الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اندماج الثقافات في كولاج إدوار الخراط

محمد سمير عبد السلام

2005 / 10 / 12
الادب والفن


في المعرض الذي أقامه الفنان الكاتب إدوار الخراط ،لفن الكولاج دلالات تقنية و ثقافية عديدة ، فقد أثارت لوحات المعرض إشكاليتين على درجة كبيرة من الأهمية ، هما /
أولا / الارتباط الوجودي المعقد بين القصاصات المأخوذة عن مواد جاهزة ، والصورة الملحة للذات ويمثلها - غالبا - وجه إدوار نفسه ، ويستدعي إلحاح عنصر الذات أن يكون الوعي بديلا حيا ديناميكيا عن فضاء اللوحة ، ومن ثم فهو مجال لتقاطع الصور و الثقافات التي تبدو شديدة التنوع و التناقض الملازم لثراء المدلول الإبداعي ، وكأن الوعي معبر أو مجال لالتقاط هذه الصور و تحويلها إلى ممارسة وجودية مقدسة.
مثل رواياته يتوتر العمل الفني عند الخراط بين إظهار الديزاين / التكوين كدال مقدس في ذاته ثم استبدال هذه القداسة عينها بالكائنات الأسطورية أو الطواطم أو صور القديسين أو القصاصات و الملصقات كما هو في لوحات الكولاج ؛ ففضاء اللوحة يمتلئ بالوجوه المصرية المتعبة الحاملة للألم الوجودي و الطرائق المختلفة في المعرفة الكونية الكامنة خلف العين مقترنة بالقصاصات التي تعيد تمثيل تراث ( الحافة الصلبة ) في الفن التجريدي ، و لكن بصورة جديدة فهي هنا في علاقة تقاطعية لا تعتمد بالدرجة الأولى على الفضاء وحده بل تولدت منها دلالة المصادفة الزمنية التي وضعت الملصق في بعد سردي متحرك يقوم علي تعاقب الوجه ذو البعد الشخصي مع الملصق التعبيري في مجال واحد ينحو فيه كل منهما أن يكون بديلا للآخر.
وهذا التوجه تعرفه الأعمال المتجاوزة للحداثة و ما بعدها حيث يكمن التجريدي في الشخصي أو الكوني أو الثقافي بصورة لا مركزية .
و نلاحظ - فيما يخص تعدد الذوات داخل اللوحة - الارتكاز على حضور الجسد ، فالفنان يحاول استعادته كمفهوم من خلال الشرائح الفوتوغرافية التي ارتبطت بلحظة وجودية أسبق من حضورها في اللوحة و كأن إلحاح الجسد في هذه الملصقات يقاوم أصله التكويني أو زمنه الأصلي في اتجاه زمن بناء اللوحة حتى يكتسب عملية الاستعادة المقدسة .
و يجب أن ننوه إلى أن الجسد هنا ليس مركزا لمعرفة العالم ؛ فهو مفهوم مؤجل بواسطة الانقطاعات المتكررة التي ولدتها الأجزاء الحادة إذ إنها تعلن أن الوجه مازال مقطوعا و متناثرا في بدائل عديدة .
و يأتي الجسد الأنثوي مقترنا بصورة الفنان أو بعض الرموز الدينية أو الحضارية مثل الخرتيت و تمثال صغير لأبي الهول و نقش عليه صورة حتحور حاملة لقرص الشمس فضلا عن المعني الرمزي للصليب . هذه القرائن و نظائرها في اللوحات تجسد الجانب الأنثوي في تكوين الوعي و أحلام اليقظة و يطلق عليه باشلار (الأنيما ) و يتميز بالخدر و الاستسلام للتأملات ( راجع- باشلار- شاعرية أحلام اليقظة- ت - جورج سعد - المؤسسة الجامعية ببيروت ) ولأن الأنوثة أصيلة في وعي الفنان فقد اكتسبت من حتحور تجدد الحياة ومحاولة استعادة الجسد كمفهوم لا ينفصل عن الوعي .
ثانيا / الدوال التشكيلية في لوحات الخراط مملوءة بالعناصر ذات المدلول الثقافي ، وقد أتت متجاورة رغم تناقضها الظاهري وكأن الفنان يرصد سيولة هذه العناصر و اندماجها في سلسلة حتمية من الكولاج . هذا الكولاج يؤدي إلى تداخل الثقافات و تبادل تأثيرها على الوعي و اللاوعي البشري و نضرب مثلا ببروز علامات الحضارة الفرعونية و معابدها مقترنا بالإلحاح على الجسد الأصيل في الحضارة الإغريقية ، ومن ثم أرى أن لوحات الخراط تتضمن حلما إنسانيا إغريقيا خفيا بالقوة البدائية للعناصر المقدسة و بهذا الصدد يرى أرنولد توينبي أن النماذج المقدسة الهيلينية كانت نسخا من البشر تتمتع بقوة بدائية و بربرية كبيرة - راجع- توينبي- تاريخ الحضارة الهيلينية- ت/ رمزي جرجس- هيئة الكتاب 2003.
هذا الحلم يبدو في حركة الذات نحو قوة النماذج البدائية الكامنة في وجوه الأنماط و النقوش المختارة .
تكاد أثينا تصعد من دلفي وتخيم على ما وراء اللوحة حيث تطير رسائل هرمس إلى متلقي لوحات الخراط .

وقد أتى تداخل الثقافات حاملا لأكثر من مدلول أبرزها تصالح الحضارات حينما تحمل مدلولا إنسانيا و مواكبة الخراط لأبرز التقنيات الفنية المعاصرة للطليعيين المعاصرين من حيث الحرص على تجميع العناصر الثقافية دون مركز أحادي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا