الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية الطريق إلى كراتشي

هالة موسى

2015 / 7 / 18
الادب والفن



الطريق إلى كراتشي واستلهام التاريخ
هالة موسى
"هذا البحر الذي تحبونه قد يسلبكم حياتكم.. ويهزم شبابكم"
هكذا يخاطب هيثم بودي شخوص روايته الذين ناداهم البحر، لبوا النداء، وذهبوا إليه، ليعبروا الماء رغبة في الذهاب إلى كراتشي. إنهم بحارة رواية :" الطريق إلى كراتشي" للروائي الكويتي هيثم البودي. بدأت هذه الرواية برحلة القطار الذي حمل البحارة إلى كراتشي، ومن خلال المونولوج الداخلي وفي لغة شديدة الشدو والشاعرية يصف لنا الكاتب الحالة النفسية للبحارة التي تدل على حزن وآثار ما بعد صدمة. ولا يكتفي الكاتب بالمونولوج والحوارات الداخلية التي تكشف دواخل الشخصيات، إنما يلجأ إلى الحوارات الحزينة بين البحارة؛ ليفتح نوافذ الضوء في هذا العالم المظلم شديد القتامة والذي يزخر بالتفاصيل الإنسانية، مما يفتح أمام القارئ دائرة السؤال الأكبر لتشويق القارئ لمعرفة ما حدث؟ كيف وصلوا إلى القطار؟ وأين هي سفينتهم؟
تحكي الرواية حكاية بحارة كويتيين ذهبوا في رحلة تجارية إلى الهند الغربية قبيل الحرب العالمية الثانية عام 1938. تعوّد الرحالة أن يحملوا تجارتهم، ويذهبوا إلى الهند، لنقل الخيول العربية، ويتعرضون في الطريق إلى أمواج بحرية عاتية وخطيرة أدت إلى تحطم السفينة وغرق عدد من البحارة فضلا عن الخيول، لكن الأقدار كانت رحيمة، فقد نجا بعض البحارة، وتكاتفوا، وأفادوا من الألواح الخشبية التي خلفتها السفينة التي عصفت بها الرياح، وظلوا في صبر ودأب وحفاظا على الحياة حتى أنقذتهم سفينة عابرة. ثم تبدأ رحلة القطار إلى كراتشي، ليلتقي هؤلاء الناجون بتاجر كويتي في كراتشي، فأرسل خبر نجاتهم الى الكويت وأسماء المتوفين، ومن ثم عاونهم على أن يستقلوا سفينة جديدة، ليعودوا بها إلى وطنهم.
عبر لغة الوصف استطاع الكاتب أن يصف المكان، الذي ظهر جليا وكأنه بطل الحكاية، وليس فقط قصة هؤلاء الناجين، ومما يرشح فكرة أن يكون المكان هو البطل أن عنوان الرواية يشير لفكرة المكان، فالحدث الأهم تلك الرحلة إلى كراتشي، حتى واقعة الغرق تبدو في خلفية الأحداث، لكنها ليست البطل الرئيس.
أفاد هيثم بودي في هذا السرد الشفيف من تقنيات فنية مختلفة أتى بها من وسائط أخرى لتكون وسيلته السردية في الرواية، لقد أفاد من تقنية تقطيع المشهد السينمائية، كما أفاد من تقنية اليوميات والرسائل والبرقيات السريعة.
إن اللغة التي كتبت بها هذه الرواية هي لغة شعرية، تفيض بكثير من الشجن والحزن. وقد أفاد من هذه اللغة في تصوير ردود أفعال المجتمع الكويتي لتلقي خبر غرق السفينة وهؤلاء الذين ابتلعهم الموج، صحيح أن ثمة بحارة قد نجوا، لكن الحزن على من غرقوا قد فاض على لغة الرواية.

أحداث الرواية تتسارع أحياناً كموج تدفعه رياح ، وتسكن كشراع السفينة سكنت عنه الريح. إنها تصور فترات تاريخية مسكوت عنها، كما تصور عوالم مختلفة لتفاصيل حياة الناس في الهند.
لقد أفلح هيثم البودي حين استلهم الرواية من قصة حقيقية لبحارة كويتيين في الهند الغربية عام 1938، قدم الكاتب هثيم بودي رواية "الطريق إلى كراتشي" شاكرة مدونة أكثر من حياة على هذه الفرصة المميزة للتعرف على كتاب وكاتب من الكويت.
لقد كانت خبرة " النوخذة " أو خبير الغوص هو من استطاع أن ينقذ هذه الأرواح، تصاعدت الأمواج، رمي الخيول في البحر، ضحى بالخيول لينقذ البشر.
يتزامن زمن السرد مع زمن الواقعة الحقيقية، لكن الدهشة تأتي من تلك اللغة الفياضة بالشعرية والأسى، كذلك من تلك التفاصيل الدقيقة التي قبضت عليها سرديات هيثم بودي . لقد استطاع أن ينقل هذا الحدث من ماضٍ بعيد حيث كان البحر مصدر رزق لأهل الكويت، والسفر دربهم إلى المجهول، والغربة قدرهم الذي يرحلون إليه مرغمين للبحث عن لقمة العيش.
إن هيثم بودي قدم لنا هذا العمل الذي يمكن أن نسمه بأنه عمل وثائقي، فقد عمد هيثم إلى تقديم معلومات جديدة في هذا العمل، معلومات عن البحر وقياس الزوايا على الخرائط البحرية، وكذلك معلومات عن تلك الفترة التاريخية من تاريخ الكويت ، وكيفية تربية الخيول العربية وتصديرها للهند ، والتجارة بين الهند والكويت ، وكذلك معلوماتية ووثائقية عن وسائل البحارة وراكبي البحر في التعامل مع مثل هذه الرحلات.
إن الحبكة السردية التي أجاد هيثم بودي توظيفها جعلت القارئ أكثر تشوقا ورغبة في معرفة الأحداث واستكمالها ، كما أجاد الكاتب اللعب بالزمان، ما بين الزمن الآني والفلاش باك في سرد الأحداث. وقد استطاع كذلك عبر لغة الوصف الداخلي والخارجي أن يرسم المعالم النفسية للشخوص، بل يحول هذه الشخوص إلى لحم ودم تؤثر فيك ، وتنال شفقتك وعطفك، بل وأساك وحزنك على من ابتلعه البحر.
بل ربما استطاع الكاتب أن يخلب لبك وهو يصور عبر لغة وصفية دقيقة فرحة الناجين وفرحة أهلهم بنبأ النجاة. وقد تقصد الكاتب أن يكتب على الغلاف أن الرواية مستلهمة من أحداث حقيقية ربما إمعانا في فكرة الوثائقية والمعلوماتية، وقد نالت الرواية جائزة الشارقة للإبداع الأدبي عام 2008 . يتكون هذا العمل الحميم والمؤثر من 154 صفحة من القطعت المتوسط، وقد صدرت الرواية عن دار نشر سندباد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هالة موسى لماذا كل هذا التعب؟
أفنان القاسم ( 2015 / 7 / 18 - 17:50 )
سيدتي، لماذا لم تأخذي الناحية الشعرية أو الناحية الوثائقية لتركزي على الواحدة أو الأخرى، مع أمثلة تجعلنا نعيد قراءة هذا النص، الذي يبدو جميلاً، معك؟

اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري