الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو أزمة اجتماعية حادة

حزب العمال التونسي

2005 / 10 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لا يمكن لأي مراقب نزيه لتطور الأوضاع في تونس أن ينكر تفاقم المشاكل الاجتماعية من جهة ونزوع السلطة إلى معالجتها عن طريق التسويف والمماطلة والقمع من جهة ثانية مما يؤكد عجزها عن حلها بما يستجيب لطموحات الكادحات والكادحين من بنات هذا البلد وأبنائه.

فالمفاوضات الاجتماعية التي أرادتها السلطة وسيلة لفرض "السلم الاجتماعية" وتقييد أيدي النقابيين والشغالين وحرمانهم من الدفاع عن حقوقهم، متعطلة. فلأول مرة يأتي شهر أكتوبر دون أن تحقق هذه المفاوضات تقدما جوهريا ملموسا في أهم القطاعات سواء منها العمومية (الوظيفة العمومية) أو الخاصة (النسيج، البناء، المعادن ...). ويحاول كل من الحكومة والأعراف الالتفاف على مطالب المركزية النقابية على تواضعها (زيادة بـ5 ,75% في الأجور ...) وفرض زيادات طفيفة (1,25% ارتفعت إلى 2,75% تدخل من فوق) بدعوى "صعوبة الظرف الاقتصادي" بينما يتغنى الخطاب الرسمي صباحا مساء بـ"الحالة الصحية الجيدة" للاقتصاد التونسي بفضل "الاختيارات الحكيمة لصانع التغيير". ومن الملاحظ أن بعض الإشاعات تروج في الأوساط النقابية مفادها أن الزيادات في صورة إقرارها لن تكون ذات مفعول رجعي، بل سيقع تطبيقها بداية من تاريخ إقرارها.

ومن جهة أخرى فإن ظاهرة البطالة ما انفكت تتفاقم يوما بعد يوم. وقد أصبحت بطالة أصحاب الشهائد علامة بارزة من علامات هذا التفاقم. فالكليات والمعاهد العليا أصبحت مؤسسات لإنتاج العاطلين عن العمل. كما أن طرد العمال بالجملة، خاصة في قطاع النسيج المتأزم باطراد، يمثل علامة أخرى من تلك العلامات. ولم تجد نفعا وعود السلطة التي تطلقها باستمرار ولا المشاريع الدعائية التي تعلنها بعنوان "معالجة البطالة" (صندوق 21/21 والمشاريع الصغرى ...) لأن الظاهرة مرتبطة بالاختيارات الاقتصادية الجوهرية، الرأسمالية الوحشية التابعة، التي تضرب حق الشغل في العمق وليس ببعض الجزئيات والتفاصيل. وبالتالي فقد ظلت البطالة تتفاقم، وستظل كذلك طالما أن الاختيارات هي هي، علما وأنه من المستحيل أن تتغير في ظل الدكتاتورية النوفمبرية العميلة.
وقد أثار تفاقم البطالة ردود فعل متعددة لعل أبرزها التحركات الأخيرة للعاطلين من أصحاب الشهائد وغيرهم في بعض معتمديات ولاية قفصة (الرديف، أم العرائس، ...) حيث تبلغ البطالة في أوساط الشباب نسبا مرتفعة للغاية يقدرها البعض بـ60%. وفي نفس الوقت يزداد يوميا عدد المرشحين إلى الهجرة السرية بما يعني ذلك عدد المرشحين للموت أو في أحسن الحالات للجوع والتشرد والجريمة والسجن في البلاد الأوروبية.

ومن جهة ثالثة فالأسعار ترتفع بدون انقطاع ويشمل هذا الارتفاع كافة المواد والخدمات الأساسية، ولا توجد نسبة ولا مناسبة بين نسق ارتفاعها ونسق الزيادة في الأجور أو تطور مداخيل أصحاب المهن الصغيرة والفلاحين الصغار والفقراء مما أدى إلى تدهور كبير للمقدرة الشرائية للطبقات والفئات الشعبية. ونتيجة لذلك ازدادت مظاهر الفقر والإملاق كالتسول، والتشرد والوقوف لساعات أمام مقرات الحزب الحاكم والدولة (معتمديات…) طلبا للصدقة. كما أدى "الجري وراء الخبزة" بعدد كبير من الأجراء إلى البحث عن شغل ثان وثالث خارج العمل الأصلي على حساب الراحة والصحة. ولم يعد التشكي من غلاء الأسعار مقتصرا على الفئات ضعيفة الدخل بل أصبح مشتركا بين كافة الأجراء بمن فيهم الفئات العليا من البورجوازية الصغيرة كالجامعيين وأطباء الصحة العمومية والموظفين من درجات هامة مما أدى إلى اتساع دائرة الفقر وضيق دائرة الثروة وبالتالي تعمق الهوة بين الفقراء والأغنياء، بسبب نفس تلك الاختيارات الرأسمالية الوحشية التي ولدت البطالة.

ومن جهة رابعة فقد تفاقمت الأمراض الاجتماعية في البلاد. ومن بين هذه الأمراض الجريمة التي تتخذ يوما بعد يوم أبعادا مفزعة (سرقة، اعتداءات، قتل، اغتصاب ...) الأمر الذي جعل التونسيات والتونسيين يشعرون بانعدام الأمن في وضح النهار وفي قلب العاصمة والمدن الرئيسية، وهم يلاحظون أن الحزم الذي يظهره البوليس في ملاحقة وقمع المناضلين السياسيين والحقوقيين والنقابيين وبشكل عام أصحاب الرأي المخالف يقابله تقاعس كبير في التصدي لانتشار الجريمة والبحث في أسبابها وسبل علاجها، فما يهم السلطات هو ضمان أمن الطغمة الحاكمة لا ضمان أمن المواطن.
وإلى جانب الجريمة ينتشر البغاء والكحولية وتناول المخدرات والاتجار بها في كافة أنحاء البلاد.

كل هذه المظاهر تؤكد أن أزمة حادة تعتمل في أحشاء المجتمع التونسي. وكما سبق أن قلنا في المقدمة فإن نظام بن علي ما انفك يواجه هذه المظاهر عن طريق التسويف والمماطلة وخاصة القمع. فمع تفاقم المشاكل الاجتماعية، اشتدت قبضة السلطة على الكادحين والشعب وبلغت الفشستة درجة خطيرة في الآونة الأخيرة متجسدة في الهجوم على ما تبقى من جمعيات ومنظمات مستقلة بهدف تدميرها وفي الاعتداء على مناضلات ومناضلي هذه الجمعيات ومواصلة منع أي نشاط سياسي حر ومستقل بما في ذلك أنشطة الأحزاب المعترف بها من غير أحزاب الديكور التي حصر بن علي تعامل نظامه معها

ويحاول بن علي استغلال ضعف الحركة الاجتماعية والسياسية، في استثمار المشاكل الاجتماعية لتطوير وعي الكادحين والفقراء وتنظيمهم من أجل تحقيق مطالبهم وطموحاتهم المشروعة، لربح الوقت ومحاصرة كل تحرك وإجهاضه. فالتحركات على الصعيد الاجتماعي مشتتة ومجزأة. ففي الوقت الذي كان من المفروض فيه تجنيد كافة الهياكل النقابية وقواعدها للقيام برد حازم على تعطل المفاوضات الاجتماعية على المستوى الوطني، فإن البيروقراطية النقابية اكتفت بتنظيم ندوات بين أربعة جدران، ولم تتورع عن ممارسة التعتيم على سير المفاوضات. وحتى التحركات التي تمت إلى حد الآن (أساتذة الثانوي) فإنها بقيت محدودة ولم تشمل على الأقل مختلف قطاعات التعليم.

أما تحركات العاطلين عن العمل فعلاوة على اقتصارها على بعض معتمديات ولاية قفصة فإنها ظلت بدون أفق خصوصا بعد أن رفضت المركزية النقابية تبني قضاياهم أو على الأقل قضايا بعض الفئات منهم كحاملي الشهادات العليا.

والمشكل كل المشكل يكمن في استمرار الأوضاع الاجتماعية في تأزمها دون أن يجد الضحايا من عمال وكادحين وعاطلين عن العمل ومهمشين الأطر والبرامج والمقترحات التي تفتح لهم الآفاق، فتذهب تحركاتهم سدى، أو في أحسن الحالات، تكون حصيلتها أقل بكثير من حجم التضحيات التي يبذلونها.

وما من شك في أن المسؤولية تلقى في الأساس على القوى الثورية والديمقراطية والتقدمية في البحث عن الحلول والوسائل التي تمكن من استثمار الأزمة الاجتماعية المعتملة لفائدة المشروع الديمقراطي، الذي يستجيب للمطالب المشروعة للكادحين والفقراء في تحقيق العيش الكريم لهم ولأبنائهم وبناتهم، وهو ما يتطلب عملا توعويا وتنظيميا هائلا في صفوف الطبقات والفئات الشعبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلياس حنا: عملية النصيرات دليل على أن إسرائيل تبحث عن أي نجا


.. الطيران الحربي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على ساحل غزة




.. لحظة توديع أب فلسطيني لطفله بعد استشهاده بقصف للاحتلال الإسر


.. طائرة روسية مسيرة تهاجم قوات أوكرانية وتعطل تقدمها




.. أخبار الصباح | بايدن: الحرب العالمية الثالثة بدأت على التلفز