الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في ( اسرة الفتنة ) لموفق السواد

صبيحة شبر

2005 / 10 / 12
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


مجموعة قصائد حديثة ، صدرت عن مؤسسة أقواس بالتعاون مع أحداق ، لشاعر شاب ، عاش بعيدا عن الوطن ، ونشر العديد من القصائد في صحف هولندية وعربية ، والقصائد جميلة رغم أنها ، لم تلتزم بالقواعد الكلاسيكية ، للقصيدة العربية ، ولا تتماثل مع الموروث الشعري ، للثقافة العربية ، بل تنشد التجديد في البناء الفني للقصيدة ، وتخرج على القواعد الخليلية ، التي أضحت لا تتلاءم مع الطموحات الجديدة التي ترغب بالانعتاق من اسر التقليد ، ذلك السجن المتين الذي كبل طويلا من رغبة الشعراء في التعبير عما يرتئونه من معان بالطريقة الحديثة ، قصائد ( أسرة الفتنة ) تدعو القاريء الى التأمل ، وإمعان الفكر ، لأنها تتضمن دلالات جديدة ، مناقضة لما يحمله الشعر القديم ،من مضامين ، قد استهلكت من كثرة الاستعمال ، والشاعر السواد ، يحاول في قصائد مجموعته الشعرية المذكورة أن يتفرد ، مكونا خصوصية شعرية ، لا تأخذ مضامينها من التراث ، او ما هو مبذول ،كما يفعل الشعراء الآخرون ، وإنما تحاول ان تغرف من معين لا ينضب أبدا ، هو ينبوع ألذات وما تخبئه من معان ، وما تبيته بين جوانحها من أفكار ومشاعر تتصارع داخل ألذات الشاعرة ، فيبدعها الشاعر قصائد جميلة متدفقة بالصور التي قد تبدو غريبة بالمفهوم المباشر ، والشاعر السواد في قصائده الزاخرة بالدلالات الغنية ، المتدفقة ، يتأثر بالشاعر الفرنسي الكبير ( بود لير) الذي عبر عن الاتجاه الرمزي بالأدب لان عالم الوعي الباطن من الغنى والغموض حيث لا تستطيع اللغة المباشرة أن تعبر عنه ، لان هناك عالما أوسع وأكثر عمقا ، يمكن أن يعبر عما يريده الإنسان الموهوب ، والشاعر حينئذ يعبر عن ذاته بالرموز والتعابير الرمزية ، وقد قال شعراء الرمزية انه لافرق بين تعابير الحواس الخمس ، وان ما يمكن ان يستعمل للواحد منها يمكن ان يستعمل للأخر وفعلا استخدم الشاعر السواد تعبير( الأصوات الدكناء) في محاولة للجمع بين الحاستين اللتين تبدوان متباعدتين ولكنهما في حقيقة الأمر متقاربتان ، الأصوات يمكن أن تكون دكناء ، حين نراها ، ويمكن للإذن حينذاك ان تلمس ، فتكون الأصوات ناعمة كاللؤلؤ ، وفي قصائد المجموعة استعارات جميلة ، حيث يضع الحاسة المعينة مكان الأخرى
في القصيدة الأولى ( سيناريو صغير لحلم ) يترك الشاعر جلده معلقا في باب الغرفة ، وكأنه كائن غريب عنه ، يسبب أحيانا الألم ، قد يشبه شيئا بعيد عن النفس قد يكون قميصا أو سروالا ، يقفز من خارج قفصه الصدري ، ويترك الباب مفتوحا ، فيتحين الفلكيون هذه الفرصة الذهبية ويدخلون إلى الغرفة ، تتبعهم فرقة موسيقية ، ينفخ أفرادها بالات صدئة ، ويدخل مع الموسيقيين المهندسون ، الذين صمموا للشاعر عزلته ، فالعزلة ليست غريبة ، لكنها مصممة من قبل المهندسين ، ينتهي تصميم المهندسين ، فيتركون جدارا مفتوحا في رئة الشاعر ، لان القفص الصدري ما زال مفتوحا ، الشاعر يتفرج على المشهد وكأنه مسرحية تعرض أمامه ، يحاول أن يكلم المهندسين والموسيقيين ، لكنه لم يقدر على الكلام ، فقد سقطت شفته ، ، فحاول أن يتكلم بالإيماء ، بحركة يده ، فتذهب المحاولة عبثا ، فتصاعد بخار فضي مما أدى إلى اختلاط الأمور ، وما زال جلد الشاعر معلقا في الباب بهدوء ، فقط يرتجف قليلا ولعله بسبب البرد ، يسقط حلمه ، سرير الشاعر لم يكن كالأسرة ، فقد أحيط بخيول برية ، ونساء يحكين له قصة عن مدينة ( قد تكون عربية ) إذ أنها تقتل عشاقها ، العرب يقتلون عشاقهم ، كان الشاعر أثناء تلك الحوادث يحاول أن يدفع عظامه خارج النوم ، لكنه لم يتمكن هذه المرة أيضا من تحقيق رغبته ، ككل الرغبات التي انتهت دون أن يتمكن من الوصول إليها ، فوجيء بالفلكيين ، يخبئون مخطوطاتهم وآلاتهم ، تحت السجاجيد ، ، التقط احد أولئك الفلكيين جلد الشاعر المعلق بالباب ، ورماه من النافذة
قطعة جميلة وغريبة ، تدل على خيال واسع وخلاق لشاعر ، أطلع إطلاعا كبيرا على الآداب الأوربية وتأثر بها ، وان لم يحل ذلك من تأثره بالأدب العربي ،ولكن ، بصورة أقل
في قصيدة ( رماد أزرق ) نقرأ قصة جميلة أخاذة، تستولي علينا وتبعث فينا الدهشة والانبهار ، كان الأب يقص الحكايات المتواصلة عن الموتى ، الذين سوف يظهرون ، في أحد الأيام وهم متلحفون ، بشر اشف بيضاء ، وأجساد متحجرة ، سوف يأتي الموتى ويأخذون بقراءة الساحل الذي تتوجع به الحصى ، هؤلاء الموتى ، سوف يعرفون حال ظهورهم ان الستديانة العجوز قدا أضاعت أقراطها سهوا هذا المساء ، حتما سيأتي الأموات ويستقبلهم الطفل الصغير الذي يحلم بلقاء لعبته ، سوف يمنحهم آخر الأمنيات ، ويملأ حقائبهم بالرماد الأزرق والتيه ، وإذا خطر في بالنا الشاعر ، وماذا كان يفعل تلك الاثناء ؟ سوف يقوم بحرق الكلمات ، والرماد المتبقي من عملية الحرق ، سينثره على طرقات الموتى القادمين .
في قصيدة أخرى لاتقل جمالا عن القصيدتين السابقتين ، قصة تتضمنها قصيدة ( تشريح ) ، يمدد المشرح مريضته على الطاولة ، وقد تكو ن خثة ، أخذ يتفرس في وجهها كعادة الأطباء ، وكان الوجه محروقا ، وأسنانها متكسرة ، أخذ مشرطه الصغير واضعا إياه بين شفتيها ، أراد ان يعرف حجم الألم ، الذي كانت تعانيه المريضة ، ولكن الموتى كثيرون ، أخذوا يتساقطون ، ويتساقطون من زمن الطين الأول ، ثم تتساقط الملائكة المجففون ، تفرس المشرح في وجه المريضة ، الممددة على الطاولة ، هددها بقصيدة جديدة ، وكانت القصيدة من الحرارة حيث انها اشتعلت ، وعلى أثر اشتعالها سقط المشرط من يده ، أراد أن يتنفسها ، فانتقل الخدر إلى حواسه ، أراد أن يرسمها ولكن الفكرة هربت منه وكانت من القوة حيث ارتطمت بالنافذة
نجد في قصص موفق السواد تشخيصا يهيجا ، يخلق من الفكرة إنسانا يتنفس ، له يدان وقدمان وأظفار ، والشاعر يستعمل الاستعارات بكثرة ، ويسهب في الرموز الجميلة التي تضفي على المعاني جمالا أخاذا قد لا يتوصل الى إدراكه الكثيرون
قصائد الديوان جميلة ، أبدع فيها الشاعر موفق السواد إبداعا آسرا ، استهوتنا القراءة فأمعنا فيها مستزيدين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعبئة رياضية وسياسية في مباراة تركيا | الأخبار


.. لماذا سيواجه الرئيس الإيراني صعوبة في إخراج بلاده من العزلة




.. فرنسا.. موعد مع الجولة الثانية للانتخابات التشريعية | #غرفة_


.. استشهاد عدد من عناصر الشرطة الفلسطينية أثناء تأمين منازل الم




.. نشرة إيجاز - وزارة الصحة بغزة: مجزرة في مخيم النصيرات