الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة الإعمار للبشر أم للحجر

زيد كامل الكوار

2015 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لم يقتصر الخراب في العراق جراء الاحتلال الأمريكي الغاشم عل تخريب البنية التحتية للعراق من المباني والمنشآت والطرق والجسور فحسب ، بل تعدتها إلى ما هو أخطر وأهم ، فتخريب المنظومة القيمية في المجتمع العراقي غرض عملت المنظومة الدولية على إنجازه منذ أواخر القرن الماضي وتحديدا في بداية العقد الأخير منه ، فالحصار الاقتصادي الشامل الجائر الذي فرض على العراقيين وليس الحكومة العراقية الدكتاتورية آنذاك ، فالحصار لم يطل الحكومة العراقية في حينه بل اقتصر على الشعب المضطهد الذي عانى الأمرين على مدى ثلاثة عشر عاما ، من حصار أكل الشحم في أوله ، ثم عاد في أوسطه فأكل اللحم ، وقام في آخره فدق العظم ، ورافق ذلك الجوع المادي والمعنوي إذلال مقصود لسحق الكبرياء التي اعتز وافتخر العراقيون بها أيما افتخار واعتزاز ، ناهيك عن الاضطهاد الفكري الذي مارسه النظام المباد على مر تأريخه الأسود والعسف الذي كان يمارسه ضد المعارضين بين قتل وسجن وتعذيب طال بيوت العراقيين بلا استثناء فلم يترك عاتبا عليه من دون حصة من " نواله الكريم " من الجور والإذلال . كل هذه العوامل مضافا إليها عسف وصدمة الاحتلال الأمريكي والاضطهاد الذي مارسته حكومات المراهقة السياسية التي سعت إلى تثبيت عرشها وضمان ديمومة الغنائم على حساب قوت المواطن العراقي وثروة البلد المهددة بالضياع ، فالرواتب الفلكية المستفزة والمخصصات الخيالية كلها أمور تخبر العراقيين مباشرة ، أنهم شعب بيع للمجهول وأسقط اسمه من قيد الأحياء ، فالإهمال والتهميش المقصودين لا يمكن أن يكونا بحال من الأحوال نسيانا عفويا غير مقصود ، فالشرائح المهمشة والمضطهدة من الشعب كثيرة تكاد أن تشكل ثلاثة أرباع الشعب ، فالشباب العاطل عن العمل من الخريجين الذين لم يسعفهم الحظ ولا الوساطات بالحصول على التعيين المنشود الذي أصبح حلما بعيد المنال ، والأطفال الذين فقدوا طفولتهم التي يفترض أن تكون مخزن الذكريات الجميلة الذي يؤول اليه الانسان عند ازدياد همومه فيتذكر البراءة والسلام والدلال وأين أطفال العراق مما ذكرنا ؟ أما شريحة النساء التي هي نصف المجتمع فمأساتها مرعبة بين الثكل والترمل والعنوسة والعجز ، وتبقى الشريحة المؤلم وضعها حيث يعانون جحودا كبيرا وقاسيا ومؤلما ، تلك هي شريحة المتقاعدين الذين يعانون شظف العيش في بلد ينهب المفسدون الفاسدون ثرواته وقد غفل الرقيب ، ولم أرد أن أكون قاسيا عل الرقيب فقلت : غفل ، وهناك شريحة هي الأعمق جرحا بين كل تلك الشرائح ، وهي شريحة المعتقلين الذين اتهموا بتهم كيدية ولم تثبت إدانتهم لأنهم وببساطة أبرياء براءة الذئب من دم ابن يعقوب ولكنهم ومع كل ذلك يقبعون في المعتقلات من دون محاكمة عادلة فيتعرضون لشتى صنوف الإذلال والتعذيب النفسي بل حتى الجسدي بين الحين والآخر ومنهم الكثير ممن لا يعلم ذووهم أماكن احتجازهم منذ سنين ، وكل ذلك بفعل المخبر السري سيء الصيت . مع مجتمع يعاني فيه هذا العدد الهائل من المواطنين مثل هذه المعاناة، هل ينفع أو يجدي إعمار بناء متهدم عمارة كانت أم جسرا أم شارعا ؟ وهل يسأل المظلوم عن نقص الخدمات برأيكم من كهرباء أو مجاري أو خدمات بلدية ؟ لا أظنه يفعل فصاحب الحاجة أعمى لا يرى إلا قضاءها ، فرفع كل تلك المظالم عن هذه الشرائح المتعددة أجدى بكثير من تشييد البناء فلا ينفع بناء جميل جديد عصري لإنسان مهدم نفسيا ومعنويا ، فليبدأ إعمار البشر قبل الحجر ، فإن صلح البشر فإنه قادر على أن يصلح البناء بالحجر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا