الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرعب الإسرائيلي المتجدد من التاريخ

بدر الدين شنن

2015 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن قولاً عبثياً .. أو زلة لسان .. ما وصف به " نتنياهو " اتفاق إيران وأعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين ، زائد ألمانيا ، وبحضور وزيرة خارجية الاتحاد الأوربي " ميغريني " ، وبمشاركة دول وشعوب كثيرة .. غير مباشرة ..برغبتها بالاتفاق .. ومباركتها له ، أنه " خطأ تاريخي " .. وإنما هو قول نابع من عقيدته " الصهيونية " المبنية على التفوق ، والتوسع ، واستلاب حقوق الشعوب الأخرى ، ومن إدراكه أن هذا الاتفاق ، قد يجمد .. أو يلغي .. بقدر يتجاوز الاحتمالات .. مشروع الشرق الأوسط الجديد ، الذي كانت إسرائيل تعول عليه ، في تمزيق وتدمير الدول والجيوش العربية الرئيسية ، وفي مقدمها مصر وسوريا والعراق ، وتوجيه ضربة عسكرية أمريكية دولية ساحقة لإيران كأمر لابد منه ، تستهدف بالدرجة الأولى مفاعلاتها النووية ، بذريعة أنها تشكل خطراً على أمن المنطقة والعالم ، لاسيما بعد تعثر ، أو احتمال فشل ، حرب الإرهاب الدولي ، رغم استعراض قواها الضاربة في مختلف الاتجاهات .

ورغبته بتوجيه ضره ساحقة لإيران ، لم يكن سراً يتداوله بوسط محدود من المعنيين بالأمر ، بل كان يجاهر به على الملأ ، ويلح عيه ويكرر ، رابطاً مستقبله السياسي ، ووجود إسرائيل بتحقيقه . وكان يوظف بلا كلل ، مخاوف .. وأحقاد .. عرقية ومذهبية ، في تركيا ن ودول عربية خليجية وغير خليجية ، في عملية الشحن والتوتر الطائفي والقومي ضد إيران ، وصولاً لهذا الهدف . أكثر ما أثار مخاوفه من الاتفاق الإيراني الدولي النووي ، هو أن الاتفاق وارتداداته المؤكدة .. يعزز المشروع الإيراني الإقليمي ، ويقوي دور لإيران الدولي ، ويحجم أو يسقط المشروع الصهيوني التاريخي في المنطقة .. ويعيد للذاكرة " الصهيونية " تعاطي الإمبراطورية الفارسية الشديد القسوة مع الكياني اليهودي ، أكثر من مرة قبل ألفين وخمسمائة عام ، ويجدد الرعب " الوهم " ، بسبب الإمعان في تحقيق المشروع الصهيوني العنصري التوسعي المعادي لكل شعوب المنطقة ، من أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى عبر إيران بصيغة معاصرة .

وبهذا المعنى استخدم " نتنياهو " التاريخ الكئيب الكامن في عقله الباطن ، من التعبير عن رفضه الاتفاق ، واعتبره معادياً ، لتجديد المشروع التاريخي الإسرائيلي ، وتفريطاً تاريخياً بحق إسرائيل في تبوأ مكانتها العظمى في التاريخ .. دون أي احترام للرأي العام السائد في معظم العالم ، حول .. وبعد .. الاتفاق .. الذي يقول : إذ أن الاتفاق يغلق الباب بوجه حروب مدمرة ( العودة إلى تصريح أوباما حول الاتفاق ) لا حصر لها ، التي تهدد السلم والاستقرار .. والحياة .. في كثير من البلدان .. وربما تشمل العالم كله .. بشظاياها وكوارثها .. فهو.. وإن لم يلب كامل الطموحات الإيرانية المشروعة ، هو ليس في مصلحة الشعب الإيراني وحسب .. وإنما في مصلحة الشعوب كافة في العالم .

من طرف آخر ، عندما يربط " نتنياهو " الاتفاق بسيرورة التاريخ ، فإنه يعبر عن الرعب الإسرائيلي الموروث من التاريخ . ويتجاوز .. محتقراً ذاكرة الشعوب .. أن وجود الكيان الإسرائيلي ، كان خطاً تاريخياً بريطانياً ، بني على " وعد بلفور " إبان الحرب العالمية الأولى ( 1914 - 1918 ) ، لكسب دعم وتأييد غلاة الصهاينة ، المالي والعلمي ، لبريطانيا في تلك الحرب ، وأن هذا الكيان منذ وجوده بالدعم البريطاني المباشر ، وبالمجازر الوحشية ، لعب دوراً عنصرياً غادراً مع قوى استعمارية أخرى عريقة ، في استمرار التجزئة القومية العربية ، وفي العدوان المتكرر المدمر على سوريا ولبنان والأردن ومصر ، الذي أخر نمو وتقدم هذه البلدان ، وباستمرار عدائيته المستدامة لشعوب المنطقة ، وبدعمه الإرهاب الدولي المتوحش المستبيح للأراضي السورية والعراقية واللبنانية والمصرية ، وتكريس بقائه العنصري ، على حساب وتهجير الشعب الفلسطيني ، وعلى حساب أمن واستقرار بلدان المنطقة كافة ، وبممارسة كل أشكال الإجرام السياسي والحربي ، لمنع استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه بوطنه وأرضه ، هو خطأ تاريخي أكبر بما لا يقاس ، من أي خطأ تاريخي آخر ..

بل إنه يعنبر " بغطرسة " أن التاريخ إذ يسرد حركة الأقوياء ، وأصحاب الطموحات العظمى ، فهو إذن تاريخ إسرائيل أولاً ، وهو نص تعبث به .. وتكتبه .. وتعيد كتابته .. الإرادة الإسرائيلية ، لمصلحة لإسرائيل " العظمى في الماضي .. والتي ستكون بقيادته .. وقيادة أمثاله .. الدولة الأعظم في الحاضر والمستقبل . ولأن التاريخ يجب أن يعبر عما تريده إسرائيل ، فعلى دول العالم وخاصة الكبرى ، التي تتعامل معها إسرائيل ، أن تكون سياساتها ، وأنشطتها ، منفذة لخرائط ، ومخططات ، وطموحات إسرائيل ، ومحققة لمقتضيات وجودها الأبدي دولة عظمى .. وصانعة لحركة التاريخ . وذلك انطلاقاً من العقيدة الصهيونية ، المشار إليها ، التي أنشأها الصهاينة الأوائلل ، وربوا عليها أجيالاً من اليهود المتطرفين ، المتوهمين ، أنهم يستطيعون ، أن يهيمنوا على العالم ، من خلال " اللوبي الصهيوني " ، والمال ، والاستثمارات ، والتآمر الذكي ، في الدول الكبرى المالكة للنفوذ والقوة الدوليين . وقد دعم هذا الوهم من الوقائع والحروب والمتغيرات الدولية التي شاركت بها هذه " اللو بيات الصهيونية " بهذا القدر أو ذاك .

من هنا كان إقرار الأكثرية العظمى من دول العالم ، بحق إيران النووي السلمي ، صفعة مدوية " لنتنياهو " وكافة المسؤولين الحكوميين والسياسيين الإسرائيليين . وكان إنذاراً جاداً بخسارة " الوهم التاريخي " المتنامي عند القيادات الصهيونية البرجوازية منذ أكثر من قرن .

بل كان الاتفاق بعد عدد من .. التحديات .. والتهديدات .. والاستعراضات .. الإسرائيلية المتغطرسة ، التي أدت إلى منحه تجديد رئاسته للحكومة ، وإلى تحويل معظم القادة العرب .. الخونة منهم ..و الجبناء .. عقيدتهم السياسية ضد إيران بدلاً عن إسرائيل ، وإلى كسب دعم الوسط الدولي التام لإسرائيل خشية اتهامها باللاسامية ، والتي أثمرت نجاح أنصار إسرائيل في مجلسي النواب والشيوخ في أمريكا ، ومكنته من الشعور أنه بات ، أكثر نفوذا ً من " أوباما " في المؤسسات الأمريكية الرئيسية .. وفي البيت البيض ، ما أدى إلى قناعته أن كلمته مسموعة .. وطلباته مجابة عالمياً .. وأن الاتفاق الإيراني الدولي النووي .. لن يمر .. طالما هو .. قد قال مسبقاً لا .. للاتفاق .. كان فشلاً ذريعاً مذهلاً .. للتحديات ، والتهديدات ، والاستعراضات ، والقناعات الوهمية .. بل وصار الاتفاق له ما بعده إزاء مخططات إسرائيل الإقليمية والدولية ، وإزاء زعامته لإسرائيل .

عزاء " نتنياهو " وإسرائيل في توقيع الاتفاق وبعد ذلك باعتماده في مجلس الأمن الدولي ، وبمروره في الكونغرس الأمريكي ، أو بالفيتو الرئاسي ، أنه يلتقي على قدر متساو من القلق والمخاوف ، مع " أرد وغان " حامل مشروع الإمبراطورية العثمانية الإقطاعية المنقرضة ، بطبعة برجوازية شبه ليبرالية ، ومع " آل سعود " حملة مشروع المذهب الوهابي التكفيري القبلي المتخلف في عصر تكنولوجيا الفضاء ، للهيمنة على البلدان العربية والإسلامية ، ومع " آل ثاني " في قطر ، الذين ينفخون بالمال والإعلام والإرهاب ، بحجم قطر ، الجغرافي والسكاني ، لعلها تتحرر من عقدة المحمية ، وتصبح دولة ، وأنه لعله يجد في هذا التلاقي شركاء في عرقلة ، أو تعطيل الاتفاق .. وإعادة الاعتبار لما هو قيد التنفيذ من خريطة المتغيرات الإمبريالية والصهيونية في الشرق الأوسط .

والسؤال المسؤول الآن .. تجاه كل هذا : أين المشروع العربي .. وإلى متى يظل الواقع العربي فاقداً القيادات التاريخية .. القوية .. التقدمية .. القادرة .. على وقف الانحدار المشين .. وعلى تحقيق النهوض القومي الأبي المشرف ؟ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص