الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمدة مات

حسن يوسف عبد العزيز

2015 / 7 / 18
الادب والفن


الليل في قريتنا يشبه الموت والمنازل تشبه القبور لا شيء يكسر هذا السكون المميت سوى أصوات نقيق الضفادع واصطدام الرياح بالأشجار ونعيق البوم وتسبيحات الكراوين الليلية ، لكن في هذه الليلة وعلى غير العادة وكأنه اتفاق مسبق صمتت كل هذي الأشياء لا شيء سوف رائحة الخوف تملأ المكان .
دوى صوت صرخة من بعيد كان الصوت غير واضح لكنه بدا يقترب من المنازل رويدا لتصطدم الكلمات في أذان كل النائمين كانت الكلمات تتدافع خلف بعضها دون قطع وكأنها جمله واحده متصلة .
"العمدة مات" نظر الناس من خلف الشبابيك المتكسرة ومن فوق أسطح المنازل وهم في حالة ذهول فرك الجميع أعينهم ربما كان يحلمون، لكن الصرخات ظللت تتكرر ويتردد صداها في كل بيوت القرية .
"العمدة مات" كان كشبح ينطلق في الشارع تسبقه أقدامه يجرى بسرعة غريبة وكأن نارا تلاحقه. لم يشك احد في صاحب الصيحة أو الصرخة إنه "عويس" فصوته مميز وكل أهل القرية يعرفون صوته الانثوى الرفيع الحاد كانت صرخاته تشبه صرخات امرأة جاءها الطلق في جوف الليل وليس حولها احد
"العمدة مات" كيف يموت العمدة أبى قد حكى لي عندما كنت صغيرا أن العمدة لا يموت وانه موجود قبل وجود قريتنا نفسها قال لي انه ولد فوجد العمدة يحكم البلد وان والده وجده ولدا وكان العمدة أيضا يحكم قريتنا.
لو كان أحدا غير عويس هو الذي صرخ بهاتين الكلمتين لكان الوضع مختلفا لكن عويس هو الوسيط بين العمدة وأهل البلد هو الذي يجمع الجباية في نهاية كل محصول .هو الوحيد الذي رأى العمدة وجها لوجه فلم يكن أحدا في القرية قد رأى العمدة لكن أوصافه المهيبة التي عرفوها من خلال عويس تحتل ذاكرتهم دائما .أتذكر أنني مره سالت مدرس الفصل عن هذا الموضوع فاخبرني أن العمدة لو ظهر للناس سيفقد هيبته التي تتملك من قلوب وعقول الناس .
مر الليل ثقيلا. لم ينم احد في القرية .انتظر الجميع بزوغ شمس الصباح ليتيقنوا من الخبر .جاء الصباح، وبدأ الجميع يتوافدون على مسجد القرية كان شيخ الجامع قد امسك بالميكرفون واخذ يخطب في الناس.
"العمدة لم يموت ،ولن يموت .عويس كذاب ومنافق وكافر وكل من يصدقه هو كافر مثله .عويس ابن زانية" انطلقت الشتائم من فم الشيخ كالطوفان كان التساؤل الذي يدور في ادمغه الجالسين هو لماذا يفعل عويس هذا وجاء الرد سريعا من الشيخ أن العمدة قد ضبط عويس مع إحدى الخادمات في الدوار وانه اكتشف انه حبل الفتاه المسكينة فقرر طرده.
لم يكن تفسير الشيخ عليان هو التفسير الوحيد لطرد عويس فالحاج احمد صاحب وابور الطحين له تفسير أخر وهو أن العمدة قد ضبط عويس يسرق جوالات الغلال من الشونة الخلفية للدوار .
بين ليله وضحاها أصبح عويس الذي كانت تنحني له كل الرؤوس لتقبل يديه الشريفتان والذي كان يعتبره الجميع بركه القرية مجرم وزاني وسارق و..............
الكل فاجأه الخبر وأصابه بحاله من الذهول إلا هو ربما لان الناس كان يعتبرونه معتوه أو مصاب بمس من الشياطين فحين اخبروا "علوبة" الجالس دائما أمام شجرة الكافور على الترعة ينقش خطوط غريبة بعصاه على الأرض أن العمدة مات رد دون أن ينظر إليهم "وإيه يعنى ماهو ميت بيحكم أموات ".
بلدنا تلوك الإشاعات تأكلها وتشربها كالطعام والماء يقول شيخ الغفر انه رأى عويس والأرض تنشق به وتبلعه، وهو يصرخ بعلو صوته "الحقنى يا عمده اغفرلى يا عمده" أما نعيم النجار أكد انه خرج بالليل للبحث عن حماره فوجد النار تشتعل في عويس وهو يصرخ نفس الصرخات "الحقنى يا عمدة سامحني يا عمدة"
سارت الأيام متشابهة مرة أخرى ولم يعد احد يذكر عويس أو صرخته التي أطلقها في سكون الليل. عاد الناس لأعمالهم وعادت قريتنا لموتها وسكونها وكأن شيئا لم يكن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل