الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماليات العمارة الأسلامية في العصر العباسي - المئذنة الملوية في سامراء نموذجا

تحسين الناشئ

2015 / 7 / 22
الادب والفن


تميز العصر العباسي الذي امتد زهاء خمسة قرون بكونه كان عصر تقدم واضح وكبير في مجمل نواحي الحياة وتحديدا في مجالات العلم والأدب والفن والثقافة العامة ، وذلك وفق ماتم انجازه في هذه المجالات والذي لازالت شواهده قائمة حتى اليوم ، وتركز ذلك التقدم على صعيد الفكر والفلسفة والفلك والطب والادب والهندسة المعمارية اضافة الى مجالات اخرى عديدة ، في ذلك العهد ازدهر البناء وارتقى الفكر وتواصلت الانجازات العلمية فكان عصرا زاخرا بكل معطيات النماء ، لذا يعتبر بمثابة عصر نهضة عربية يكمل ماتم انجازه في العصور التي سبقته ، وجدير بالذكر القول ان العمارة الاسلامية في هذا العصر قد خطت خطوات واسعة نحو الامام وتطورت بشكل يدعو الى الاعجاب وترسخ فيها الطابع العربي العراقي بوضوح رغم وجود بعض التاثيرات الهندية الفارسية المغولية ، الا انه اصبح بشكل عام فنا متقدما ذا هوية موحدة في نواحيه البنائية والجمالية ، كما اتصفت العمارة في هذا العصر بجوانب متقدمة دفعت بالباحثين المعاصرين الى دراستها وتقييمها واستلهام بعض خصائصها الفنية والوظيفية .

كان لتطور العمارة في هذا العصر اسبابه ، فخلفاء بنو العباس كانوا يتسابقون في تشييد الابنية والقصور والمساجد والمدن وكانوا ينفقون الكثير عليها ويستجلبون امهر الصناع والمهندسين والبنائين فكان التقدم على صعيد فن العمارة سريعا وواضحا . ولقد اتصفت العمارة الاسلامية خلال عهد العباسيين بجمالها وفخامتها وبروعة صنعتها وتنوع طرزها حتى بلغت اوج ازدهارها . وخير مثال على ذلك ماتركته حضارة العباسيين من مبان يمكن ان يشار اليها بالكثير من الاعجاب ، لعل اهمها : المسجد الكبير في سامراء ، المئذنة الملوية ، المدرسة المستنصرية ، القصر العباسي ، قصر الاخيضر ، بيت الخليفة في سامراء ، قصر العاشق ، الجسر العباسي .. وغيرها .

ولغرض عرض بعض جماليات فن العمارة العباسية سنتناول هنا بالشرح المفصل واحدة من اهم تلك الشواهد المعمارية بطابعها وشكلها المميز والتي ذاع صيتها على مستوى العالم بأعتبارها واحدة من المباني المثيرة وغير التقليدية ، انها المئذنة الملوية ، مئذنة الجامع الكبير في سامراء .

بأمر من الخليفة العباسي المتوكل ، تم بين سنتي 849- 852 م ، بناء واحد من اكبر المساجد في العالم الاسلامي في ذلك الزمن ، في الجزء الغربي من العاصمة الجديدة للخلافة العباسية (سامراء) ، وبسبب سعة مساحته اُطلق عليه تسمية (المسجد الكبير) اذ تبلغ مساحته حوالي 45500 متر مربع، وكان يتسع لحوالي 100000 (مئة ألف مصلي) وفيه خمسة عشر مدخلا ، كما كانت تحمل سقفه الرئيسي حوالي 488 عمودا ، وتطرز جدرانه المتينة العديد من الابراج الدائرية والمحاريب المستطيلة .

ان هذا المسجد ،اضافة الى مساحته الكبيرة، تميز بشكل مئذنته التي جعلته يغدو واحدا من اشهر مساجد العالم الاسلامي ، فتلك المئذنة تميزت بطابعها المعماري الفريد وبشكلها الحلزوني الرشيق والتي تعتبر اليوم احدى اشهر المعالم الأثرية في مدينة سامراء الواقعة شمال غرب مدينة بغداد ، هذه المدينة التاريخية كانت بهجة للناظرين وسيدة مدن العالم خلال فترة ازدهارها التي امتدت على مدى نصف قرن ونيف من الزمن فسميت (سُرّ مَن رأى) او ســامرا .

تعتبر المئذنة الملوية في سامراء من اهم مآذن العالم الاسلامي واكثرها فرادة وتميزا من الناحية المعمارية والبنائية ، فلأول مرة يتم بناء مئذنة بهذا الحجم وبهذا الطراز المتميز ، فهي لاتتميز بشكلها الغريب فقط انما بمزايا اخرى متعددة . فاذا نظرنا الى سمات المآذن الاخرى الموجودة في العالم الاسلامي نجد انها جميعا تشترك في كون الأرتقاء اليها يتم من الداخل حتى بلوغ القمة التي يؤدي منها المؤذن الآذان ، وتشترك معظم المآذن في كونها عبارة عن ابنية اسطوانية ذات نهايات مستدقة ، كما انها جميعا تُبنى كوحدات بنائية داخلية ، اي ملحقة ببناء المسجد ومرفقاته الاخرى من الداخل ويحيط البناء كله سور - سياج خارجي ، اما مئذنة سامراء فهي تختلف عن ذلك كله ، اولا بسبب شكلها اللولبي الفريد كقطعة معمارية غير تقليدية ، فهي متسعة المساحة من الاسفل ويقل اتساعها صعودا حتى بلوغ القمة ، فالمئذنة هذه مؤلفة من طبقات متعددة ، وثانيا بسبب موقعها بالنسبة لبناء المسجد، اذ انها تنتصب خارج سور المسجد وتقع امام الحائط الشمالي على بعد 27,25 مترا منه ، اي انها بناء منفصل قائم بذاته . الميزة الثالثة لها هو كون الارتقاء الى قمتها يكون من الخارج عن طريق سلمها الذي يدور حول محورها صعودا بعكس اتجاه عقارب الساعة، ولهذا السبب كان الناس يرون المؤذن عن بعد وهو يرتقي المئذنة فيعلمون بحلول وقت الصلاة . اما الميزة الرابعة لها فهو كونها اعلى واضخم مئذنة تم بناءها في ذلك الزمن .

مئذنة سامراء الملوية تقوم على قاعدة مربعة مؤلفة من طبقتين ، الاولى طول ضلعها 31,30 متر ، وارتفاعها2,50 مترا ، والثانية مستطيلة بعض الشئ بأبعاد 30,60 x 30,40 مترا وارتفاعها 1,70 مترا ، فيكون ارتفاع القاعدة الكلي هو 4,20 مترا .
وتزين واجهات القاعدة محاريب مستطيلة (تجاويف اشبه بالنوافذ ، غائرة وغير نافذة) وتعلو هذه المحاريب عقود او اقواس مدببة ، اما عدد هذه المحاريب فهو تسع في كل ضلع عدا الضلع الجنوبي اذ يحتوي ست محاريب فقط بسبب وجود سلم الملوية في هذا الجانب .

اما القسم الحلزوني اي بدن الملوية فهو بناء مؤلف من خمس طبقات تتناقص مساحتها كلما ارتفع البناء ، ولكل طبقة ارتفاع معين ، فالطبقة الاولى السفلى يبلغ ارتفاعها 10,10 متر والثانية 8,12 متر والثالثة 8,83 متر والرابعة 8,10 متر ، والطبقة الاخيرة ارتفاعها 8,45 متر .
في قمة المئذنة يوجد قبة اسطوانية الشكل طول قطرها ثلاثة امتار وارتفاعها 6,40 متر ، وهي مسقفة وفيها ثمانية ثقوب يعتقد انها كانت مواضع لثمانية اعمدة خشبية صممت لحمل سقيفة القبة. وهذه القمة او القبة يتم الارتقاء اليها بواسطة سلم شديد الانحدار مؤلف من 22 درجة (باية) .

للمئذنة الملوية سلّم من الآجر بعرض 2,50 متر ، ويبدأ من وسط الجانب الجنوبي للمئذنة ويدور صاعدا الى الاعلى بعكس اتجاه عقرب الساعة ، وكلما ارتفع السلم ضاقت مساحته وازداد انحداره ، اذ يبلغ عرض السلم في قمة الملوية حوالي 1,90 متر . اما عدد درجات سلم الملوية فيبلغ 399 درجة . ويعتقد عالم الاثار (هرتسفيلد) ان السلم كان له سياج خشبي وذلك لوجود ثقوب على الجانب الخارجي منه لتثبيت قوائم ذلك السياج .

المئذنة الملوية بنيت بالآجر المشوي مادة البناء السائدة في بلاد الرافدين ، اما المادة الرابطة فهي الجص ، وقد بني المسجد الكبير بنفس هذه المواد ، ويعتقد بعض الاثاريون ان طراز بناء الملوية مشتق من طراز بناء الزقورات العراقية من ناحية كونها مؤلفة من طبقات متعددة ترتفع فوق بعضها بمساحات تقل مع الارتفاع ، الا ان باحثين آخرين يعتبرون ان طراز وشكل الملوية هو بناء فريد ليس له نظير في جميع الابنية قديمها وحديثها .

وجدير بالذكر ان هنالك مئذنة ملوية اخرى في مدينة سامراء ليس بعيدا عن المئذنة الأم ، الا ان تلك المئذنة اصغر حجما واقل ارتفاعا ، وهي مئذنة جامع ابي دلف الشهير الذي بناه الخليفة المتوكل ايضا ، ويعتبر من المساجد الكبيرة في العراق والعالم الاسلامي اذ تبلغ مساحته حوالي 12 دونما (حوالي 30700 متر مربع) ، والمئذنة الملوية لهذا المسجد يبلغ ارتفاعها حتى القمة المتهدمة نحو 19 متر ، وفي حين ان الملوية الام تتألف من خمس طبقات فأن الملوية الصغرى تتألف من ثلاث طبقات فقط ، والسلم يدور صاعدا باتجاه معاكس لعقارب الساعة ايضا .

تُعتبر ملوية سامراء من اشهر الابنية على مستوى العالم بسبب هندستها وطرازها المميز ، ويسميها بعض الغربيين - برج بابل – او انهم يتوقعون ان شكل برج بابل الشهير كان على غرارها. وقد استوحى بعض المعماريين المعاصرين من شكل المئذنة الملوية تصاميمهم ومبانيهم الحديثة في العالمين العربي والغربي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي