الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الربيع العربي وفقًا للمفهوم -الثوري- الأمريكي

السيد شبل

2015 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تُعرّف الثورة على أنها أعمال احتجاجية شاملة، تشارك فيها (أو تؤيدها) قطاعات عريضة من الجماهير، تقودها نخبة ثورية تستهدف إزاحة نظام قائم، واستبداله بنظام جديد، يمتلك سياسات وانحيازات وأفكار ومشروعات جديدة، بهدف إحداث تغيير جذري شامل، يؤتي ثماره الإيجابية على الصعيدين الخارجي والداخلي. والكلام رغم حاجته إلى تفصيل، إلا أنه يعتبر إشارة إلى المعنى المقصود بالضبط، من وراء إطلاق وصف "الثورة" على هذا الحدث أو ذاك؛ وعند افتقاد الأمر إلى أحد العناصر السابقة، كغياب التأييد الشعبي، أو سيولة القيادة وصعوبة تحديد أصحابها، أو افتقاد المشروع السياسي البديل، يصير من الصعب توصيفه على أنه ثورة، إلا إن كان من باب المعاندة والمكايدة السياسية مع أنصار النظام الساقط، وهذه المسألة تظل محصورة في إطار زمني وظرفي بعينه، ومع الوقت تنتهي، وتعود الأمور إلى أصلها.. ينفصل الزيت عن الماء، ويلزم كل شيء مكانه.

وعليه، سيواجَه المصرّون على وصف ما جرى في الأقطار العربية بداية من نهايات 2010، بـ"الثورات" بإشكاليات عدّة، ليس لأن الأنظمة العربية (خاصة في مصر وتونس) لم تكن تستحق الإزاحة، ولكن لأن ما جرى بهذا الهدف لم يستوف من أي وجه الشروط الواجب توافرها في الثورات؛ ولاحظ أننا نتحاشى في هذا السياق الإشارة إلى الاختراق الخارجي الحاضر من أول لحظة في بنية الاحتجاجات نفسها.

عود على بدء.. التعريف الذي سقناه في مستهل الكلام، والذي اعتبرناه ميزانًا حساسًا نزن عليه الأحداث؛ ليس هو المعتبر عند دوائر بحثية غربية عديدة، وبالتالي فهو مرفوض عند أشياع هذه المراكز البحثية وعبّادها من أبناء الوطن. حيث يرى الباحثون الغربيون أن "الثورة" التي يُسمح بالعمل وفقًا لكتالوجها في دول العالم الثالث، هي: الأحداث التي تنتج عنها هزة في البنية السياسية بالشكل الذي يسمح بدوران النخب في الحكم عبر صناديق الاقتراع، وطالما أزيحت نخب حاكمة وتمت الاستعاضة عنها بنخب أخرى فقد أصابت "الثورة" أهدافها... ولا يهم، إذن، هل تحمل النخب الجديدة ذات الأفكار السابقة، أم تخالفها ؟؛ ولا يهم، هل ثمة تغيير لحق بجوهر السياسات الحاكمة والتي كانت سببًا مباشرًا للهبة الشعبية، أم أنها باقية على حالها ؟؛ ولا يهم، هل تحمل النخب الجديدة رؤية اقتصادية واجتماعية مغايرة، أم أنها تتفق مع أسلافها في المضمون رغم مفارقتها لهم في الصورة ؟؛ وكذلك، لا يهم، إن كانت شعاراتها تقدمية تسير بالمجتمع نحو الأمام، أم رجعية تسوقه إلى الخلف ؟... المهم، فقط، هو أن التغيير قد وقع وأن الوجوه تتبدل. وهذا بالضبط ما تم الترويج له مع بدايات "الربيع العربي"، عبر وجوه نخبوية ورسائل إعلامية مكثفة، على اعتبار أنه الهدف "الثوري" المطلوب تحقيقه!.

نخلص مما سبق إلى أن المساعي الغربية لتوظيف الهبّات الشعبية لتصب في صالح "القيم" الليبرالية والمصالح الاستعمارية كانت حاضرة من لحظة الميلاد، حتى على مستوى تحريف مفهوم الثورة ذاته، وجعله معني بالشكل دون المضمون. وهو ما يعني استئناس الانتفاضات العربية وتدجينها، فالوجوه تتبدل لكن السياسات التابعة للقوى الغربية والمتماهية مع مصالح الكيان الصهيوني (في مصر وتونس) باقية كما هي، والإعصار العربي يتحول إلى ربيع هاديء مسالم لا أكثر.

تتبين المسألة، إذا أخذنا في الاعتبار امتزاج المفهوم القاصر والمجتزأ للثورة في سبيكة واحدة مع فكر فوضوي عدمي انتشر على مستوى القواعد الشبابية، يقدس الفوضى ويعارض بشكل مبدئي وجود سلطة في أي صورة كانت. وهذه التركيبة تمثل الأرض الصالحة فعليًا لزراعة الفوضى، التي تقوّض بناءات الدول وتمهد للتقسيم والتفتيت.. وإلخ؛ فالحرب تدور على المستوى الأعلى بين نخب تتصارع على الكرسي، دون أن يكون بينها أي قدر من التمايز في الأفكار أو التوجهات في حلقة مفرغة لا تنتهي؛ وعلى المستوى الشعبي، تنزلق المجموعات الشبابية في صدام مستمر بلا أفق، مع أي بادرة أمل تسير بالجماعة الوطنية نحو الاستقرار، تحت ذريعة معارضة السلطة، على أي شكل كانت.

كان المراد من الناحية التأصيلية أن تكون "الثورات العربية" مشابهة للـ"الثورة الأمريكية" التي وقعت في مواجهة البريطانيين عام 1776، ولم تحدث أي قدر من التغيير الجوهري نظرًا لانتماء الطرفين إلى نفس الطبقة الرأسمالية الناهبة؛ لكن هذه الأحداث وغيرها أدت فيما بعد إلى استقرار الولايات المتحدة ونهوضها حتى لو على جثث الملايين؛ لذا كان مطلوبًا أن يظل الأمر قائمًا على المستوى النظري فقط؛ أما على المستوى العملي، فكان المخطط له أن تكون الثورات مشابهة في الصورة والمآلات إلى ما تواطأ الباحثون على تسميته بـ"ثورات ما بعد الحرب الباردة"، وهي ثورات في أغلبها صبت في الجيب الأمريكي، وأكدت هيمنة القوى الغربية على العالم.

ختامًأ: الفرصة لم تفت، وكل ما يقال في نقد ما جرى بالعالم العربي في الأربع سنوات الأخيرة، لا يعني بأية حال غياب الوجوه الإيجابية التي يمكن البناء عليها واعتمادها في سبيل الخروج من هذا المأزق. ولا شك، أيضًأ، أن جوهر المؤامرة الغربية، التي أرادت القفز على الانتفاضات الشعبية، وهو المتعلق بتقويض الدول وتفكيكها، قد انتكس إلى حد ما. وهو ما يسمح الآن بإعادة الاعتبار للمطالب الإصلاحية التي نادت بها الجماهير، دون أن يكون في ذلك ثمة تقاطع مع المصالح الغربية، وعلى أن تكون المطالب تستهدف إصلاح الجوهر والأمراض الأصلية لا الأعراض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس