الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستكون اليونان بوابة للتغيير؟

معتز حيسو

2015 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية



رفض 61,3 في المئة من اليونانيين الشروط الأوربية لسداد الديون المترتبة على حكومة بلادهم. وهذا بالتأكيد سيترك تأثيراته في مستقبل اليونان، وعلى طبيعة علاقتها بمنطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. لكن قبل بحث مآلات وتداعيات الأوضاع اليونانية، سنقف على جذور الأزمة اليونانية.
انطلقت شرارة الأزمة اليونانية مطلع التسعينيات من القرن الماضي. وظهرت تأثيراتها السلبية بوضوح في خلفية الأزمة المالية العالمية العام 2008. وقد عانت اليونان في السنوات الأخيرة من تفكك الإنتاج وتخلف البنية التحتية وانخفاض الصادرات. وقد استعاضت عن السلع المنتجة محلياً بالسلع المستوردة، والاستثمار في المشتقات المالية. وكان من نتيجة ذلك تراكم المديونية. وقد حاولت الحكومات السابقة عبثاً تغطية الأزمة عبر الاقتراض وإصدار سندات سيادية. هذه العوامل وغيرها بينت حجم العجز في الاقتصاد اليوناني، حتى قبل انكشاف العجز المالي. وبحلول تشرين الثاني 2009، بدأت الأرقام الحقيقية لمؤشرات الاقتصاد اليوناني بالظهور، كاشفةً أن نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي بلغت 12,9 في المئة ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي وصلت إلى 115 في المئة، في وقت حددت فيه «اتفاقية ماسترخت» شروط عضوية الاتحاد الأوروبي بعدم تجاوز عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 3 في المئة، وألاّ يتعدى حجم الدين نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 60 في المئة. بالنسبة للاقتصاد اليوناني، فإنه يقوم على ثلاث دعامات أساسية: قطاع الخدمات ويساهم بنحو 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويستوعب 68 في المئة من قوة العمل. وقطاع الصناعة ويساهم بنحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويستوعب نحو 20 في المئة من قوة العمل، وقطاع الزراعة يساهم بنحو 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، ويستوعب 12 في المئة من قوة العمل.
لقد أجمعت التقارير الصادرة العام 2009، أن الديون المتوجبة الدفع تبلغ حوالي 300 مليار يورو، وأنها عائدة إلى دائنين غير يونانيين، 95,5 في المئة منها يعود إلى دول ومصارف أوروبية وأجنبية. مع العلم أن 70 في المئة من الديون المستحقة تعود لألمانيا وفرنسا، فكان امتناع اليونان عن سداد ديونها يعني تضرّر البلدين. وكانت الحكومة آنذاك ملزمة بسداد ديونها إلى صندوق النقد الدولي خلال ثلاث سنوات من استحقاق السداد. فاعتمدت خطة لتخفيض نسبة العجز نهاية العام 2010 إلى 8,7 في المئة، وإلى دون 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام 2014، اعتمدت فيها مجموعة واسعة من التدابير التقشفية التي تتماشى مع وصفات صندوق النقد الدولي كبيع الأملاك العقارية العامة، وخفض الإنفاق الحكومي بنحو 18 مليار دولار، وخفض رواتب المتقاعدين، وتجميد التوظيف والأجور، وإلغاء المكافآت والعلاوات الفصلية، زيادة الضريبة على القيمة المضافة وعلى مبيعات السلع الكمالية، وزيادة الرسوم على حوامل الطاقة، ومكافحة التهرب الضريبي، وخفض الإنفاق العسكري، وتقليص الإنفاق العام بنسبة 10 في المئة، من بينها تخفيض 100 مليون يورو من موازنة التعليم، وتقليص نفقات الاستشفاء، وزيادة سن التقاعد عامين بحيث يصبح 63 عاماً. وكان على الحكومة بالتوازي مع الإجراءات التقشفية تجنب زيادة حدة التوتر الاجتماعي التي كانت تنبئ بانفجار اجتماعي يمكن أن يفضي إلى تغيير آليات عمل النقابات والأحزاب الاشتراكية، وتحديداً بعدما لوّح حينها الحزب الشيوعي اليوناني بالاستيلاء على السلطة السياسية لتجاوز التناقضات السياسية والاقتصادية المتفاقمة.
تمثل الأزمة اليونانية اختباراً حقيقياً للاتحاد الأوروبي وسياساته المستقبلية. وأمامه مع دول اليورو خياران: الأول مساعدة اليونان على تجاوز أزمتها المالية، وذلك من خلال إعادة جدولة الديون، ومن خلال إعفاءها من القرض المترتب عليها أو بعض منه، ويمكن أن يساهم ذلك في الحفاظ على تماسك الاتحاد الاقتصادي والسياسي، ويمنع انتقال تداعيات الأزمة إلى باقي الدول الأوروبية، بحكم الترابط الاقتصادي. والثاني هو التمسك بتسديد اليونان لكامل ديونها وذلك من خلال إجبار الحكومة على تنفيذ حزمة من السياسات التقشفية. ومن الممكن أن يدفع هذا الخيار إلى تخلي اليونان أولاً، وبعض دول الاتحاد المأزومة ثانياً، عن اليورو وانفصالها عن الاتحاد.
وبرغم أن نتيجة الاستفتاء كانت مع رفض الشروط الأوروبية، إلا أن ذلك لا يعني حتى اللحظة امتناع الحكومة عن دفع الديون، أو خروجاً مباشراً لليونان من منطقة اليورو والاتحاد. لكن رئيس الوزراء تسيبراس يسعى لاستعمال الرفض الشعبي للضغط على الاتحاد وصندوق النقد والبنك الدوليين لتخفيض القيمة الإجمالية للديون وإعادة جدولتها. ويتوقع أن يتزامن ذلك مع حوارات بين قادة الاتحاد والحكومة الحالية للوصول إلى صيغ توافقية يتحدد على أساسها التزام اليونان بسداد ديونها. هذا في وقت لا يستبعد فيه أن يسعى ألكسيس تسيبراس للمطالبة بقرض جديد يساعد حكومته على سداد ديونها. لكن ذلك سوف يزيد من أزمة اليونان المالية والاقتصادية والاجتماعية.
ومع ذلك، فإن انتقال تداعيات الأزمة اليونانية إلى القارة الأوروبية ما زال أمراً ممكناً. فالضغط الشديد على الوضع المعيشي يمكن أن يفاقم حركة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإلغاء سياسات التقشف. وسيترتب على ذلك في حال حصوله رفض سداد الديون، والخروج من منطقة اليورو والعودة إلى الدراخما، وهذا يهدد بأزمة على المستوى الأوروبي بدايتها مالية مصرفية، أما نهايتها فاجتماعية سياسية. وتتحدد تلك الاحتمالات في إطار شروط موضوعية. ويبدو أن شرائح واسعة من اليونانيين ذاهبة في هذا الاتجاه. أما احتمال فرض شروط صندوق النقد والبنك الدوليين، فيمكن أن يقود إلى نقل رئاسة الحكومة من تسيبراس إلى قيادات تتعهد بسداد الديون وفرض مزيد من الشروط التقشفية وبإعادة هيكلة الدولة وتقليص دورها الاجتماعي. وبالتأكيد سيقابل ذلك تحرك شعبي ضد الحكومة وسياسات الاتحاد. حينها يمكن أن تتحول اليونان إلى بوابة للتغيير. وسوف ينعكس ذلك على المجموعة الأوروبية من خلال تراجع حجم صادراتها المالية والسلعية، وسوف يحد من نهبها لفائض القيمة.
إن تخبط الدول الرأسمالية في إدارة أزماتها، لا ينفي وعي حكوماتها لخطورة تفاقم التوترات الاجتماعية. لكن ذلك لم يردع ميولها الاستقطابية التي كانت تساهم على الدوام في تعميق أزمة الرأسمالية البنيوية. وانطلاقا من ذلك، فإنه من الممكن أن تشكّل اليونان في محاولاتها لتجاوز الأزمة التي تعاني منها مدخلاً تلج منه باقي الدول الأوروبية التي تعاني أزمات متشابهة. ومن المرجح أن تكون البداية برفض شروط صندوق النقد والبنك الدوليين، سواء الذي يتعلق منها بشروط التقشف، أو بتقليص دور الدولة الاجتماعي وإعادة الهيكلة الاقتصادية. وهي جميعها شروط مذلة. وبحسب اعتقادنا، فإن تجاوز الأزمة الراهنة يرتبط بالدرجة الأولى بموازين القوى الاجتماعية، وبقدرة اليونانيين وقيادتهم اليسارية والنقابية على الدفاع عن مصالح المتضررين في النظام الرأسمالي. وتحقيق ذلك يرتبط بشكل مباشر بمشروع سياسي يساري ديموقراطي اجتماعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف