الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحليل الفاعلي والماركسية

الشيخ محمد الشيخ

2015 / 7 / 22
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


التحليل الفاعلي والماركسية
الشيخ محمد الشيخ
في البدء ما كان من الممكن بالنسبة لي تطوير التحليل الفاعلي لو لم أكن ماركسياً. يتبنى التحليل الفاعلي أو نظرية الفاعلية نفس المشروع الذي طرحته الماركسية: تجاوز الرأسمالية، تجاوز احتكار الثروة والسلطة والحقيقة، تحقيقاً لمجتمع الحرية والعدالة والإخاء. تكشف لي في مرحلة مبكرة (سنة 1970) أن الماركسية غير مؤهلة لتحقيق هذا المشروع، لضعف في بنيتها النظرية ومن ثم قدرتها على قراءة الواقع قراءة صحيحة. نجم الضعف نسبة للمرحلة التي بلغها تطور العلم في عصر ماركس وليس لقصور في عبقرية ماركس أو حسه الثوري السليم. في مقال سابق( مأزق نهضة الشعوب العربية والإسلامية- السودان أنموذجاً) لخصت ضعف البنية النظرية للماركسية فيما يلي:

يتمثل أول إخفاق للماركسية في أنه من المستحيل تقديم تصور للتطور الاجتماعي التاريخي للبشرية بمنأى عن البيولوجيا، أي بمنأى عن نظرية التطور. وعلى الرغم من ترحيب ماركس بنظرية التطور إلَا أنه رأى في صيغتها التي تؤبد الفطرة الدارونية كبعد وحيد للطبيعة الإنسانية تبريراً للاستغلال الطبقي من ثم لا تحقق طموحات الماركسية في التغيير ورفع الظلم عن كاهل الطبقة العاملة. لكن بالمقابل يؤدي استبعاد البيولوجيا إلى عدم رؤية الملكية الخاصة كسمة من سمات الفطرة الدارونية وأنها كانت هنالك حتى قبل تطور قوى الإنتاج، في المجتمعات البدائية حيث تم احتكار النساء كوسيلة لإنتاج الذكور الذين يحققون الأمن للعائلة أو القبيلة. عليه في الفضاء الدارويني تكون على الأرجح الضحية من طبيعة الجلاد وأنه لا سبيل إلى تجاوز الرأسمالية وبناء الاشتراكية دون أن تشكل قوى الفاعلية الغالبية في المجتمع، وللتدليل على ذلك خذ أي بروليتاري بصورة عشوائية وأعطه بضعة ملايين من الدولارات، تجد على الأرجح أنه لا يمانع أن يكون رأسمالياً قحاً، هذا يعني أنه لا يختلف عن الرأسمالي من حيث الفطرة الدارونية، لهذا السبب يظل النظام الرأسمالي في البقاء رغم عيوبه.

الإخفاق الثاني للماركسية يرجع لمحدودية فيزياء عصر ماركس، التي لم تكن تدرك أن للمادة خاصيتان تتميميتان هما موجات المادة وذبذبات المعلومات البيولوجية. تنقلنا التتميميةComplementarity) من فلسفة مادية أحادية إقصائية إلى فلسفة مادية تتميمية ترعى التنوع والاختلاف. يترتب على التتميمية على المستوى الانطلوجي تتميمية على مستوى الطبيعة اإنسانية، وعلى مستوى نظرية المعرفة.

الإخفاق الثالث يتمثل في أن ليس للماركسية نظرية في تركيب العقل، كيف يتسنى لحركة تطور التاريخ الاجتماعي الثقافي للبشرية أن تكون مستقلة عن الوعي؟ بالطبع لا يكفي مجرد الإشارة لأهمية الوعي، ينبغي أن تكون هذه الأهمية والدور مغروساً في صلب النظرية. أدى هذا الإخفاق إلى اغتراب المناضل أو الثوري فبينما هو يجسد معنى ومغزى حياته أروع وأنبل ما يكون من خلال صناعة التاريخ بمحض فاعليته وإرادته، يحسب أنه رهن للحتمية التاريخية، ومن ثم هو يضحي من أجل أجيال لم تولد بعد.

مشكلة التغيير الاجتماعي.

بين أيدينا أعظم تجربة وأعظم حلم للتغيير الاجتماعي باء بالفشل، التجربة الاشتراكية الأولى. إننا لا نستطيع أن نتقدم صوب التغيير بخطى حثيثة ما لم نستوعب الأسباب الجذرية التي أدت إلى هذا الفشل ونعمل على تجاوزها. فشلت التجربة لأن القيم التي تنادي بها الاشتراكية، قيم العدالة والحرية والإخاء، قيم بنية عقل خلاق، هذه القيم لا يمكن تسود في فضاء دارويني. لتوضيح مصطلح الفضاء الدارويني تجدر الاشارة إلى أن التطور الاجتماعي الثقافي للبشرية محكوك بتعظيم الفاعلية، أي الانتقال من مجتمعات يسودها تدني الفاعلية (مجتمعات تناسلية أو برجوازية) إلى مجتمعات يسودها ارتقاء الفاعلية. في ظل تدني الفاعلية تتجلى الخصال الدارونية ، خصال الأنانية والعنف والاستبداد، بينما في ظل ارتقاء الفاعلية تتجلى خصال الإبداع والإيثار. من ثم يسمى الفضاء الاجتماعي الذي تسوده الخصال الدارونية بالفضاء الدارويني، بينما فضاء ارتقاء الفاعلية هو الفضاء الذي تسوده قيم الحرية والعدالة والإيثار.

لماذا لم تر الماركسية هذه النتيجة مسبقاً؟ وما العمل؟
لم تستطع الماركسية رؤية ذلك لأنها:
- أقصت البيولوجيا من حيز التحليل الاجتماعي
- الزعم أن تغيير علاقات الإنتاج (البناء التحتي) يترتب عليه تغيير البناء الفوقي (الوعي) بصورة تلقائية.

أولا،ً ينبغي التأكيد على أن الوجود الإنساني وجود اجتماعي- ثقافي- بيولوجي، من ثم يصبح تحليل الظاهرة غير دقيق حالة كوننا نستبعد البيولوجيا من المعادلة. لذا فإن التحليل الفاعلي هو تحليل أشمل للظاهرة.

ثانياً، ليست المشكلة في أن تغيير البناء التحتي سيترتب عليه تغيير البناء الفوقي بقدر ما هي في من هو المؤهل للقيام بالتغيير وكيف؟
في الفضاء الدارويني، أي في ظل سيادة البنية التناسلية أو البرجوازية، يكون الجزء الأكبر من المستغلين (بفتح الغين) والمضطهدين (بفتح ال ه) حسب النظرية الماركسية رصيد للثورة أو للاشتراكية، بينما يرى التحليل الفاعلي العكس، أن الجزء الأكبر هو رصيد للبرجوازية والرأسمالية ما لم توجد وسيلة للارتقاء بفاعلية الغالبية. وحينما تستغل شريحة ثورية سخط هذه الجماهير مستنفرة غرائزها الدارونية في ممارسة العنف والاستيلاء على السلطة وتغيير علاقات الإنتاج يكون هذا التغيير سطحي، لا علاقة له ببنية العقل البرجوازي المغروسة في أشواق الجماهير، عليه عاجلاً أو آجلاً ستعبر الخصال الدارونية ( الأنانية والعنف والاستبداد) عن نفسها، وتفشل التجربة. إن بقاء النظام الرأسمالي مهما استشرت سوءاته لدليل على أن غالبية السكان يحلمون بنفس الغايات البرجوازية. هذا يعني أن ما يحدد بقاء النظام الرأسمالي ويؤمن صيرورته ليست هي الشريحة الرأسمالية بقدر ما هي الغالبية التي لا مصلحة لها أصلاً في النظام. لذا فإن علاقات الإنتاج الرأسمالية ستتحول إلى علاقات إنتاج اشتراكية بصورة سلمية وديمقراطية وتلقائية اللحظة التي يصبح فيها حملة الوعي الخلاق هم الغالبية في المجتمع. عندئذ تصبح عملية التغيير الاجتماعي رهينة بتنمية الفاعلية.
صحيح أيضاً، حسب آلية نمو الفاعلية، يظل المستغلون والمضطهدون والمهمشون هم الأكثر قابلية لتنمية الفاعلية. مع ذلك الوعظ والتحريض لا يجدي في تنمية الفاعلية لأن ما يحدد السلوك هو بنية العقل وليس الخطاب، في العادة تنتقي البنية ما يلائمها من بنية الخطاب. نؤكد أن العنف لا يجدي لأنه من الوسائل التي يعيد بواسطتها الفضاء الدارويني إنتاج نفسه ويؤبد كينونته.

ماذا تبقى؟
تبقت التربية. لأن تغيير المجتمع يبدأ بتغيير الفرد وليس بتغيير علاقات الإنتاج الرأسمالية، تغيير علاقات الإنتاج نتيجة وليس سبباً. التربية هي تجسيد المثال على أرض الواقع: أن تعيش النواة المؤسسة (الحركة أو الحزب)، وهي بالضرورة من حملة الوعي الخلاق أي الإيثاريين، قيم الاشتراكية: الحرية و الإيثار والعدالة والتضامن، فيما بينها، ومن خلال علاقتها بالآخر. وسيتحدد نموها وتطورها بقدر ما تفشل بنية العقل البرجوازي السائدة في توفير الأمن والحماية لأعداد متزايدة من السكان وبقدر ما تطرح القوى البديلة من حلول ناجعة للتحديات. وذلك من خلال كشفها لقوة التضامن كان ذلك على مستوى العمل النقابي، منظمات المجتمع المدني، المنظمات الطوعية، الحركة التعاونية... إلخ.
إن النظرية الاجتماعية، على سبيل المثال الماركسية، لا تمتلك نظرية سيكلوجية تساهم في تنمية فاعلية الفرد. بينما من خلال التحليل الفاعلي يمكن الكشف عن بنية العقل المسكوت عنها والمتدثرة برداء الثورية لكل من يود الانتماء لحركة التغيير. ثم مساعدته من أجل تغيير فكرته عن نفسه واحتياز بنية عقل خلاق من خلال تفكيك آليات ضبط البنية المستدمجة ومن خلال الممارسة الاجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خلط للامور لا حدود له
طلال الربيعي ( 2015 / 7 / 22 - 16:36 )
الاستاذ العزيز الشيخ محمد الشيخ
انك تزعم بكون
-الملكية الخاصة كسمة من سمات الفطرة الدارونية وأنها كانت هنالك حتى قبل تطور قوى الإنتاج-.
بغض النظر عن ركاكة الجملة, فما المقصود ب -الفطرة الدارونية -, او ان -الملكية الخاصة... كانت هنالك حتى قبل تطور قوى الإنتاج-؟
يبدو ان خلطك للامور لا حدود له. فقد خَلِطت بين الداروينية البايولوجية والداروينية الاجتماعية, حيث ان الثانية هي فلسفة رجعية اربابها تاتشر وريغان وعصابات اخرى نيوليبرالية ترفع يافطات شريعة الغاب, وهي والشيوعية على طرفي نقيض .
لذا ارجو ذكر النص والمصدر لتوثيق مزاعمك عن داروين.
للاسف ان مقالك يخلو من اية علمية ولا يتبع حتى الحد الادنى من المنهجية الاكاديمية, رغم تعكزه على علوم طبيعية, وتعكزه هذا بالضبط هو سبب ولادته ميتا.
تحياتي

اخر الافلام

.. أول دفعة من المساعدات تصل إلى غزة عبر الرصيف الذي أنشأته الق


.. التطبيعُ السعودي الإسرائيلي.. هل يعقب التهدئة في غزة أم يسب




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استعادة جثث 3 رهائن قتلوا في هجوم حماس


.. وفد جنوب إفريقيا: قدمنا طلبنا للمحكمة ليس لأننا حلفاء لحماس




.. سعيد زياد: الفشل المتراكم للاحتلال هو من سيخلق حالة من التصد