الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا..لمسودة الدستور الطائفي ..!

هادي فريد التكريتي

2005 / 10 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تطرح مسودة الدستور العراقي الجديد للإستفتاء ، فما هو الموقف الصائب من هذه المسودة /الدستور ؟
الدستور ، فيما يعنيه أم الدساتير ، أو المرجع لكل القوانين التي ستشرع ، ولاغيا لكل القوانين المشرعة سابقا والمناقضة له ، والغرض منه ، بعد زوال النظام الفاشي ، التأسيس لكيان عراقي جديد ، والمفروض في هذا الكيان أن تظهر ملامحه الأصيلة التي غيبتها دكتاتورية الأنظمة القومية ، منذ العام 1963 وحتى اللحظة ، والمطلوب من الدستور الجديد أن يخطط لتوجهات العراق المستقبلية ، ليدوم عشرات السنين ، محافظا على وحدته وتماسك نسيجه ، وهذا يعني أن تؤسس له قاعدة صلبة للبناء اللاحق ، أي أن يكون هناك اتفاق وطني على إعداده وصياغة مواده وفقراته ، التي تجمع الشمل العراقي ولا تفرقه ، فالمجتمع العراقي متعدد الملل والنحل ، مختلف الأعراق والأديان والمذاهب ، ولا بد من أن يشكل هذا محور اهتمامات الدستور الجديد ، بعد تجربة مرة ، مر بها الوطن والشعب العراقي ، منذ الحكم العنصري الدكتاتوري ـ البعثي ، مرورا بالاحتلال الأمريكي ، المؤسس للطائفية الجديدة ، وتولي مجلس الحكم قيادة البلاد وفق ما أقره قانون إدارة الدولة ، وسارت على نهجه الحكومة الانتقالية الأولى ، والثانية التي جاءت بها انتخابات شرعية ، إلا إنها غير نزيهة ، عبر إرهاب فاشي وطائفي ، حال دون إشراك قطاعات واسعة من الشعب العراقي ، مما أفرز برلمانا طائفيا ـ عنصريا بمجمله ، لم يمثل الشعب العراقي ومكوناته الوطنية كما هو واقع ، وهذا ما انعكس سلبا على تشكيل لجنة صياغة الدستور ، وتشريع مواد المسودة ، التي أهملت عن عمد ، التاريخ الوطني العراقي ، وتناست تقاليد التآخي والتسامح بين طوائف الشعب ، بحيث جاءت المسودة معبرة عن نهج طائفي ، ومرسخة له ، على الضد من رأي القوى الوطنية والقومية المشاركة في لجنة الصياغة ، التي عارضت أو تحفظت على مواد أو فقرات تؤسس لنزاع طائفي أو عنصري لاحق ، ومواد أخرى تقيد حرية الفرد وتحد من نشاطه وإبداعه ، أو تنتهك حقوق المرأة الأساسية وحريتها ، عندما تخضعها لقيود الدين التي لا تنسجم مع العصر الذي نحن فيه . وصياغة المسودة قد تجاوزت الفترة الزمنية والمدة التي حددها قانون إدارة الدولة ، إن لم تكن قد انتهكت الوقت المحدد لتقديم المسودة إلى الجمعية الوطنية لإقرارها ، والكل يعرف أن المسودة لم يحصل عليها اتفاق بعد ، حتى كتابة هذه السطور يوم 10 تشرين أول ، ولا زال هناك تباحث حول إجراء تغييرات اللحظة الأخيرة ، ولم تنته صياغة بعض موادها والمتحاورون عليها لا زالوا في شد وجذب ، على الرغم من تسليم النسخة المعدة للاستفتاء لممثلي الأمم المتحدة .!
كثيرة هي الدساتير التي صيغت للعراق ، إلا أن أي دستور ، موقت أو دائم ، لم يحظ باهتمام العراقيين كما حظي به من اهتمام مثل هذا الدستور الذي سيصوت له أو عليه الشعب العراقي في الخامس عشر من تشرين أول ، وهذا دليل على ما لهذه الوثيقة من أهمية في حياة الشعب ، عليها يتوقف كل مستقبل العراق كله ولعشرات السنين ، فهل عالج هذا الدستور وحدة وحرية الشعب العراقي من منطلقات وقيم حضارية ، وفق مفاهيم العصر الحديث ؟ هل أخذ بمفهوم المواطنة وجعلها أساسا في تحمل الواجبات ونيل الحقوق والتمتع بهما ؟ أم ارتكز على المبادئ الطائفية المفرقة للصف الوطني وأعتبرها بديلا عن كل القيم الأخرى ؟ هل أقر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات ؟ أم قيدها وفق مبادئ الدين وطوائفه المختلفة ، التي لا تقر لها بالمساواة في الأهلية والتمتع في الحقوق والواجبات . هل يصون الدستور الجديد ويحمي المواطن وحقوقه المدنية والقانونية المشروعة ، من قهر واستبداد السلطة الدينية التي أسس لها هذا الدستور ؟ لم الخوف من المادة 44 الواردة في الصياغة الأولى لمسودة الدستور ، والمتضمنة " التمتع بكل الحقوق الواردة في المعاهدات والاتفاقات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي لا تتنافى مع مبادئ وأحكام هذا الدستور " ليتم حذفها من آخر مسودة مقدمة للاستفتاء ؟
ديباجة مسودة أي دستور ، هي العنوان المعبر عن المحتوى ، كما هي المؤشر عن الهدف والغاية التي يرمي المشرع لها ، وكما يقال الرسالة يحمل دلالاتها العنوان ، وعنوان الدستور الجديد ، وديباجته كانت طائفية مئة بالمئة ، لا تصلح لأن تكون في مقدمة دستور جديد عانى شعبه من المآسي الطائفية والعنصرية الشيء الكثير ، وعلى امتداد تاريخه الوطني ، فهل حقيقة جاء هذا الدستور استجابة " لدعوة قياداتنا الدينية والوطنية وإصرار مراجعنا العظام وزعماء مصلحينا " أم جاء نتيجة لتدخل أمريكي مسلح أسقط أعتى دكتاتورية عرفها الشعب العراق ، فإذا كان ما يستوجب أن يقال ( لا ) لهذا الدستور فهو من أجل هذه الديباجة المضللة والكاذبة . الحقيقة المغيبة في هذه الديباجة هي وطنية ونضال الشعب العراقي ، ووحدته على امتداد تاريخه السياسي الحديث، في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية وقهرها ، وأمله في بناء عراق حضاري وديمقراطي قولا وفعلا ، تسهم فيه كل قوى الشعب ، على اختلاف اتجاهاته ومكوناته الوطنية ، القومية والديموقراطية ، ووحدته الوطنية كفيل بخلاصنا من المحتل وإشراف مستشاريه على كل مؤسسات الدولة ، وتنظيف عراقنا من أزلام النظام الفاشي وقوى الإرهاب الظلامية من السلفيين والمتعاونين معهم من دول الجوار ، وكل قوى الإرهاب الملثم على اختلاف توجهاتهم ، وتنوع ميليشياتهم الطائفية .
لا شك أن الكثير من القوى الوطنية القومية والديموقراطية ، حرصا منها على وحدة العراق وخلاصه من نفق الحكومات الانتقالية ، ورغبة منها في التأسيس لحكم برلماني مستقر ، أقدمت على تأييد مسودة الدستور رغم اعتراضها على بعض المواد وتحفظها على البعض الآخر ، ودعت مؤيديها للتصويت ب ( نعم ) عليها ، من منطلق توفر ظروف أفضل في المستقبل لمعالجة وتعديل المواد التي رأوا التباسا في تفسيرها أو التي لم تحض بموافقتهم ، كما هو وارد في المبادئ الأساسية من الباب الأول ، والباب الثاني ـ الحقوق والحريات ، وهذان البابان وموادهما ، من أخطر الأبواب في الدستور الحاصل عليهما الاختلاف ، والتي تستوجب دراستهما بعناية والتدقيق في محتوياتهما ومدلولاتهما ، وهناك مواد أخرى تحمل في ثناياها نزوعا طائفيا ، تساعد على ترسيخ مجلس مشرف على مجلس النواب ، رقيب عليه ، يعتبر خطوة متقدمة لبناء دكتاتورية دينية ـ طائفية أو عنصرية ، ووظائفه مبهمة ، كما الحال في مجلس الاتحاد ، والمحكمة الاتحادية التي تتألف عناصرها من عدد مجهول ، سواء القضاة أم رجال الفقه والشريعة ، وهذا ما يشكل خطورة غير مسبوقة بتشكيل محكمة من هذا النوع ، إضافة على المادتين 114 و115 التي تؤسس لحكم الأقاليم بعد مدة قصيرة من انعقاد مجلس النواب الجديد .. القوى السياسية التي راهنت على إمكانية تعديل بعض مواد الدستور المختلف أو المتحفظ عليها ، من منطلقات عاطفية ، تتجاهل عن عمد أو عن حسن نية ، واقع القيود التي وضعتها لجنة صياغة المسودة على التعديل لاحقا ، فإن كان إقرار المسودة تم عن طريق أخذ جرعات مفتتة للخلاف في أوقات مختلفة ، وبعيدا عن موافقة الجمعية الوطنية ، وبشكل غير أصولي وغير مبدأي ومخالف لنص قانون إدارة الدولة ، فإن التعديل لم يمر بمثل ما أقر ، فقد وضعت المادة 122 أولا وثانيا ، قيودا من الصعب تخطيها للوصول إلى تعديل ما ، مهما كان بسيطا ،فتعديل ، كل أو بعض مواد ، المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني لا يتم " إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين ، وبناء على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية .." وتعديل لأي دستور وفق هذه الضوابط يعتبر مستحيلا في ظروف العراق الحالية ، ولعشرات السنين ، إن بقي الشعب العراقي مكافحا من أجل وحدته ، فهذا من شانه تكريس كل النواقص والسلبيات التي تضمنتها المسودة ، والتي من شأنها أن تلحق ضررا بالغا في العلاقة بين مكونات الشعب العراقي ، أما إذا ضعفت قدراته على المقاومة والصمود ، فهذا يعني نهاية ما يسمى بالعراق الموحد ، أرضا وشعبا ، وستبتلعه تقسيما وتجزءة دول الجوار .
من كل ما تقدم وحرصا على وحدة العراق أرضا وشعبا ، ورغم كل السلبيات التي يعاني منها الفرد العراقي حاليا ، وعودة لواقع يقودنا إلى المربع الأول من الحكومات الانتقالية التي هي أقل ضررا من واقع سلطات دولة وحكم وفق دستور طائفي دائم ، تسود فيه قوى الائتلاف الطائفي ، لا أحد يعلم ما تخطط له ، وإن كان المواطن العراقي بدا يتلمس بداية أفق مظلم ، مقارنة مع قانون إدارة الدولة ، المشرع من قبل بريمر ، الذي هو أرحم ألف مرة بالعراق والعراقيين ، رغم ما اتصف به من نزوع طائفي ومحاصصة بغيضة ، إلا انه يبقى قانونا انتقاليا لفترة زمنية مؤقتة ، يفسح في المجال للقوى المغيبة قسرا ، والمعارضة سلميا ، من الدخول في العملية السياسية ، لتغيير واقع الحال الطائفي السائد ، وتشريع مسودة لدستور جديد أخرى أقل ضررا ، إن قلنا ( لا ) لمسودة الدستور المستفتى عليها يوم 15 تشرين أول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا