الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة ميسلون بين الأمس واليوم - إلى يوسف العظمة -

بدر الدين شنن

2015 / 7 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


في الرابع والعشرين من تموز ، تحتفل سوريا بذكرى معركة ميسلون ، عام 1920 ، ضد الغزاة الفرنسيين .
وإذ تحتفل سوريا اليوم بهذه الذكرى ، تؤكد لأبطالها .. وشهدائها .. أن المثال البطولي الذي رووه بدمائهم .. في الدفاع عن الوطن .. قد كبر ونما . وها هو جيشهم السوري ، يخوض الآن معركة الدفاع عن الوطن .. ضد غزو الإرهاب الدولي .. حاملاً مشعل ميسلون .. وروح ميسلون .

* * *

إن الحرب الوطنية ، التي تخوضها سوريا الآن ، ضد غزو الإرهاب الدولي ، هي بكل علمية وموضوعية ، امتداد لحرب سوريا الوطنية في ميسلون 1920 ، ضد الغزو الفرنسي . يجمعهما مسار واحد .. في الحركة .. والمكان .. والسمت . وتوحدهما المعاني .. والدلالات .. والتصميم .. في معارك الدفاع عن الوطن مهما بلغت التضحيات .
وهذا ما يسمح بالقول ، إن كل معركة يخوضها الجيش السوري ضد الإرهاب الدولي ، في درعا .. والحسكة .. واللاذقية .. وحلب .. وإدلب .. والقلمون ، وغيرها ، هي معركة ميسلون .
إن الجيش الذي قاتل في ميسلون 1920 ، والجيش الذي يقاتل ضد الإرهاب الدولي ، هو الجيش السوري الواحد .
والأرض من ميسلون .. إلى الحسكة .. ومن عفرين إلى درعا .. ومن حلب إلى اللاذقية ، هي أرض سوريا الواحدة .
وكل اللحظات الوطنية السورية من 1920 ، إلى الآن ، تمثل حركة تاريخ الوطن الواحد .

وعندما نحتفل بذكرى معركة ميسلون .. فإننا نحتفل .. بولادة جيش وطني يدافع عن الوطن ووجوده .. نحتفل بتأسيس العقيدة العسكرية المقاتلة للجيش الوطني .. نحتفل ببصمات شهداء ميسلون .. التي كانت أولى البصمات .. في سجل الشرف العسكري السوري المضرجة بالدم .
لقد قدمت معركة ميسلون بتجلياتها الوطنية .. وتداعياتها السياسية ، دروساً في غاية الأهمية . بعضها يماثل ما يجري الآن . وبعضها جديد ، يعبر عن العلاقة بين القوى السياسية والمؤسسة العسكرية .. في لحظة امتحان المسؤولية الوطنية .

* * *

كانت مؤامرة ( سايكس - بيكو ) بمثابة قرار استعماري ، فرنسي بريطاني ، للعدوان على سوريا وتمزيقها . وقد نفذ هذا القرار، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918 ، بغطاء أممي ، جاء عبر انتداب " عصبة الأمم " لبريطانيا وفرنسا لحكم سوريا .. بل لاحتلال ( بلاد الشام ) سوريا .
تقابلها الآن مؤامرة " الربيع العربي " التي كانت بمثابة قرار عدواني دولي ، لتطويع وتطبيع الجيوسياسية السورية وثرواتها ، وبلدان عربية أخرى ، مع مخططات الشرق الأوسط الجديد .. ومتطلبات العولمة الأمريكية . عبر استغلال الظروف السياسية والاجتماعية التي تكابد منها شعوب هذه البلدان .

الاختلاف ، عسكرياً ، بين العدوانين .. يتمثل ، بأن الجيشين البريطاني والفرنسي ، كانا أداة ( سايكس - بيكو ) للعدوان والسيطرة على سوريا . وكان عدواناً استعمارياً فظاً مباشراً ، وبأن جيوش الإرهاب الدولي ، نتيجة المتغيرات الدولية ، هي أداة العدوان الاستعماري الراهن .. وهي مموهة بشعارات ، وتلا وين سياسية ، ومذهبية ، منافقة ، فضحتها الممارسات الوحشية ، والدماء المستباحة ، والدمار الهائل .

في معركة ميسلون قاتل الجيش السوري وعدد من المتطوعين ، جيشاً حديثاً مزوداً بالأسلحة المتطورة ، ويفوقهم عددياً بخمسة أضعاف ، وكان فارق القوة والتكنولوجيا بينهما ، هو الفرق بين الدبابة والطائرة ، والبارودة .
في معركة سوريا الآن ضد الإرهاب الدولي ، يقاتل الجيش السوري والقوى الشعبية ، قوى مدعومة بقدرات تكنولوجية ، ولوجستية ، ومالية ، وإعلامية ، وسياسية ، دولية وعربية رجعية وإسرائيلية .. وقوتها الضاربة هي الإرهاب المجمع من كل أطراف العالم .

أما الاختلاف ، سياسياً ، بين العدوانين ، فهو يتمثل أولاً باختلاف الظروف المحلية والإقليمية والدولية ، التي تكتنف الحدثين . كان الوضع الدولي عام 1920 تحت قبضة بريطانيا وفرنسا ، ولم يكن آنذاك وجود لدول إقليمية من تركيا إلى اليمن . ومحلياً كان الملك فيصل وحكومته برئاسة " رضا باشا الركابي " دون أي إسناد دولي مستقل . وكانت الدولة السورية قيد التأسيس .
اللافت ، في تلك اللحظة السياسية السورية ، أن القوى السياسية في حكومة الركابي وخارجها ، وعلى رأسها ط الملك فيصل " ، لم تكن على مستوى المسؤولية الوطنية الحاسمة . وقد تمثل ذلك بتعاملهم مع إنذار " الجنرال غورو " ، الذي طلب استسلام سوريا الكامل للجيش الفرنسي . فقد كانت ردة فعل الحكومة الأولى رفض الإنذار . وبعد يوم قررت الاستسلام " تجنباً للدمار وسفك الدماء " . وأمرت بحل الجيش . وأرسلت " للجنرال غورو " تعلمه بقبولها كامل شروطه . لكن " الجنرال " احتقرها .. وقال .. لقد تأخرتم . وأمر قواته بالزحف إلى دمشق . . فعادت الحكومة والملك إلى رفض الإنذار ودعوة الشعب إلى الجهاد .. ولكن بعد فوات الأوان .
فقط وزير الدفاع "يوسف العظمة " وضباط الجيش ، رفضوا الإنذار الفرنسي ، منذ أن وجه إلى الحكومة .. ودعوا للقتال . وقد استجابت الجموع الشعبية لندائهم ، وملأت شوارع دمشق .. وبادر بضعة آلاف منها للتطوع للقتال ضد الغزاة الفرنسيين .

وقد قدمت التداعيات المتلاحقة في تلك اللحظة السياسية السورية ، قدمت معطى تاريخياً هاماً ، وهو أن القوى السياسية المترددة .. أو الجبانة .. في لحظة تقرير المصير الوطني .. تسقط قبل سقوط الوطن ، الذي ائتمنها على قيادته ومصيره .. إذ ما أن بدأ الزحف الفرنسي يدنس الأمتار الأولى من التراب السوري .. حتى هرب الملك فيصل تحت الحماية البريطانية ليصبح ملكاً على العراق ، وتلاشت حكومة الركابي . وهو أن مبادرة وصمود الجيش .. وتضحياته .. في تلك اللحظة .. كانت المعبرة بصدق عن .. السياسي .. والعسكري .. في الدولة في آن . لكن ما ينبغي ذكره ، أنه في تلك اللحظة ، لم تقدم أي من القوى السياسية السورية ، على التواطؤ مع العدو الفرنسي .. ولم تعوق تصدي الجيش للغزو الفرنسي .

في عدوان الإرهاب الدولي تميز الاختلاف السياسي ، باستخدام السياسة ، والأيديولوجيا ، والإعلام ، على نطاق واسع ، لم يعرف حتى في الحروب بين الدول العظمى ، واستخدام انفلات المتغيرات الدولية المتسارعة ، والقفزات " الفكرية " والإعلامية ، والتكنولوجية ، التي وضعت " العولمة " عنواناً للهيمنة الأمريكية على العالم . وأنتجت " مفكرين " استبدلوا صراع الطبقات الاجتماعية من أجل حياة أفضل ، ونضال الشعوب المضطهدة والمفقرة من أجل الرغيف والحرية ، بصراع الحضارات .واستبدلوا الحلم الاشتراكي والعدالة الإنسانية ، بنهاية التاريخ .. وبأبدية النظام الرأسمالي الظالم .

وعلى ذلك ، كانت السياسة المنافقة ، والأيديولوجيا المزيفة ، والشعارات البراقة المخادعة ، كانت مقدمة مرهقة للوعي الشعبي في الصراع مع الإرهاب الدولي . وقد أنتج تظهير المخططات والأهداف الاستعمارية والرجعية والإسرائيلية ، انقسامات ، وتراجعات سياسية حادة متعددة في سوريا ، شملت معظم الأحزاب والقوى السياسية .. وخاصة القوى التي نذرت وجودها وحراكها ، لأداء دور المعارضة الوطنية الديمقراطية ، قبل عدوان الإرهاب الدولي بسنوات وخلاله .. وتركت للجيش وحده تقريباً تحمل مسؤولية التصدي للإرهاب الدولي .

* * *

إن معركة سوريا الآن ضد الإرهاب الدولي ، تبرز عدداً من النقاط الهامة ، المتعلقة بتاريخ .. وبدور الجيش السوري .. السياسي .. في حياة البلاد . وهي حسب المعلومات المتوفرة .. بإيجاز :
* تم تأسيس الجيش ، بعد طرد الاحتلال العثماني 1918 ، من الضباط السوريين ، الذين أقاموا أثناء خدمتهم في الجيش العثماني ، علاقات وثيقة فيما بينهم .. ومن المتطوعين السوريين وبعض العرب الذين رافقوا الجيش العربي بقيادة الأمير فيصل .
* أعيد تأسي الجيش ، بعد طرد الاحتلال الفرنسي 1946 ، من الضباط والأفراد الذين كانوا في سلك الدرك والشرطة ، ومن المتطوعين السوريين المتحمسين .
* دخل الجيش حرب فلسطين 1948 ، مع جيوش عربية أخرى ، وقدم عدداً من البطولات والشهداء .
* استغلت الدول الأجنبية نقمة الجيش على الحكومة لعد م اهتمامها الجاد بتسليحه كما يجب في معركة فلسطين . وشجعت بعض الضباط للقيام بانقلابات عسكرية ، ما بين 1949 -1954 . لخدمة مصالحها . لكنها الانقلابات فشلت . وحافظ الجيش على وحدته . وأسقط آخر الانقلابات ، وأعاد الاعتبار للحياة السياسية . وإجراء انتخابات برلمانية شفافة . وساند الحكم الوطني الديمقراطي 1954 - 1958 .
* بالتعاون الشفاف مع الحكومة الوطنية الديمقراطية ، قام الجيش بعدد من الممارسات الوطنية والقومية .
* وقف مع الشقيقة مصر ، إبان العدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي عليها عام 1956 ، وأرسل من قواته دعماً للقتال ضد العدوان . وفتح باب التطوع الشعبي لمساندة مصر . وكان وراء تفجير خطوط شركات النفط البريطانية المارة عبر الأراضي السورية
* حين فرض ( حلف بغداد ) الاستعماري الحصار على سوريا عام 1957 ، شكل المقاومة الشعبية . وبتلاحمه وتآخيه مع الشعب والمقاومة أسقط الحصار .
* كان اللاعب الأول في إقامة الوحدة القومية " الجمهورية العربية المتحدة " مع مصر . فاوض جمال عبد الناصر . شجع وحض السياسيين السوريين ، لاسيما المترددين ، على إنجازها .
* أسقط حكم الانفصال الرجعي ، المتواطئ مع الخارج 1963 ، أملاً بإعادة العمل بالإجراءات الاجتماعية التقدمية " الإصلاح الزراعي والتأميم " وإعادة الوحدة مع مصر .
* خاض وشقيقه ورفيق سلاحه الجيش المصري ، حرب تشرين 1973 ، ضد العدو الإسرائيلي لاستعادة الأراضي السورية والمصرية المحتلة . وحقق انتصارات ميدانية مشهودة . وقدم تضحيات كبير ة . وستبقى شجاعة الجندي السوري وساماً لامعاً على صدر التاريخ السوري ,, وصدر الجيش السوري .
* يخوض منذ أربع سنوات ، وما زال ، حرب ميسلون الكبرى ، ضد غزو الإرهاب الدولي .. بشجاعة وحرفية أذهلت الصديق والعدو .

* * *

وبهذه الحركة التاريخية العريقة ، هز الجيش السوري المفهوم الديمقراطي التقليدي لمعادلة ( جيش - سياسة ) . وكشف بؤس تجربة القوى السياسية السورية ، وبخاصة المتموضعة ، ضمن إطار المعارضة وعلى هوامشها ، التي تمزقت إلى .. قوى مسلحة مع الإرهاب .. وقوى غير مسلحة لكنها لا تقاتل الإرهاب .. وقوى لها هوى بالأفكار والنظريات الثورية ، تنظر إلى ما يجري في البلاد وتتعاطى معه من منظور الصراع ضد الدولة الطبقية فقط .. دون أن ترى أن أرسنة جيوش الإرهاب الدولي ، تمسك بها القوى الإمبريالية المعادية لمفهوم الصراع الطبقي .. والتطور الاجتماعي السياسي التاريخي . وفتح موضوعياً ضرورة إعادة الاعتبار للحياة السياسية ، التي تقوم على وحدة وتلاحم القوى الوطنية وفي مقدمها المؤسسة العسكرية ، حاملة مسؤولية تحرير البلاد من الإرهاب الدولي ، وحماية الوجود الوطني . من أجل إقامة حركة وطنية قوية .. تحافظ على شعلة ميسلون المقاومة متقدة على الدوام .. في عقولنا .. وعلاقاتنا . من أجل وطن عزيز بأبنائه .. وبحريته .. وبعدالته .

الإجلال والاحترام لشهداء معركة ميسلون .. وشهداء كل معارك سوريا .. ضد غزو الإرهاب الدولي .. وضد كل الطامعين بأرضها وثرواتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت