الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة الدكتور سعيد سعدي مع مقولته - لقد أخطأت في المجتمع -

بوشن فريد

2015 / 7 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


قصة الدكتور سعيد سعدي مع مقولته " لقد أخطأت في المجتمع "
من الأسئلة الفكرية التي عجزت النخبة المثقفة و الباحثة في شؤون المعرفة الإنسانية, في إيجاد حلول لها, هي في واقع الأمر, تلك الأسئلة التي تحيط نفسها بنوع من الغموض في الطرح و صعوبة في الفهم و التعليق, إذ استوقفتني مقولة مشهورة تعود للدكتور سعيد سعدي, الرئيس السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية و أحد مؤسسي الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان في حقبة الثمانينات, و التي صرح بها أمام الملأ و علانية, عندما تعرض حزبه المعارض للهزيمة الانتخابية المزورة في فترة التسعينات, أين استحوذ الإسلاميون المتشدّدون على حصة الأسد في تلك الانتخابات الفاقدة للشفافية و المصداقية, فقد قال و كله يقين و قناعة مطلقة: " لقد أخطأتُ في المجتمع ".
مقولة بقدر ما هي جريئة و شجاعة من رجل سياسي معروف بجرأته في اختراق الطابوهات و محاربة ما لا يستحق الاحترام في وطن, قال هو عنه في يوم ما, إنّ الجزائر أمانة, و لا ينبغي أن نتساهل مع من يغتصب بكارة رجال نوفمبر و ملحمة مؤتمر الصومام و يتلاعب بأدوات الديمقراطية, بقدر ما هي حكمة سياسية انبثقت من دكتور نفساني خبير في تفسير طبيعة الإنسان الجزائري و إدراك خباياه العميقة..
فكما قلت, إن سبب إصراري في فكّ ألغاز هذه المقولة العظيمة, راجع إلى ما تحمله من خطورة كبيرة, إذ بمجرد أن تطلقها, ستقابلك جحافل بشرية ناقمة منك, و غاضبة عليك, و ما أدراك أن يتفوه بها رجل سياسي حالم باعتلاء عرش الجمهورية بقامة الدكتور سعيد سعدي, و هنا بالضبط يكمن وجه الغرابة و الدهشة, فمن غير المقبول على أي رجل يمارس لعبة السياسة و يجعلها فوق اعتباراته و اهتماماته, أن يسقط في فخ هذه المقولة, التي لا تليق بالسياسيين و محرمة عنهم إطلاقها علانية, و يجوز الحديث عنها و النطق بها في الكواليس و في حالة الانفرادية و الوحدانية أو أمام جماعاتهم التي تحمل نفس التوجه السياسي و الفكري.
أعتقد و من باب الاجتهاد الذاتي في التعليق على مواقف الدكتور سعيد سعدي, أنه عندما تلفظ بهذه المقولة التي صنعت ضجة إعلامية و جماهيرية لا تحصى و لا تعد, قد كان في حالة الصدمة الغير المنتظرة آنذاك من طرف الشعب الجزائري, بحيث لا يعقل حسب إيمان الدكتور, أن يتجرأ الشعب على اختيار طريقة إعدامه نفسه ببرودة دم و غباء في الضمير الوطني, باختياره لجبهة الإنقاذ المحسوبة للتيار الإسلامي العنيف و الراديكالي في الانتخابات المحلية و التشريعية, إذ لم يمر من عهد الاستعباد و الاضطهاد سوى بضعة أشهر فقط, فكيف ينتخب الشعب على الفوضى و استباحة دمائهم و الرجوع بهم إلى ما قبل الجاهلية, "بانتخابهم الغبي" على حزب الفيس العدواني على كل قيم الديمقراطية و حرية المعتقد و الرأي و حرية في التعبير, كيف؟.
إن مقولة " لقد أخطأتُ في المجتمع " تحمّل في طياتها و بين حروفها, مغزى سياسي واحد و لا يقبل القسمة, أنّها نزلت على المجتمع كالصاعقة المرعبة, و ساهمت لحدّ ما في تحريك الخطاب السياسي يومها, فما كان مدفوناً في صميم الساسة آنذاك, من حسابات إيديولوجية و عواطف انفرادية نحو بلوغ قمة زعامة البلاد, قد كشفته بطريقة ما مقولة الدكتور سعيد سعدي الذي سيشهد له التاريخ على بسالته الكبيرة في الإفصاح عن خلّل كل أزمات الجزائر منذ الاستقلال إلى يومنا هذا, و هو خلّل لا يميت بأية صلة لحب الوطن أو امتهان للوطنية, فعدم اهتمام المجتمع الجزائري بنفسه و إصراره في اختيار الأسوأ و نفوره من العمل السياسي, يصنفه التاريخ في خانة العمالة بشكل غير مباشر, و الغباء جزء من الجريمة و الجريمة لا مكانة لها في بلاد الشهداء و الأحرار, فربما بهذا المنطق كان الدكتور سعدي يرى الأشياء و يمنح للجزائر القسط الأكبر من المسؤولية, لذا كانت أولى تصريحاته العلانية قاسية لحدّ ما, بوصفه قناعات الشعب يومها بالغير الذكية و البعيدة عن ما تمليه الأخلاق الوطنية في تلك المراحل السوداء التي كانت تتخبط فيها البلاد.
فتارة يسخط المجتمع بكامل مكوناته البشرية و المهنية و الثقافية و السياسية على ما آلت إليه بلد مليون و نصف مليون شهيد, و يطالب بالانفتاح نحو الحريات الديمقراطية و ضرورة التأقلم مع ثقافة القوى العظمى و مواكبة تحضرها, بما يخدم الأمة و يجعلها تتصدر مرتبة الرقي و النهضة الموعودة, و تارة أخرى ينقلب على قيمه و طموحاته و ذكائه, فيتمرد على النظام الشمولي المنغلق في لحظة إعلان عن التعددية الحزبية ليصوت على طاعون الديمقراطية و خادم النظام في سنوات السبعينات ليومنا هذا, و لكن هذه المرة يختار جماعة الفيس الحاقدة على ثقافة التعايش الحضاري و المغتصبة لحقوق الإنسان و المسيسة لدين الإسلامي, الذي هو دين يكفي للجميع, و أمام هذا المنعرج الخاطئ في مصير النضال السياسي لدى المجتمع الجزائري, يبدو لي و من زاوية المنطق أنه من المنتظر سماع هكذا مقولات محفوفة بالجرأة الصادقة, كأن يتعرض غباء المجتمع للنقد الحاد , كما حاوّل الدكتور سعدي بصنع ثقافة النقد المباشر و الغير المدروس, و فضح غباء المجتمع الراغب في الرقي, و لكن أي من الرقي يريد, ذلك الرقي الذي يعود به إلى سنوات التقهقر في الحريات و القيم و التعددية.
إن مقولة الدكتور سعيد سعدي " لقد أخطأت في المجتمع " بقدر ما هي مقولة شجاعة ستحسب لصاحبها في أروقة التاريخ, بقدر ما هي إجابة واضحة في عدم قدرة النخب الذكية في الجزائر في استيعاب خطورة الأوضاع و أنها غير معنية بالضمير الوطني, حيث كان بوسع هذه النخب و الأدمغة توظيف ذكائها لتوعية المجتمع و تثقيفه كما كان الدكتور الذكي سعيد سعدي يفعلها دوما لحد الساعة, رغم كبر سنه و نضاله الطويل منذ نعومة أظافره.
إن الدكتور سعدي اليوم ليس بحاجة إلى شهادة اعتراف من خصومه و أعدائه و الحاقدين عليه بسبب ذكائه و صفاء مبادئه السياسية و تمتعه بالحس الوطني, فهو يعرف سلفاً أنه سيتعرض للنقد الشخصي قبل نقد أفكاره و كتبه و مساهماته السياسية و التاريخية, فهو بحاجة إلى إعادة المجتمع الجزائري النظر من جديد في ظروف تبنيه تلك المواقف الشجاعة و ما الغاية منها, لأنني شخصياً أرى من الغير المعقول أن بعض من الأقلام الصحفية و السياسية في بلادنا ما تزال تكن له حقدا غير مبرراً و غير مفهوماً, فرغم خروج الدكتور سعيد سعدي من العمل السياسي, و انشغاله بالكتابة التاريخية, بعدما برهن كالعادة أنه الأفضل في صناعة المواقف الديمقراطية و تبنيها من جميع شركائه السياسيين في الجزائر, و حتى في دول الجوار, لنقل الأفضل من جميع ساسة العالم الثالث, عندما تنازل عن عرش قيادة حزب الأرسيدي رغم إصرار آنذاك أغلبية مندوبي و مناضلي حزبه بضرورة الاستمرار في الرئاسة, إلا أنه منح المشعل للشاب الهادئ ذو صفات القيادة الحكيمة و الباسلة في نفس الوقت, لمحسين بلعباس الذي يقود الحزب بطريقة مثالية و ذكية و في مرحلة سياسية لا تقل ضبابية و خطورة كمرحلة التسعينات.. مرحلة الإرهاب و إبادة الجزائريين من قبل الآلة الدينية المسيسة.
صاحب عدة كتب في التاريخ و السياسة و الوحي الثقافي, الدكتور سعيد سعدي بحاجة إلى من يفهم أفكاره دون خلفيات إيديولوجية أو دينية, هو يكتب لتوظيف الأمل في نفوس الجزائريين فلماذا لحد الساعة الجميع يخاف من كتاباته و تصريحاته, فهل كل هذا راجع إلى تعمد الغباء لدى المجتمع بحكم سعيد سعدي قبائلي أم أن المجتمع اليوم يرى نفسه غير مؤهل للتغيير و تبني الذكاء لذا يخشى من متابعة أطروحات أذكى و أشجع مثقف جزائري أنجبته الجزائر.. إنه الدكتور سعيد سعدي؟
بوشن فريد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة