الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غداً نلتقي .. غورنيكا سوريّة مجنونة

عروة الأحمد

2015 / 7 / 23
الادب والفن


في منفىً لا يتجاوزُ طابقين مرميّين في إحدى زوايا بيروت؛ رسمَ الكاتب "إياد أبو الشامات" تضاريسَ اللوحة الأصعب لصراعنا، وفي أجساد تشبهنا؛ وتقطن -مؤقتاً- ذلك المنفى؛ جَسَّدَ المخرج "رامي حنّا" حُلْكَةَ أيَّامنا.

غداً نلتقي - عملٌ يشرحُ للمشاهد العربي -قبل السوريّ- ما عجزتْ نشراتُ الأخبار، والأفلام الوثائقية، والسيناريوهات الدراميّة السَّابقة عن شرحه؛ لأنه يعودُ إلى أصلِ الحكاية، ضارباً بعرضِ الحائط خلافاتنا الأيديولوجيّة وتفاوتنا الطبقيّ، وصراعنا الفكريّ، وموضّحاً ماهيَّة الخلل العميق في بنيتنا وتربيتنا وظروف نشأتنا.

أصلُ الحكاية التي تقول بأنَّ:
"وردة" كانت تغسلُ ضحايا الموتِ البطيء مُذْ جاءَت إلى هذه الحياة، ولمَّا تغسلُ دماء الشتات والحرب..
وبأنَّ "جابر" انسانٌ، وله حقّه في اتّخاذ الموقف الذي يرتضيه مما يحدثُ في سوريا..
وبأنَّ "محمود" لم يشأ الاحتضار، وأطلق في رأسه رصاصة الرحمة لمّا شعر باقتراب أجله.

إنَّ تفاوتَ الثقافة وتباين اللغة لدى شخصيّات العمل كان أشدّ ما ميّزه، بالإضافة إلى حياديّة النصّ، وذكاء طرحه للقواسم المشتركة المؤلمة التي تجمع السوريين على اختلافهم.
نعم؛ فالألمُ هو القاسم المشترك الأكبر لنا جميعاً في هذه الحرب، وهذا ما يفسّر إعجاب كلا الطرفين "المُتعارِضَين" بالعمل..
لقد كان الكاتبُ أميناً بحقّ، وأبدع في صياغة نصٍّ يعجُّ بالقلق؛ صاخبٍ بضجيجِ الصمت،وكم كان المخرج ماهراً في إيلاء الصمت الاهتمام الأكبر في حربٍ مجنونةٍ لا نملك أمامها لغةً أبلغَ تعبيراً من الصمت.
غداً نلتقي.. أشبهُ بغورنيكا سوريّة اللون والرائحة؛ لخَّصتْ في بوحها القاتم حكاية الشتات السوريّ الذي لم يستثنِ أحداً من أهل هذه البلد.

هذه التراجيديا التلفزيونيّة التي ارتكزت على "لوكيشن" واحد في أغلبها؛ قدّمت لنا الأداء المسرحيّ بصورةٍ سينمائية أخّاذة، وبرمزيّةٍ عالية مكثّفة.وبرأيي إنها مخاطرةٌ هستيريّة في سوق رمضان خاضها ثلاثة مجانين هم كاتب هذا العمل"إياد أبو الشامات"، ومنتجه "إياد النجار"، ومخرجه "رامي حنا"، والذين تربّع عملهم المُعْتِم الصورة؛ الصامت؛ ذو الأداء الـ"ستانسلافسكيّ"، والعبث الـ"درويشيّ".. على عرش الدراما العربيّة لهذا الموسم.

عملٌ تلفزيونيّ أولى لغة الجسد اهتماماً ما بعده اهتمام بدءاً من انحناءة أبي عبدو، وطراوةِ رُوحِ محمود؛ مروراً بتجهّم جابر، وعنفوان غيفارا؛ واضطراب حداقي الغامض؛ انتهاءً بترنّح وردة البريء.
لقد كانوا جميعهم لوحةً جسديّة واحدة مفعمةً بالأحاسيس.
كما أنّ البناء الدراميّ للشخصيّات كان محكماً بعناية، وهذا يعلّله مشاركة المخرج في البناء الدراميّ، وكأنّ دور "محمود" قد تمّت صياغته لعبد المنعم عمايري وحده دوناً عن غيره، وكذلك أدوار كلّ من وردة - كاريس بشار، وأبو ليلى - تيسير ادريس، وأبو عبدو - عبد الهادي الصَّباغ..
توزيع الأدوار واختيار الممثلين موفّقٌ جداً، كان "حنّا" كمن يدبّ الروح في الأجساد.
الموسيقى التصويرية في هذا العمل، والإضاءة الخافتة المدروسة، والديكور البسيط الشاحب الألوان، والماكياج الملائم للظرف المأساويّ؛ كلّ ذلك جعله أقربَ إلى الكمال.


-إياد أبو الشامات: إن كان هذا السيناريو الأوَّل لك؛ فماذا تركت إلى ما بعد؟!
-رامي حنا: شكراً لجنونك، ولروح الطفل الحاضرة ما وراء الصورة..
-كاريس بشار: يليقُ بالابتسامة الخجولة لوردتنا أقصى النجاحات.. كنتِ سفيرتنا، وموطنَ جُرحنا الحيّ..
-عبد المنعم عمايري: شكراً لمن أعاد اللغة لعينيك اللتين غاب بريقهما طويلاً.. يا سيّد التعبير..
-مكسيم خليل: كان بركانك حاضراً في عينيك.. كنت حقيقياً جداً، وأميناً في تأدية ما يخالف قناعتك..
-عبد الهادي الصباغ: جبلٌ كبيرٌ من المشاعرِ أنت، وأستاذٌ في لغةِ الصمت..
-تيسير ادريس: كاركتر ساحر.. وممثلٌ لذيذٌ جنونه، ووجهٌ أمني النفس ألا أشتاقه بعد هذا العمل..
-ضحى الدبس: ما أجمل انفجارك في لحظات الذروة الدراميّة؛ وما أصدق تصعيدك قُبَيل الوصول إليها!
-سوسن أبو عفار، محمد حداقي، فوزي بشارة، علي كريّم، نظلي الرواس، فاتن شاهين، جابر جوخدار، ميار الكسان.. كنتم جميعاً مبدعين.
-ورد وهبي: نحنُ أمام موهبةٍ لا تقلّ شأناً عن كلّ من ذكرتهم ولم أذكرهم من طاقم عمل غداً نلتقي.


أسرة غداً نلتقي..
وضعتم أنفسكم أمام مُطَالبةٍ دائمة بما هو أجمل؛ كما وضعتم الباقين أمام مقارنةٍ قاسيّة، وتحريضٍ بالغ الصعوبة.. فغداً نلتقي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل