الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عدنان البراك فتى الصحافة الشيوعية الجميل .. النبيل

ابراهيم الحريري

2015 / 7 / 27
مقابلات و حوارات


عدنان البراك
فتى الصحافة الشيوعية الجميل , النبيل
{ لا ازعم ان هذه السطور تحيط بكل اوجه شخصية الشهيد , الغنية , المتعددة . فتجربتي في العمل معه لم تتعد العامين او الثلاثة . و لا انوي ان اكتب دراسة عنه ,مع انه يستحق ذلك , و قد انبرى غيري لها , فهو امر فوق طاقتي , انما هي – اي هذه السطور – ليست سوى خواطر و ذكريات , ساجتهد ان تكون دقيقة , امينة , قدر ما تسعفني الذاكرة , بعد 56 عاما من اول لقاء لي به , صيف عام 959 , بعد اشهر قليلة من التحاقي ب " اتحاد الشعب " , ملخصا للعرائض , ثم محررا عماليا , ثم مسؤولا للصفحة العمالية و عضوا في هيئة تحريرها حتى اغلاقها من قبل الحاكم العسكري العام ( ترجم : الشهيد الراحل عبد الكريم قاسم , اذ لا يعقل ان يقدم احمد صالح العبدي , على هذه الخطوة الخطيرة , بكل ما يمكن ان تسفر عنه من تبعات على العلاقة بين الطرفين , الحزب الشيوعي و عبد الكريم قاسم , بدون ايعاز من الحاكم بامره .
سيدفع الطرفان , الحزب الشيوعي و عبد الكريم قاسم , فيما بعد , ثمنا باهظا , دمويا , لهذا الصراع . لكن ليست هذه السطور مجالا للخوض في هذا الصراع الأليم , فقد كتبت ُ , و كتب غيري , الكثير عن هذا الموضوع , و سيظل مفتوحا للبحث و النقاش , حتى امد طويل .
لن اعتمد في هذه السطور اسلوب التوثيق و التسلسل الزمني , فانا قاصر عن امتلاك ناصية هذا الأسلوب , فضلا عن ميل لا استطيع مقاومته لأعتماد اسلوب القص . لقد حاولت ان اقدم عدنان البراك كما عرفته , صحفيا , شيوعيا و انسانا من خلال انشاطه السياسي و الصحفي , و علاقاته بالآخرين , و انا من بينهم , تاثره بهم و تأثيرهم فيه , في زمن محدد . و قد تكون فاتتني , بعد هذا الزمن الطويل . الدقة في تذكر التواريخ , و انا على ما انا عليه من بعد عن المصادر , فلعل من هو اصحى واعية مني و اقرب الى المصادر يصحح , مشكورا , لي . فليعذرني رفاقي في " طريق الشعب " , و ليعذرني القارئ .}
( أ . ح )
: - خزعل السعدي ! عبد الخالق البياتي ! حسين الهورماني ! ابراهيم الحكاك ! فيصل الحجاج ! ,,,"
كان الحارس القومي , حازم ناجي , يقرأ من قائمة طويلة في يده , تضمنت عشرات الأسماء , من الغرفة التي تكدسنا فيها , في الطابق الثاني من قصر النهاية , فيما كانت اسماء اخرى تتردد في اروقة و دهاليز و سراديب قصر النهاية : علي الوتار , ابراهيم ادهم و آخرين...
:- عدنان البراك ! جأر الصوت الكريه . نهض عدنان هادئ الخطو , تكسو وجهه مسحة من الحزن تخللته طيلة وجوده بيننا, رجل في اواسط العقد الرابع , ناحل على امتلاء ( كان بدأ يمتلئ منذ تزوج ) . غيبتهم بوابة الغرفة , الواحد بعد الآخر ..ثم لم نعد نراهم ابدا .
كان قد مضى على وجود عدنان في قصر النهاية اسبوعان او ثلاثة , دفعته يد خشنة , غليظة , الي صالة فسيحة في الطابق الثاني تكدس فيها العشرات , كنت من بينهم . صدف ان جاء مجلسه قبالتي تماما . جاست عيناه بين الجالسين و المتمددين . كان بينهم العشرات من الأسماء المعروفة , تطلع الي بعينين متسائلتين , و عنما اطرقت فهم , لم ينبس . لم اره فيما بعد يتحدث مع احد . ظلت شفتاه مزمومتين , مطبقتين , كانه كان يدرك اي مصير ينتظره , حتى غيبته البوابة ...
لعل عدنان و ابراهيم الحكاك و رفاقهما الآخرين , كانوا يخطون خطواتهم الأخيرة بينما كنت اتذكر اول لقاء لي ببعضهم و من بينهم عدنان .
كان ذلك اوائل صيف عم 959 . كان قد مضى على التحاقي بالجريدة ( كان مقرها في شارع الكفاح , في عكَد الكرد مطلع 959 ) سوى بضعة اشهر . في ذلك الوقت , اي وقت التحاقي بالجريدة لم يكن عدنان ضمن طاقم التحرير , كان ما يزال يعمل في الآذاعة العراقية , عندما كان الراحل سليم الفخري مديرا لها , كاتبا للتعليق اليومي . كان عزيز الحاج رئيسا او سكرتيرا لتحرير " اتحاد الشعب " , بينما كان الراحل زكي خيري مشرفا عليها ,
عندما انتقلت الجريدة و انتقلتُ معها الى شارع الشيخ عمر . التقيت عدنان سكرتيرا للتحرير و رحيم شريف رئيسا للتحرير , و ظل زكي خيري مشرفا , بطل علينا , في الأوقات الحرجة , رفاق من قيادة الحزب , ابو العيس , عامر عبد الله , بهاء الدين نوري و سلام عادل , بالطبع . كانت الجريدة قد دخلت مرحلة جديدة . يسودها التنظيم و تقسيم العمل , و بناء الأقسام صفا ( سافا ) اثر صف , اشك ان اي صحيفة اخرى كانت حققت , في ذلك الوقت , مثل هذه النقلة النوعية في مثل هذا الوقت القصير من الزمن , بل حتى وقت متأخر .
لم يكن لدي شك , و من مراقبتي لسير العمل , ان الشهيدين , رحيم و عدنان , كانا وراء تحقيق هذا الأنجاز الباهر , بل اني اكاد اذهب الى القول , ان عدنان اختص بالبناء - بمعونة الجهاز الحزبي بالطبع - و تقسيم العمل , و مراقبة تنفيذ البرامج التي كانت تقر في اجتماعات هيئة التحرير , فيما اختص رحيم شريف بمتابعة تنفيذ سياسة الحزب و مراجعة المواد الهامة . و قد بات هذا تقليدا متبعا في صحافة الحزب منذ ذلك الوقت .
لعل في توصيفي لتقسيم العمل بين عدنان و رحيم بعض التعسف . الا انهما كانا , من دون شك , ثنائيا رائعا , معلِّما , كان له الفضل الأكبر في تحويل الجريدة الى الصحيفة الأولى . استطاعا ان يقودا و يطوّرا فريقا منسحما , مبدعا , من المحررين و المصممين و الخطاطين – الفنانين .
تحولت قاعة هيئة التحرير . و كانت في ذات الوقت مكتبا للرفيق عدنان و الغرفة الملحقة بها , و كانت مكتبا للرفيق رحيم شريف , تحولتا الى مقر لقيادة الأركان , اكاد اقول بالمعنى الحرفي للكلمة .
لا انكر ان علاقتي بعدنان شابها , في البداية . احيانا , بعض الرهبة و التوتر . كانت ترهبني ( لم اجد تعبيرا آخر , فمعذرة ) , انا المحرر المبتدئ , صرامته , لعل ذلك يعود الى ارهاقه بالواجبات و المهام الحزبية و الصحفية . انتبه , ذات مرة , انه كان خشنا معي , لكنه سرعان ما عاد يعتذر . بينما كان رحيم يبدي مرونة اكبر وجهدا صبورا في تعليم و تربية الكوادر الناشئة , مثلي .
الا اننا , جميعا , لا حظنا , فيما بعد , ان عدنان اصبح اكثر مرونة , اكثر تبسطا . و لا عجب , كان قد تزوج...
و مع ان علاقتي بعدنان باتت اكثر حميمية . الا ان ذلك لم يمنعه من تفحص ما اكتب تفحصا دقيقا , ليس من قبيل الأعجاب , بل ربما , بالآساس , لأكتشاف ما يمكن ان اكون دسسته من" الغام " اشتهرت بها , وتّرت واحدة منها الزعيم . ( لعلي سأكتب عن ذلك يوما ...متى ؟ لا ادري ) و ما ان كان عدنان يكتشف " لغما " حتى ينفجر ضاحكا و يهتف , فرحا باكتشافه : " دساس " !
مرة , و كانت ستحل في اليوم التالي الذكرى الرابعة عشرة لتاسيس الأتحاد العالمي للنقابات , قصدني عدنان طالبا مني كتابة مادة حول الموضوع . لم اكن كتبت , حتى ذلك الوقت , مقالة في الجريدة , كنت , بالمعنى الحرفي للكلمة , اتهيب من ذلك . كان عملي يقتصر على تحرير المواد العمالية التي كانت ترد الى الجريدة ( عرائض , شكاوى , بيانات الخ... ) . اعتذرت , لكنه اصر . لم يكن ثمة بد . من يستطيع ان يرفض ؟ كتبت مقالة بعنوان " اربعة عشر عاما مجيدة " . سلمته لعدنان و هرولت خارجا .
"هالني ط ان اجد , في اليوم التالي , المقالة منشورة في صدر الصفحة العمالية للجريدة , "حياة العمال " , بقضّها و قضيضها ! من دون حذف كلمة واحدة .
من يومها , انفتحت شهيتي على الكتابة , و ما ازال ... لسوء حظكم و حظ القراء !
من غرفته . التي كانت غرفة اجتماعات هيئة التحرير كان يقود و يوجه نشاط الرفاق العاملين في الصحف التقدمية الأخرى , بل كان يوزع عليها بعض ما يفيض على الجريدة من مواد , اذكر اني كتبت مادة نقاشية مطولة ,من حلقات , بدأت فيها من بدء الخليقة ! ابتسم . لم يرد ان يحبطني , اقترح عليّ ان يجري ترحيلها الى " صوت الأحرار " . و هذا ما حصل .
كان له اسلوبه المميز الفريد في الكتابة . لم يكن ميالا للأسهاب و الأطالة ( كانت هذه طريقته في الحديث ايضا ) , و لعله كان الأسرع و الأكثر ايجازا و الأكثر دقة في كتابة افتتاحيات الجريدة , عندما يعهد اليه ذلك ,
اواخر آب من من عام 960 , صدر الأمر بأِغلاق صحيفة " اتحاد الشعب " . انهمك الطاقم ,عدنان و رحيم و بضعة محررين آخرين , مسؤولي بعض الصفحات خصوصا , كنت بينهم . انهمكنا في اصدار الصحيفة البديلة " صوت الشعب " ( او" كفاح الشعب " لا اتذكر بالضبط الا انهما صدرتا الواحدة بعد الأخرى . ) لم يكن في النية اصدار اي منهما بنفس حلّة و صفحات " اتحاد الشعب " . كانت قيادة الحزب تدرك , بحكم فهمها للتوجهات الراهنة , وقتها , في قمة السلطة , ان عمر كل منهما سيكون قصيرا .
كان العراق يخوض معركة المفاوضات مع شركات النفط . و كانت قيادة الحزب تجد من الواجب ابداء وجهة نظر الحزب فيما كان يتوجب على المفاوض العراقي ان يتمسك به خلال المفاوضات ( او ما كان يسمى وقتها " تصليب موقف المفاوض العراقي " ) حتى لو تطلب الأمر التضحية بما تبقى من صحافة الحزب العلنية . كانت قيادة الحزب تعير اهمية كبرى لما يمكن ان تتمخض عنه هذه المفاوضات , واثيرها اللاحق على مجمل الوضع السياسي في البلاد ( اثبتت التطورات اللاحقة صحة تقدير الحزب هذا ) . ويبدو ان هذا ضايق رأس الوفد المفاوض العراقي . لعله كان يعتبر ان المفاوضات هي من شانه وحده . و ان تدخلات الحزب تضيّق عليه هامش المناورة و تجعله يبدو امام المفاوض الآخر و كأنه " ينفذ " تعليمات الشيوعيين العراقيين .
لم تعش الصحيفتان اكثر من ايام معدودة . اغلقتا الواحدة بعد الأخرى
انتقلت قيادة الحزب الى محاولة الآستفادة من الصحافة الصديقة . حثّت صاحبي " الحضارة " (محمد حسن الصوري ) و" الآنسانية " لصاحبها الشاعر كاظم السماوي على اصدار صحيفتيهما .
كان عدنان البراك في قلب هذه المعركة المستعرة , اذ كان الرفيق رحيم انتقل الى النشاط السري , كما اعتقد . كلفني بالتعاون مع رأسي الصحيفتين في اصدارهما . و هما لم تعيشا طويلا . خلال ذلك كان عدنان يواصل الأستفادة من صحيفة " صوت الأحرار " و يضم اليها محررا او اثنين من محرري " اتحاد الشعب " و يبحث عن منفذ آخر .
كانت لديه صلات بالسيد / ربما الرفيق وقتها / المحامي (.... شكارة ) و هو من جملة شخصيات اخرى ( مدراء عامين و موظفين كبارا , اعتقد ان الحزب لم يزجها في اي من منظماته و اوكل امر الأتصال بها للرفيق عدنان ) كان االسيد/ الرفيق (,,, شكارة) قد استحصل ( لعله بتوجيه من الحزب ) على اجازة اصدار صحيفة باسم " السياسة " . و كان جاء الوقت للأستفادة منها .
صدرت " السياسة " و " دسّني " عدنان فيها و ربما محررين آخرين بينهم الراحل بديع عمر نظمي , اذا لم تخني الذاكرة . اشترط السسيد / الرفيق ...شكارة ان لا تكتسب الصحيفة طابعا حزبيا مفضوحا . و لقد "عانينا " , انا وبديع ,كثيرا في محاولة التعود على لغة اخرى , غير اللغة التي اعتدنا عليها في الصحافة الشيوعية .
خلال ذلك كان قد جرى ضمي الى هيئة المثقفين ( كان مسؤولها الشهيد محمد الجلبي ) ,كمسؤول لتنظيم الصحفيين . هناك التقيت , حزبيا , بعدنان و رفاق آخرين , كانو يقودون خطوطا ثقافية و مهنية عديدة ( ادباء و فنانين , اطباء , مهندسين و محامين ...)
ما يزال عالقا في ذهني نقاش احتدم في اجتماع للهيئة جرت فيه مناقشة وثيقة ايلول 959 الصادرة عن الأجتماع الموسع للّجنة المركزية للحزب ( سميت فيما بعد " وثيقة الجلد الذاتي " لما تضمنته من نقد قاسٍ لسياسة الحزب بعد ثورة 14 تموز) . قاد ألأجتماع الشهيد محمد حسين ابو العيس , اتفق اكثر الحضور على تخطئة سياسة الحزب , واعتبارها كانت يسارية في تلك الفترة , الا انا , ايّدني في ذلك الشهيد عدنان . رأيت ان سياسة الحزب كانت , في الآساس سياسة يمينية ! لأنها غفلت عن ادراك الطابع الطبقي للسلطة و رأسها , و راهنت عليه كثيرا في استراتيجيتها و تكيكاتها , و عندما تكشّفت لها , بالملموس , طبيعتها الطبقية . اتخذ رد فعل قيادة الحزب , طابعا يساريا . ابتسم ابو العيس . دهش من هذا الطرح المركب ,الغريب . و احتدم النقاش . نظر الي عدنان معتذرا وانسحب , بقيت وحدي , اصررت على تدوين رايي في محضر الأجتماع .
جرى سحبي بعد فترة قصيرة الى مجال نشاط آخر , عمالي . ثم نقلت الى الموصل حيث قضيت هناك عاما جرى بعده ( ايلول عام 962 ) اعادتي الى بغداد للأِلتحاق بالمركز الحزبي العمالي , قيد الأِنشاء , الملحق بسكرتارية اللجنة المركزية , محررا في صحيفة " وحدة العمال "السرية المزمع اصدارها .
لم يكن المركز قد بدأ احتماعاته و نشاطه , ما اتاح لي وقت فراغ استفدت منه لأعادة اتصالي بالوسط الصحفي . علمت اان الرفاق عدنان وبديع و مجيد االراضي , و ربما آخرين , لا تحضرني اسماؤهم , يصدرون بالتعاون مع صاحبة امتياز اصدار المجلة , السيدة نعيمة الوكيل . مجلة 14 تموز .
كان الرفيق عدنان , كالعادة , دينمو المجلة , هذا اضافة الى نشاطه و "عصبة الآربعة " في رفد صحيفة "المبدا " التي كان صاحبها , الراحل داود الصائغ و سلمها الى الحزب , بالمقالات و التعليقات .
كان عبد الكريم قاسم قد تخلى عن داود و حزبه " الشيوعي بشكله العلني " بعد ان استنفذ الغرض من " استخدامه " لحرمان الحزب من اجازته علنا . ارتأت قيادة الحزب ضرورة الحفاظ على القطعة المثبتة فوق باب الحزب ( بشكله العلني ! ) , لعله يأتي اليوم الذي يحتل فيه الحزب الشرعي المقر و وجريدته , و تولى الحزب السري اعالة الحزب " العلني " ! بما في ذلك دفع الرواتب الشهرية لمن تبقى من العاملين فضلا عن رئيس الحزب ! ( كان اكثرهم من الرفاق الموكل لهم العمل مع داود )
هنا ايضا كان عدنان في القلب من هذه العملية المعقدة اضافة الى مهامه الحزبية الأخرى .
لم يكن العمل في المجلة يخلو من المرح و مداعبة عدنان حد " الغمز المبطن " .
كان عدنان , و قد بات اكثر مرونة و تبسطا , يتلقى هذه التلميحات باستنكارمصطنع . كان ,بالكاد , يكتم ضحكة كانت على وشك الأنفلات ...
ثم انقلاب 8 شباط الدموي , ثم عدنان قبالتي في الصالة المتكدسة باللحم المعد للنحر بعد ان اهلك تعذيبا , ثم الصرخة المتحشرجة
: - عدنان البراك ! " , فينهض متجها الى البوابة التي غيبته و آخرين ...
بعد عدة ايام , و كنا قلقنا على مصير" المنقولين " اذ جرى استدعاؤهم مساءً , ساسأل حازم ناجي , و كان نشأ بيني و بينه نوع من العلاقة التي تنشأ احيانا بين الضحية و الجلاد , عن مصير" المنقولين " اجاب بالحرف : نقلناهم الى مكان احسن " استطرد في وصف المكان حتى بدا لي و كأنه فندق 5 نجوم ! ختم بالقول :ستلحقونهم وجبة بعد وجبة !
كانت مضت بضعة اسابيع منذ عملية " النقل" المشؤومة . نادى علي حازم . كان الوقت منتصف النهار . طلب مني ان اتهيأ للأنتقال الى معتقل آخر , ( مقر الحرس القومي للقطاع العمالي الذي كنت محسوبا عليه ) . في الطريق الى سيارة الجيب التي سيقودها جازم لنقلي فاجأني بالقول : ينبغي ان تذح ذبيحة " سألته : لماذا ؟ رد : هل تتذكر ربعك الذين نقلناهم و سألتني عنهم ؟ " توقف قليلا ليضيف مبتسما : لقد دفناهم احياءً . كان مقررا ان تكون بينهم " .صعقت . لم اسال , لهول الصدمة , لماذا جرى استثنائي , ( لا اعرف , حتى الآن , لماذا تم ذلك ) اضاف حازم مخففا علي هول الصدمة : لاتخف ! كنت قررت ان اضع رصاصة الرحمة في جبينك ( كانت المرة الأولى التي اسمع فيها هذا التعبير ) و اضاف : حتى لا تتعذب " .
هذا اذن نوع "الرحمة" الذي يوفره الجلاد للضحية الأثير لديه . لعله كان يتوجب علي ان اشكره ل " رحمته " ! لكنه فاتني ذلك .( ساستخدم , فيما بعد , بتصرف , هذا المشهد التراجو- كوميدي في رواية "الأغتيال " )
منذ ذلك الوقت و انا لا اكف عن التساؤل : بماذا كان يفكر عدنان و ابراهيم و الأخرين و هم ينحدرون , دفعا باخمص الرشاشات او بفوهتها ( لا فرق ) الى حفرتهم الجاهزة ؟ هي تنهال عليهم اكوام التراب فتتخلل عيونهم و خياشيمهم , تطوقهم و تشل حركتهم .بماذا ؟
افاجئ نفسي و بين الآن و الان , ربما كنوع من العقاب الذاتي ,و انا اتمثل تلك اللحظة ( التي فاتتني ! ) و اكاد اصرخ مختنقا :
لماذا قدر لي ان اعيش كل هذا ؟ ان اموت كل هذا ؟ الِأكون شاهدا على نفسي و على غيري ؟]
عدنان ! ايها الفتى الجميل ! ايها الفارس النبيل :
كم , في زمن تسلق التفاهات و القذارات , كم افتقدك , كم نفتقدك !
لكنك تظل , انت و الشهيد رحيم شريف و كل من عمل في صحافة الحزب , استشهد او رحل , و ظل امينا للكلمة الصادقة , النيرة , الخيرة . الحارة , الطالعة , مثل رغيف الخبز , من تنور الكادحين , يقدحه الفكر المتفتح النيّر . تظل و يظلون احياء تنهضون , فجر كل يوم , مع اصدار كل صحيفة شيوعية , سرية كانت ام علنية .














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا