الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغزو الضفاوي ليافا/تل أبيب

ناجح شاهين

2015 / 7 / 21
القضية الفلسطينية




لم يكن لدي أية نوايا للمشاركة في موسم هجرة العيد إلى الساحل الفلسطيني المحتل. أنا أنتمي إلى جيل غبي يحفظ عن ظهر قلب حكمة غسان كنفاني في "عائد إلى حيفا": الأبواب يجب أن تفتح باتجاه واحد، وإذا حدث وفتحت من الجهة الأخرى، يجدر بنا أن نعدها مغلقة حتى نقوم بفتحها من الاتجاه الصحيح.
قام شقيق زوجتي بإحضار تصاريح "لزيارة الأهل في العيد" لي ولزوجتي دون أن نتنكب أية مشقات. لم نصور ورقة أو نقدم طلباً أو نذهب إلى أي مكان. وقد فهمت فيما بعد أن الضفة كلها على ما يبدو قد حصلت على تصاريح بالسهولة ذاتها. كان موضوع التصاريح قد أثار لغطاً في بداية رمضان، وأشاع من أشاع أن الرأسمال التجاري الفلسطيني قد أقام الدنيا ولم يقعدها في وجه السلطة لأنه قدر أن النقود القليلة الموجودة في جيوب المواطنين/المستهلكين سوف تذهب إلى المحلات "الإسرائيلية". ويبدو أن هذا الرأسمال قد نجح في "إقناع" السلطة بعدالة قضيته مثلما نجح طوال العقود الثلاثة الأخيرة في إقناع النخبة السياسية الفلسطينية بالفوائد الجمة للسلام.
لم أقم بأية محاولة لتتبع تطور موضوع التصاريح، ولذلك لم أستيقظ إلا والتصاريح قد ملأت الدنيا بمناسبة العيد لتسمح للبلد كلها بالذهاب لزيارة الأهل في "إسرائيل". وفي الحقيقة لقد نسيت موضوع التصاريح التي في حوزة أسرتنا لأني لا أملك المال ولا الرغبة الكافية لممارسة "السياحة في إسرائيل". لكن حدث أن صديقي المشاكس أبوجورج الذي يقطن الرملة قرر أن يأخذ على عاتقه تلك المهمة، فاصطحبني وابنتي اوروك يوم أمس لكي "تشاهد" أوروك يافا التي تسمع عنها ولا تعرفها. ترون: المسألة لا تعدو ترف المشاهدة، وربما كانت بالنسبة للكثيرين المشاهدة مع شيء مما يسميه الأنجلو ساكسون: to have fun
دلفنا إلى "إسرائيل" عبر بوابة نعلين. لا يمكن أبداً أن نقول إن التعامل كان فيه أي تعقيدات، وباستثناء الممرات والإجراءات الأمنية "العادية" كان كل شيء ميسرا. ربما أن المعبر ذاته مصمم بطريقة أقل من المستوى الإنساني بقليل، ولكن تلك قصة أخرى. وفي الحقيقة لم ألاحظ أي ضيق على وجوه الشبان والعجائز المتحفزة لدخول "إسرائيل". كان انتظاراً ناعماً. داخلني شعور عابر باحتقار الذات، ولكنني طردته على الفور مثلما طردت سؤال اوروك الساذج والمستفز حول حقهم في إذلالنا على هذا النحو من أجل ان يسمحوا لنا بدخول بلادنا. بعد أن عبرنا الحاجز ركبنا مع صديقي سامر "أبو جورج" فانطلق بالسيارة لنقترب بسرعة من تجمع سكني بارز، فسألته عن اسم المستوطنة، فرد بصوت عال فيه شيء من الثقة والدهشة: "خلص ما في مستوطنات احنا هلا في اسرائيل." أجبت بدون أن أقصد ذلك بالفعل: "كلها مستوطنات، كلها مستوطنات." لكنني أحسست بطعم نحاسي في حلقي، فلذت بالصمت.
ذهبنا أولا إلى اللد لأنها بلد زوجتي، بمعنى أنها البلد الذي تنحدر منه عائلة زوجتي. وقال سامر: "لا أحب المرور من هنا، يوجد حي مريع يمتلئ بالجريمة والمخدرات، ويمكن لك أن تفقد حياتك على نحو عابر لأن أحداً يشتبه في أنك من مكافحة المخدرات، لقد نجحت "إسرائيل" في تحويل العرب هنا إلى مافيات وتجار مخدرات ولوثت الحي المرتفع الكثافة بالأمراض الاجتماعية كلها." لم أعارضه وأنا أشاهده يتعمد التخلص من المنطقة بسرعة ويتجه ناحية الرملة ثم يافا.
في يافا أحسست بأنني في بيتي تماما. كان العرب الضفايون يملأون الشوارع عن بكرة أبيها، وقرب البحر كان الناس زرافات زرافات بالحجاب المعتاد منذ عقدين من الزمن يتزاحمون من أجل ركوب السفن السياحية. تكلفة التذكرة 25 شيكل، وتتسع السفينة لما يربو على مئة وخمسين شخصا. ولا بد أن المرء يحس بالسعادة وهو يستمع إلى صوت الغناء العربي الأصيل المنبعث من تلك السفن: "ريتيني تمباك معسل ..... تلحقها عيون الشباب وهي بحالها مغرورة....الخ." الأغاني الهابطة كلها اختارها ربان السفينة اليهودي اليوناني مثلما شرح لي أبوجورج لتلائم ذوق الركاب الضفاويين وتيسر لهم التمتع بالسياحة في "إسرائيل". لم يكن هناك أية إشارة على القلق أو التحفظ من هذا "الاحتلال" الضفاوي المرعب، فقد كان الناس جمهوراً لطيفاً ومسالماً ولا يريد سوى شراء بعض المتعة. وفي السياق ذاته لا نظن أن من المفاجئ بمكان أن نذكر أن التعليقات كانت تتراوح بين الإعجاب بكل شيء "إسرائيلي" وبين التعبير عن الفرحة من ناحية ثم صب جام الغضب على العرب وكل ما يتصل بهم من الناحية الأخرى. تحقق السفينة الصغيرة في نصف ساعة دخلاً صافياً يصل إلى 3000 شيكل، لكن يبدو أن هذا ليس هو الربح الوحيد الذي يحققه جيراننا من إدخالنا إلى بلادهم. لا بد أن هناك أموراً أعظم شأناً يتم تحقيقها في المناحي السياسية والنفسية. فلا بد أن الناس على هذا النحو ترضى بنصيبها من هذه البلاد: الزيارة و "تغيير الجو" كلما سمح الجيران بذلك. ما عدا ذلك القصة تغدو منتهية. فنحن في النهاية لنا "دولتنا" إن رغبوا في إبقائها لنا وإبقائنا لها، وهم لهم دولتهم شئنا أم أبينا.
كتب موقع 972 "الإسرائيلي" إن فيضاً من الفلسطينيين من الضفة يأتي على الرغم من الأزمة الاقتصادية ليحتفل بانتهاء رمضان: عشرات الآلاف من الشبان العرب بملابس العيد الجديدة تفوح منهم الروائح القوية يجوبون اماكن التسوق الكبيرة "المولات" ويتجمعون بقرب البرك والمسطحات المائية المختلفة. ما من أحد يريد زيارة الناصرة ومشاهدة البشر، إنما المقصود هو اللهو في مدن مثل نتانيا وتل أبيب. ويكتب الموقع نفسه: "لقد توقف الفلسطينيون عن أن يكونوا خطراً يتهدد سير الحياة اليومية، إنهم لا يريدون سوى الاستمتاع بحياتهم مثل باقي البشر." وقد يكون الموقع على حق في الكثير مما كتب، ولكنه يتغافل عمداً عن واقعة أساسية: "إن الفلسطينيين ليسوا مثل باقي البشر، إنهم غرباء منفيون عن أوطانهم، وحتى الحفنة المتبقية منهم في مناطق السلطة الفلسطينية، لا يوجد ضمان يمنع أن يصحو أحدهم ذات يوم بعد أن يتمتع بضع ساعات على شاطئ يافا ليجد شاحنة تنتظره لكي يحمل عفش بيته ويغادر نهائياً باتجاه الأردن أو السعودية أو الخليج. ففي الوقت الذي نلهو فيه على رمال وطننا التي قبلنا أن تصبح "إسرائيل" ما يزال المشروع الصهيوني على حاله: لا بد من أرض الميعاد من بحرها حتى نهرها على الأقل، ولا بد أن تكون خالية من الأغيار، ونظيفة على نحو تام وشامل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طردت سؤال اوروك الساذج والمستفز حول حقهم في إذلالن
محمد بن عبدالله عبد المذل عبد المهين ( 2015 / 7 / 21 - 15:30 )
طردت سؤال اوروك الساذج والمستفز حول حقهم في إذلالنا على هذا النحو من أجل ان يسمحوا لنا بدخول بلادنا


هو بالفعل سؤال ساذج بل لا محل له
فهل الست اوروك تعيش على كوكب غير كوكبنا وتجهل قدر الكراهية التي يحملها الفلسطينيون نحو اسرائيل؟ ألا تفهم ما في نفسية والدها نفسه؟

ان كنت يهودي اسرائيلي فهل تفتح الأبواب سداح مداح لمن يتعاطفون مع منظمات عدوة تهدف لاسقاط دولتك سياسيا أو حتى عسكريا وتعيش على وهم عودة الأرض للعرب بعد كل هذه السنين؟
هل يعود المسلمون إلى الأندلس في رأيك؟
وإن أملت في ذلك فهل ترضى بعودة بيزنطا واندحار بني عثمان إلى استبس آسيا مع باقي ابناء جنسهم المغول والتتار؟
هل ينتهي الكابوس وتعود جيوش خالد بن الوليد والزبر بن العوام وابن المتعاص وتترك الأرض لأهلها الأصليين؟

يا أخي يوم يقتنع عرب فلسطين بأن لا عودة ويوم تموت كل المنظمات المهيجة اسلامية كانت أو غير اسلامية قد يأتي سلام حقيقي وتفتح الحدود على اطلاقها

أما من يستظرف ويتناسى كل هذه النقاط فلن يفهم وأبدا ستظل أسئلته ساذجة لا تستحق الجواب


2 - Uruk
ناجح شاهين ( 2015 / 7 / 21 - 18:07 )
في الحقيقة أخ عبد الله ان ما تقوله هو ما قصدنا إليه في المقالة،: اننا خائفون من هذا الذي تقول. أما بالنسبة لأوروك فهي طفلة في العاشرة، على فكرة اسمها مشتق من اسم حضارة عراقية قديمة اسمها حضارة أوروك، وعندها اثنان من الأشقاء واحد اسمه سومر، والثاني اسمه انليل


3 - أشكرك
محمد بن عبدالله عبد المذل عبد المهين ( 2015 / 7 / 21 - 18:48 )
أشكرك أستاذي ناجح شاهين على الاهتمام بالرد

قرأت أمس (غالبا على موقع الحوار المتمدن) بأن أوروك هي أصل اسم (العراق)

أتمنى أفضل مستقبل لأوروك ولكل الجيل الجديد بعيدا عن الحروب والأحقاد التي تجلبها السياسة الخرقاء

اخر الافلام

.. مقتل 6 فلسطينيين في هجوم عسكري إسرائيلي على مدينة جنين بالضف


.. الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية: تابعوا النت




.. بريطانيا: سوناك يقر بهزيمة حزبه ويستقيل من زعامة المحافظين


.. عواصف رملية، جفاف، تصحر.. الوضع حرج في العراق! • فرانس 24 /




.. صورة حقيقية لطائر فلامنجو -بلا رأس- تثير ضجّة بعد الفوز بمسا