الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ايديولوجية العنف والاغتيال السياسي

فالح الحمراني

2005 / 10 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا تتبنى بعض الانظمة والحركات السياسية العنف وسيلة لتحقيق اهدافها؟ ولماذا يصبح العنف وباء كالطاعون يهدد في مرحلة ما دولا وشعوبا بكاملها فضلا عن حياة الانسان العادي؟. هذه اسئلة مطروحة اليوم تتطلب الردود لاجتثاث الظاهرة الخطرة التي جعلت من حياة البشر من دون ثمن والبحث عن وسائل ناجعة وصحيحة لحل المشكلات الاقتصادية والسياسية والقومية والاجتماعية لضمان حلول ثابتة وعادلة وموضوعية. ان هذه الاساليب تدعو الى عدم تجميد المشكلات وتجاهلها وانما السهر على فهمها ومعالجتها.
هناك الاف الاسباب التي تتحكم بموقف المجتمع والدولة من ممارسة العنف، تشمل التاريخ والتقاليد الثقافية لهذا المجتمع او ذاك والوضع السياسي والاقتصادي القائم والمواصفات الشخصية لمن يدير دفة الامور في البلد، فضلا عن مستوى تطور او تخلف منظمات المجتمع المدني. بيد انه حتى لو تخلينا عن هذه الخصائص الملموسة لهذا البلد او ذاك، يمكن الاشارة الى عدة عوامل، من شأنها ان تجعل العنف عملا عاديا غير شاذ وممارسة طبيعية وأحد المكونات السياسية الرسمية للنظام القائم.
اول تلك العوامل يقوم على منطلقات عقائدية وليست سياسية محضة، وبالاخص التصورات عن الطبيعة البشرية. تبني الانظمة الديمقراطية منطلقاتها على الايمان بالمنحى العقلاني والبناء للانسان باعتبار ان البشر قادرون على الاتفاق فيما بينهم وان نزعة التدمير ليست من طبيعتهم ويميلون إلى الامتثال للقواعد والمعايير السائدة في المجتمع وادراكهم لحكمتها والحاجة لها. وتتبنى الانظمة الديمقراطية هذا الموقف من العنف، ولا تجيز ممارسته الا في حالات استثنائية وتجاه مجموعة صغيرة من مكونات المجتمع. اما ممارسة العنف الجماعي فمسألة مرفوضة من حيث المبدأ في النظام الديمقراطي. وبالتأكيد، فان الموقف المغاير من الانسان والقائم على الشك بقدرة البشر على مراعاة سلوك المعايير العامة بطواعية وعلى ان البشر بطبيعتهم اغبياء وعدوانيون يفضي بصورة طبيعية الى استنتاج يرى ضرورة استخدام القوة والعنف او التهديد بها لاحتواء النزعات التدميرية التي يتصف بهما البشر. وتتمثل التداعيات السياسية لهذا الموقف بتبرير العنف بجميع اشكاله ووضع المقدمات لاقامة الدكتاتورية.
ويعد تصور المجتمع لطبيعة الحركة التاريخية بمثابة العامل الثاني الذي يساعد على جعل العنف اساسا ومحورا للعقيدة السياسية. فاذا كانت هذه الحركة مشوشة ومختلطة وعرضية وينمو فيها التضليل المعلوماتي، فتنشأ التبريرات الملفقة لظهور ما يسمى بـ (القائد الضرورة) لتنظيمها وتوجيهها في مسار محدد.
وهكذا، فان من سيطلق على نفسه لخداع الجماهير وخلق اسطورته الخاصة اسم (القائد الضرورة) يقف بتعالٍ من جهة بوجه ما يراه ضيق افق شعبه، ومن جهة اخرى في مواجهة الفوضى والتدمير التي تتسم بها الحركة التاريخية عموما والتي يؤدي سوء اداء السلطات الى تفاقمها في مراحل معينة. وعلى خلفية ذلك، فان الموافقة على ان حركة التاريخ عفوية ومشوشة وانها تسير نحو الهلاك والدمار ستجد المسوغات لاستخدام العنف باعتباره وسيلة لمواجهة هذه الفوضى والدمار واعتبارها ادوات مقبولة، بل حتى انسانية وضرورية، وان الضحايا التي تصاحب ممارسة العنف امر لابد منه. وبالتاكيد، فان البديل لسرقة الطغاة والمغامرين للسلطة على حين غرة، بمؤامرة او مكيدة، يقوم على فهم الحركة التاريخية ومتطلبات المرحلة بالتحليل العلمي العميق والهادئ لإيجاد العلاج الناجع للخروج بالبلد الى شاطئ الامان من دون ثورات دموية ولا هزات اجتماعية او حروب طاحنة اهلية او خارجية.
والعامل الاخر يتمثل بتوهم او ادعاء السياسي او النخبة السياسية بوجود رسالة لديه ولدى شعبه وحزبه او لدى جماعة تنتمي لها قوى وفعاليات الحركة السياسية. فاذا افترضنا اننا ننتمي الى هذا الحزب او ذاك فنحن اذن اصحاب رسالة وحينها تستحدث المسوغات لشرعنة ممارسة العنف لتحقيق الرسالة الموهومة. وحينها يبرر استخدام العنف، فالغاية تبرر الوسيلة في عرف تلك الانظمة.
وهناك عامل اخر يتمثل بتوجه سياسي لا يقوم على ايجاد الحلول للمصاعب والمشكلات اليومية الانية وانما طرح اهداف غير قابلة للتحقيق.
ان مثل هذا التوجه يفضي الى التقليل من اهمية اللحظة الراهنة ومن معالجة المشكلات القائمة. وبمنطق هذا التوجه: اذا كان الحاضر ليس هدفا بحد ذاته وانما مرحلة انتقالية الى الغد، فليس هناك عوائق اخلاقية تمنع استخدام اي شكل من اشكال العنف للتسريع بتحقيق الاهداف المطروحة.
والاغتيال السياسي الفردي والجماعي والارهاب كلها اشكال من اشكال العنف.
ان الاغتيال هو اسهل الوسائل وارخصها للتخلص من الخصم السياسي. ولكن التجارب التاريخية برهنت على انه لا يفضي الى اجتثاث المشكلات الماثلة التي يمارس من اجلها.
وكان بعثيو العراق، مثلا، حينما خططوا لاغتيال عبد الكريم قاسم في العراق، يبررون ذلك لانهم يعتقدون ان تصفية رأس النظام سيصفي النظام بأسره، من دون ان يأخذوا بالاعتبار طبيعة اصطفاف القوى، فقد كانوا مستعدين لمجزرة دموية على غرار المجزرة التي نظموها بعد انقلاب 8 شباط. وتقوم نظرية الاغتيال السياسي على ان تصفية الخصم ستصغي المشكلة القائمة معه. وينسى هؤلاء ان الفرد، خاصة السياسي، لا يقف في الساحة بمفرده، فثمة قوى سياسية وشرائح اجتماعية تقف وراءه، وان الوضع في كل حالة قائمة بحاجة الى حلول شاملة ومتكاملة الجوانب وتحظى بموافقة الاطراف المشاركة في العملية السياسية. ان اغتيال المهاتما غاندي لم يحل دون استقلال الهند، ولم تؤخر الاغتيالات التي مارسها صدام حسين ضد خصومه ومعارضيه في العراق من يوم الاطاحة بهم. ولم يحل اغتيال روسيا الزعيم الشيشاني الجنرال جوهر دودايف المشكلة الشيشانية. اذن، هناك آليات خاصة لكل مشكلة وان فهمها يساعد على استحداث وسائل تسويته








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل توسع عمليات هدم منازل الفلسطينيين غير المرخصة في الق


.. عقب انتحار طالبة في المغرب مخاوف من تحول الأمر إلى ظاهرة بين




.. #فائق_الشيخ_علي: #صدام_حسين مجرم وسفاح ولكنه أشرف منهم كلهم.


.. نتنياهو يتوعد بضرب -الأعداء- وتحقيق النصر الشامل.. ويحشد على




.. في ظل دعوات دولية لإصلاح السلطة الفلسطينية.. أوروبا تربط مسا