الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستخدام الأمريكي للصورة في الميديا والإعلام

صلاح شعير

2015 / 7 / 20
الصحافة والاعلام




قراءة مختصرة لكتاب صدر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة 2015 بعنوان "الإعلام الأمريكي بعد العراق: حرب القوة الناعمة" للكاتب "نثين جردلز ومايك ميدافوي" وقد ترجمته الأديبة العراقية بثينة الناصري بصورة جيدة تعكس مدي الوعي وحسن الاختيار . إذ حملت علي عاتقها هموم الأمة لتبصر القارئ العربي بخطورة وأهمية الصورة في التأثير علي الوعي العام من أجل قراءة الماضي والحاضر والمستقبل بصورة صحيحة .

وتقول المترجمة : "صدر الكتاب في وقت تلعب فيه القوة الناعمة دورا كبيرا في احتلال العقول والقلوب ، حيث تكسب وسائل الميديا المعركة قبل نشوبها على الأرض.ومما يستدعي التأمل إذ نجد أن مؤلفي الكتاب قد استخدما في النص وصولا إلى الاستنتاجات الأخيرة، تعبيرات عسكرية: الحرب – الصدمة والترويع – القصف – الصراع – القنبلة – الذخيرة وغيرها مما يستخدم في وصف قوة السلاح الخشنة، وصفا لقوة الإعلام الناعمة"

أمريكا استخدمت القوة ومازالت لصالح تحقيق مصالح الإمبراطورية : السلاح للسيطرة على الأرض وما فوقها وتحتها من موارد، والإعلام للسيطرة على العقول. واحتلال الأرض الذي يبدأ من احتلال العقول، واحتلال العقول يبدأ من احتلال اللغة وهذا آفة الأمة العربية التي يعتقد أنصاف المثقفين بها أن مزج الكلمات الأجنبية بالعربية يعد نوعًا من التمدن .

"هوليوود" كما يقول الكتاب– أكبر منتج للصور في تاريخ العالم، وساهمت بالصورة في كتابة التاريخ الأمريكي والعالمي أيضًا، فقد نشأت أجيال العالم التي وصلتها الأفلام الأمريكية طوال القرن العشرين على اعتبار الهنود الحمر قبائل متوحشة، بدائية ، هوايتها القتل وسلخ رؤوس أعدائها، وأن الإنسان الأبيض الذي – في الواقع نهب أراضيها وعمل على إبادتها- قد جاء لتمدين هؤلاء المتوحشين. كنا ونحن نتابع أفلام الغرب الأمريكي ، نتمنى كلنا أن ينتصر الأبيض الطيب النبيل على الهندي الأحمر الشرير. وحين نضجنا وقرأنا وفهمنا وعشنا التجربة، اكتشفنا أننا كلنا – في الحقيقة- هنود حمر.

و أشد تأثير للتلاعب بالصور هو في إظهار القلة من الناس وكأنهم حشد كبير أو العكس، باختيار زوايا التصوير أو إعادة تصوير لقطات لمجموعة محددة من الناس ثم طباعة اللقطات معا، وبشيء من التمويه تبدو الصورة وكأنها لمئات الأشخاص. من أشهر أمثلة التلاعب بالمجاميع في عالمنا العربي هي الصورة الشهيرة لإسقاط تمثال الرئيس صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد في 9 أبريل 2003، وقد أرادت القوات الأمريكية إنتاج صورة كرمز يبقي في ذاكرة الشعوب لضمان شدة التأثير .

رأى الجميع كله هذه الصور، وسمع التعليق المصاحب والذي يعبر عن فرحة العراقيين وخروجهم بشكل عفوي إلى الشارع لإسقاط التمثال. وبعد قليل تبين للعالم أن الصورة كانت سيناريو هوليودي، وأن جموع الناس وحشد الجماهير لم يكن سوى الصحفيون ومجموعة من العراقيين المعارضين لم يزد عددهم على 100 شخص ، كانوا قد نقلوا بالمروحيات الأمريكية مع الغزو، وأن الدبابات الأمريكية كانت تحيط بالساحة لحراستهم حتى لا يجرأ أي عراقي في ذلك اليوم أن يخترق الصورة المراد تسويقها . بسبب هذا التلاعب لم تعد الصورة المرئية انعكاسا حاسما للحقيقة. فقد تداخل الواقع بالافتراضي، وامتزجت الحقيقة بالخيال، وتبدو المعضلة في أن يميز البشر بين هذا وذاك؟

ومما لاشك فيه وحسب العقلية الأمريكية أن صور تسريب التعذيب والانتهاكات الجنسية للمعتقلين في سجن أبو غريب قد جاءت برغبة أمريكية من أجل بث الخوف في نفوس العراقيين والعرب وإيران ، بيد أن الصور صارت وبالا على أمريكا في عيون الآخرين إذ أوضحت للعالم مدي زيف دعاوي الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان فلا يمكن لسفاح أن يدعي رعايته للقيم الإنسانية .

أدرك مؤلفا الكتاب أهمية القوة "الناعمة" في كسب قلوب وعقول الناس في كل مكان وخاصة داخل أمريكا ذاتها. أما في خارج أمريكا فإن قراراتها السياسية هي التي تقرر الصورة التي تعكسها للرأي العام العالمي، فلا يمكن لأي قوة ناعمة أن تلطف أجواء قرية قصفتها وقتلت أطفالها ونساءها وخيرة رجالها، بطيارات أمريكية بدون طيار، أو مروحيات أباتشي، أو صواريخ كروز وهي تنطلق من فوق حاملات الطائرات في خلجان العالم.

ويلاحظ المؤلفان ظاهرة عجيبة: مهما ازداد نفور الشعوب من السياسة الخارجية الأمريكية فإن شباك التذاكر في كل مكان يسجل أكبر مشاهدة للأفلام الأمريكية . ما هو السرّ يا ترى؟

ولكنهما في نفس الوقت يشعران بأنه مع تقدم تقنيات وسائط الإعلام وتقلص العالم إلى قرية صغيرة بسبب العولمة ، فإن الشعوب تزداد تمسكا بهوياتها وتنوعها، وإنها بدئت تنتج أفلامها وتروي قصصها على الشاشات والوسائط الأخرى، منافسة بذلك هوليوود. لم تعد القصة من جانب واحد هي الجديرة بالمشاهدة والإنصات.

ويقترح المؤلفان أن تسارع هوليوود – بالمقابل- بالانفتاح على روايات العالم لتستطيع الاحتفاظ بمشاهديها في عالم قادم متعدد الأقطاب. ويرسم المؤلفان خطة لاستعادة التأثير الأمريكي في العالم، أو ما يطلقان عليه وصف "بريق أمريكا الآخذ في التلاشي".

ولعل أهم ما في هذه الخطة هو قولهما " بسبب انتشارها العالمي، فإن الثقافة الشعبية الأمريكية هي لاعب في الشئون الدولية بقدر المؤسسات الأمريكية للسياسة الخارجية" واقتراحهما تشكيل مجلس للعلاقات الثقافية الخارجية أسوة بمجلس العلاقات السياسية الخارجية، "يمكن تسميته - منتدى التبادل المعلوماتي والثقافي- ويكون هيئة مستقلة"

ويدعو المؤلفان أمريكا إلى التواضع والتخلي عن الغطرسة، والى التعاطف مع الآخرين والاستعداد لمنافسة شديدة مع الأفلام والمسلسلات الصاعدة من أمريكا اللاتينية وآسيا خاصة الهند والصين واليابان وكوريا أيضا.

من المثير للانتباه في الكتاب ، التركيز الشديد على السينما الصينية، وليس الهندية ، فهل كان هذا التركيز نابعا من التخوف من أن تتمكن الصين وهي تصعد (اقتصاديا وسياسيا كمركز قوة عالمية) من منافسة أمريكا في إسماع رسالتها وخطابها إلى العالم ؟

واللافت للانتباه أن العالم العربي مع كل هذا التطور في استخدم الصورة للتأثير السياسي والاقتصادي مازال غائبا عن الوعي ولم يستخدم التطور الحديث في الميديا والإعلام سوي في استقبال الصور التي يريد الآخرون بثها في الوجدان العربي من أجل أهداف تتعلق بمصالح القوي المهيمنة والصاعدة ! تري هل سيأتي اليوم الذي ينهض المارد من نومه العميق ؟ ومن الواضح أن الكتابة بثنية الناصري تحركت لترجمة هذا الكتاب من منطلق قومي لإيقاظ الضمير العربي حتى لا يخدع بالصورة التي تبث عبر الميديا الأمريكية لتحث الجميع نحو التحرر من الهيمنة الأمريكية من أجل اللحاق بركب الحضارة العالمية من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر وتصحيح
بثينة الناصري ( 2015 / 7 / 22 - 06:30 )
شكرا أخي صلاح شعير لهذه القراءة المهمة للكتاب. وارجو فقط تصحيح معلومة خاطئة وردت في اول فقرة فأنا - مع احترامي وتقديري للجنسية المصرية وحسب مقولة (لو لم اكن مصريا لوددت اكون مصريا) ولكني لم احصل على الجنسية المصرية ولا احمل سوى الجنسية العراقية.


2 - تم التصحيح
صلاح شعير ( 2015 / 7 / 22 - 23:01 )
الأديبة بثينة الناصري

قد تم التصحيح

اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا