الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا أقمعك و أنت عليك الصمت !

حزب الكادحين الوطني الديمقراطي

2015 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



أعدّت حكومة الصيد مؤخّرا مشروع قانون جديد يحمل عنوان "زجر الاعتداء على القوّات المسلحة"، وقـامت بعرضه على مجلس النواب قصد مناقشته والمصادقة عليـه. مشروع هذا القانون الجديد هو في الحقيقة مشروع قديم وقع احياؤه الآن، فقد كانت حكومة الترويكا الثّانية (حكومة علي العريض) قد أعدّت مشروع قـانون يحمل عنـوان "تجريم الاعتداء على الأمنيين ومقراتهم الأمنية" وعرضته خلال شهر جوان 2013 على المجلس التأسيسي. وإذ لم تتم المصادقة على ذلك المشروع ليصبح قانونا، فإنّه بقي محفـوظا برفوف الحكومات اللاّحقـة، وهـا هي حكومة الصيد المنبثقة عن تحـالف سياسي أوسع أعادت إليه الرّوح وحيّنته تماشيا مع المعطيات السياسية والاجتماعيّة وخاصّة الأمنيّة المستجدّة وخصوصا مع تعالي الأصـوات الدّاعية إلى سنّ قـانون لمكافحة الإرهـاب.
ورد مشروع القانون هذا في 20 فصلا موزّعة على 5 أبـواب. فمـاذا تضمّنت هذه الفصول ؟ ومـا هي الأهداف المعلنة المرسومة والأهـداف الخفيّة لهذا القـانون المرتقب ؟
حدّد واضعو مشروع القانون أهدافـه في الفصل الأوّل منه، حيث ورد فيه ما يلي: "يهدف هذا القـانون إلى حماية أعوان القوات المسلحة من الاعتداءات التي تهدد سلامتهم وحياتهم وذلك ضمانا لاستقرار المجتمع بأسره. كما يهدف هذا القانون إلى زجر الاعتداء على المقرات والمنشآت والتجهيزات الموضوعة تحت تصرفهم أو حمايتهم أو رقابتهم وإلى زجر الاعتداء على أسرار الأمن الوطني". وبعد هذه الأهداف، يعرّف المشروع بالأطراف المعنيّة بالحماية التي سيشملها القـانون المرتقب ويحدّدها في "الأعوان الحاملين للسلاح والتابعين للقوات المسلحة العسكرية وقوات الأمن الداخلي والديوانة" كما ورد في الفصل الثاني منه. وبعد تحديد الطرف الذي سيتكفّل بحمايتهم وهو الدّولة وكذلك زمن الحماية وهو "أثناء مباشرتهم لوظيفتهم أو بمناسبتها" (الفصل 3)، يتطرّق المشروع، في نفس الفصل، إلى تعداد أماكن حماية هؤلاء الأعـوان، فزيـادة على مقرّات ومناطق مباشرة وظيفتهم تمّ إضافة "محالّ سكناهم ووسائل تنقّلهم"، ولن تقتصر الحمـاية على الأعـوان المعنيين بل إنّها تشمل أيضا عائلاتهم الموسّعة، إذ ورد بالفصل الثالث: "وتنسحب هذه الحماية على أزواجهم وأصولهم وأبنائهم ومن هم في كفالتهم قانونا".
وردت هذه الفصول الثلاثة الأولى ضمن الباب الأوّل تحت عنوان أحكام عامّة. أمّا الأبـواب الثلاثة اللّاحقة فقد حدّدت أشكـال الاعتداء على الأطراف والأمـاكن المستهدفة والتي تمّ تحديدها في الفصول السّابقة إضافة إلى "الاعتداء على أسـرار الأمن الـوطني"، وفصّلت العقـوبات المترتّبة عن هذه الاعتداءات. فمن بين 14 فصلا ضمّته هذه الأبـواب الثلاثة، تفتتحُ عشرة فصول بعبارة "يُعـاقب"، وتتكرّر هذه العبارة في متن بعض فقرات تلك الفصول، كما تتكرّر مشتقّات هذه العبارة في أغلب الفصول على شاكلة "وتضاعف العقوبة" أو "وترّفّع العقوبة".
وبقطع النّظر عن طبيعة العقوبات وأشكالها ومدّتها إن كانت بالسّجن وقيمتها الماليّة إن كانت خطايا مع أنّ الشّكلين يردان متلازمين في هذا المشروع، فإنّ الأطـراف التي ستشملها هذه العقـوبات، وحسب ما حاول هذا القـانون المرتقب تحديدها، لا يمكن حصرهـا لا في فئـة اجتماعيّة معيّنة ولا في قطاع مهنيّ معيّن وإنّما هي جزء كبير من هذا المجتمع الذي قد لا يدرك أنّه حين يروي خبرا يكون الأمن أو الجيش أو الديـوانة طرفا فيه يخرق هذا القـانون وبذلك يصبح خاضعا للعقـوبات المنصوص عليها فيه بما أنّه استعمل "سرا من أسرار الأمن الوطني" دون أن يمتلك الصّفة التي تخوّل له التعاطي مع هذه الأسـرار. ذلك أنّ الأسرار الأمنية، حسب هذا المشروع تشمل "جميع المعلومات والمعطيات والوثائق المتعلقة بالأمن الوطني"، وهي لا تنحصر في المعلومات السريّة المتعارف على سرّيتها حول الأجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكريّة. وبهكذا قانون، فإنّ أيّ حديث أو تداول للمعلـومة حول الأمن تصبح ممنـوعة، وهذا ما يخوّل لمستعملي هذا القانون والمستفيدين منه التجنّي على أيّ كـان وجعله تحت طائلة أحكام هذا القـانون المرتقب. ولا يختلف أمـر العقوبات والأطراف التي يمكن أن تقع تحت طائلتها كثيرا إذا تعلّق الأمر بالتقاط صور أو أشرطة فيديو أو حتّى مجرّد استعمال لأيّ جهاز تصوير أو تسجيل داخل المؤسسات الأمنيّة وخارجها أيضا إذا ما وجد بها هؤلاء الأعـوان، إذ ورد في الفصل السّابع ما يلي: "يخضع لترخيص مسبق من السلطة المختصة كل استعمال لآلات التصوير والتصوير السينمائي والأجهزة الهاتفية وآلات التسجيل وأجهزة الاستقبال الإذاعي أو التلفزي داخل المنشآت الأمنية أو العسكرية أو في مواقع العمليات الأمنية أو العسكرية أو بالعربات أو على متن الوحدات البحرية أو الجوية التابعة للقوات المسلحة"، ويخضع كذلك تداول الصور أو التسجيلات بأيّ طريقة من الطّرق إلى ضرورة الحصول على ترخيص.
الأمـر لا يختلف كثيرا، بل إنّ عقـوباته أشدّ خطـورة، في علاقة بالاعتداءات الماديّة التي يتعرض لها أعـوان القوات المسلّحة وأفـراد عائلاتهم ومقرّات عملهم ووسائل نقلهم وكذلك مقرّات سكنهم. وهذا ليس غريبا ولا جديدا في حقيقة الأمر، ولكن جعله قانونا يهدف إلى تشريع تجريم أيّ احتجاجات اجتماعيّة، وهنا يظهر الطّابع الطّبقي لهذا المشروع فهو موّجه ضدّ الطّبقات الكادحة الواقعة تحت الاستغلال والاضطهـاد والتي تعاني من مختلف أنـواع البؤس وتطمح إلى تغييرها. وهذا سيكون تتويجا لمسار طويل معاد للمسار الثوري ليست الغاية منه إلاّ القضـاء على الإنجازات المحدودة التي أتت بها نضالات شعبنا في انتفاضته الأخيرة ومنع كادحي هذا الـوطن من مجرّد التفكير في التعبير عن رفض أوضاع البؤس التي يعيشونها والمطالبة بحقـوقهم المشروعة في الشّغل والتنمية العادلة والحريّة والكـرامة.
إنّ العقـوبات بالسّجن وبدفع غرامـات ماليّة في علاقـة بالحصول على أخبـار أو معلومات أو معطيات متعلّقة بالأعـوان أينما كانوا والمسجّلة تحت باب الأسرار الأمنيّة يهدف من ورائها المشرّع إلى حماية "القوّات المسلّحة"، وفي المقـابل إلى منع تصوير ما يقومون به وهذا سيزيد طبعا في إطلاق يد هذه القوّات في ممارسة قمعها للأفراد والمجموعات والتعدّي على حقوقهم دون أدنى حساب. فمقابل ذلك الكمّ الهائل من العقوبات الموجّهة ضدّ "المعتدين على القوّات المسلّحة"، لم ينص هذا القانون على عقوبة واحدة ضدّ هذه القوّات، بل إنّه وفّر لهم ضمانات وأعذار تحميهم من الوقـوع تحت طائلة أيّ قـانون قد يحمل في طيّاته عقوبات ضدّهم حتّى وان ارتكبوا جرائم قتل، وقد شرّع لها هذا القانون ذلك بصريح العبـارة في فصله الثامن عشر بهذا النصّ: "لا تترتب أية مسؤولية جزائية على عون القوات المسلحة الذي تسبب، عند دفعه لأحد الاعتداءات التي تتكون منها الجرائم المنصوص عليها بالفصول 13 و14 و16 من هذا القانون، في إصابة المعتدي أو في موته، إذا كان هذا الفعل ضروريا لبلوغ الهدف المشروع المطلوب تحقيقه حماية للأرواح أو الممتلكات، وكانت الوسائل المستخدمة هي الوحيدة الكفيلة برد الاعتداء وكان الرد متناسبا مع خطورته".
إنّ هذا المشروع أتى ليكمل مسلسلا طويلا بدأت أولى حلقـاته أيّـام الانتفاضة. وليس غريبا أن تقـوم أجهزة النظام القـائم بالدعـاية لجهاز الأمن والعسكر فتلك مهمّتها للحفـاظ على دولتها المرتكزة أساسا على هذين الجهازين. وقـد انساقت الأطراف الإصلاحيّة في نفس هذا التوجّـه ولعبت نفس الدّور. فتمّ النّفخ في صورة الجيش الذي اُعتبر حاميا للشعب أثناء عمليّات القمع التي تعرّضت لها الجماهير المنتفضة حتّى بلغ الأمـر لاحقا بالبعض إلى وصفه بـ"الجيش الشعبي"، ثمّ جـاء الدّور على قوّات وزارة الدّاخليّة فتمّ وصفها بـ"الأمن الجمهـوري" في محاولة لإلغاء طابعها الطّبقي المعادي للجماهير الشعبيّة بهدف تضليلها بعد أن كانت وزارة الداخلية وزارة إرهـابيّة وكان النظام في عهد بن علي ينعت بالنّظام البوليسي. وقد ساهمت هذه الدّعـاية في إفلات قتلة الشّهداء من أبناء الشّعب الكادح وفي جرح المنتفضين العزّل من الحسـاب ومن العقـاب وقد ساهمت المحاكم العسكريّة في إسقاط التّهم عن المتّهمين، بل إنّ عددا منهم وقعت ترقيته إلى رتب عليا، وليس غريبا أن يتمّ تكريـم علي السّريـاطي وتوسيمه بإحداث منصب أمنيّ جديد على شرفه تحت غطاء جمعياتى. إنّ مشروع القـانون هذا كان بالإمكـان اختال كلّ فصوله وأبـوابه في عنـوان وحيد يجعل أيّا كان من أبناء هذا الشّعب بما فيه الأمّيين قادرا على فهمه، وهو "كول المسبط واُسكتْ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد مصرع رئيسي.. هذه تحديات كبرى تواجه إيران ! | الأخبار


.. سر من أسرار محمود وبيسان.. كيف تطورت علاقتهم؟ ????




.. انتخابات مبكرة وإدارة انتقال مضطرب.. امتحان عسير ينتظر إيران


.. جنوب لبنان.. حزب الله ينعى 4 من عناصره ويهاجم مواقع إسرائيلي




.. إعصار الجنائية الدولية يعصف في إسرائيل | #التاسعة