد نخب سياسية أثبت التاريخ إفلاس تصوراتها واستراتيجيتها, من هنا تتحول الطبقات الشعبية إلى مجرد ورقة للضغط قد تشهر من قبل الفاعلين السياسيين بشكل موسمي لتحقيق مكاسب ضيقة غالبا ما ترتبط بحروب المواقع داخل و خارج تنظيماتها السياسية, إذا أخذنا في تصورنا أن أغلب القيادات النقابية هي أعضاء نافدة في الأجهزة الحزبية الوصية فإن هذا الأمر يضع الشغيلة تحت توجيه مباشر و مركزي من لدن الأحزاب, و هو ما يعني تبديدا لمصالح الفئات الشعبية على موائد التناحر الحزبي و تعزيزا لظاهرة التشرذم النقابي الشيء الذي يبدد خيارات و مصالح العمال ما بين تعددية ليست أصيلة بقدر ما هي انعكاسا مباشرا لارتباط النقابات بالأحزاب و هو ما يربطنا بالنقطة الثالثة في أزمة العمل النقابي بالمغرب و المتعلقة بالتعددية النقابية , فما الذي يعنيه التفريخ النقابي بالمغرب و هل من خلاف حول مصالح الشغيلة يبرر هذه التعددية ؟
التعددية النقابية: هل من خلاف حول مصالح الشغيلة؟
إن مقاربة قضية التعددية يتطلب منا وضع حدود فاصلة بين الحزب و النقابة على اعتبار ضرورة ارتباط الإطار الأول(الحزب) بخلفية أيديولوجية تؤطر برامجه السياسية التي سوف يسعى إلى تحقيقها على أرض الواقع عبر رهان الانتخابات الذي ليس من المفترض أن يستحضر العمال إلا كناخبين ينبغي استمالتهم بوعود تحسين أوضاعهم لضمان أصواتهم. و انفتاح الإطار الثاني(النقابة) على المصالح الملموسة الثابتة و المباشرة للعمال و التي لا مجال للعقائد و الأيديولوجيات بها, ذلك أن مصالح العمال واحدة باختلاف انتماءاتهم و توجهاتهم الأيديولوجية و العقائدية. هدا التمييز المبدئي بين مجالي اشتغال كل من النقابة و الحزب يضع أكثر من تساؤل على جدوى التعددية النقابية في المغرب ما دام مجال الاختلاف العقائدي و الأيديولوجي غير وارد على مستوى مصالح العمال المادية, فإذا كان من الضروري وجود تعددية حزبية تضمن حق كافة أطياف المشهد السياسي في التعبير عن ذاتها بما يشرعن الممارسة الديمقراطية و يضمن لها شروطا حيوية للاستمرار, فإنه لا مبرر لوجود تعددية نقابية ما دام لا مجال للاختلاف حول مصالح الشغيلة و التي لا تخرج في مجملها عن ضمان العيش الكريم فالمصالح ثابتة و إن تغيرت الخلفيات و الأيديولوجيات.
إن النقابة إطار لا ينبغي أن يتجاوز مداه تنظيم العمال وتأطيرهم بتوفير مخاطب رسمي لأرباب العمل سواء تعلق الأمر بالدولة أم بالخواص. هكذا تصبح التعددية النقابية مدخلا لزرع الفرقة و الخلاف في أوساط العمال بدخول الأطراف الفاعلة في العمل النقابي في مزايدات موجهة في الغالب من طرف جهات مستفيدة ما بين أرباب العمل عواما كانوا أم خواص و نخب سياسية مستهلكة تروم ضمان تواجدها السياسي على حساب المصالح الثابتة المرتبطة بالخبز اليومي لأغلب شرائح المجتمع المغربي, و لعل سيناريوهات الإضرابات و الإضرابات المضادة في المغرب و سعي كل إطار نقابي لإفشال مبادرات الأطر النقابية الأخرى لخير دليل على أن الفئات الشعبية في المغرب تخوض حروبا بالوكالة لصالح الأحزاب الوصية على تنظيماتها النقابية بما لا يخدم على أية حال مصالح العمال.
إن هيمنة السياسي على النقابي في المغرب يعكس عجزا تنظيميا خطيرا لدى الأحزاب يحد من قدرتها على تأطير المواطنين و هو أمر لم يعد مثار جدل بين المهتمين بالحقل السياسي المغربي العاجز عن تجديد نخبه من جهة و توسيع قواعده الشعبية من جهة أخرى, هكذا تجد هده الأحزاب نفسها مضطرة للركوب على موجة خطاب الخبز لضمان قواعد شعبية للمناورة السياسية من جهة و الإنزالات الانتخابية من جهة أخرى, على نطاق آخر تعكس هده المظاهر إفلاس وعي الفئات العمالية بانخراطها في أدوار مرسومة تجعلها مجرد كومبارس يخوض حروبا بالوكالة لصالح السياسيين الشيء الذي يعرض مصالحها للضياع على هوامش التوازنات و التحالفات السياسية المتغيرة باستمرار. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار اعتصام طلاب جامعة جورج واشنطن في مخيم داعم لغزة


.. المغرب.. معدلات البطالة تصل لمستويات قياسية




.. أخبار الصباح | لندن: ضربة مزدوجة من العمال للمحافظين.. وترمب


.. رغم تهديدات إدارتها.. طلاب جامعة مانشستر البريطانية يواصلون




.. بعد التوصل لاتفاقيات مع جامعاتهم.. طلبة أميركيون ينهون اعتصا