الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية - غير ممكن...- للكاتب المغربي أحمد حيزون

خديجة يكن

2015 / 7 / 27
الادب والفن


الأستاذ أحمد حيزون، كاتب مغربي باللغة الفرنسية، أستاذ متقاعد، يعيش بمدينة فاس المحاطة بجبال الأطلس المتوسط وبمناخ مفعم بموجات عريقة تنثر ذراتها فى الأرواح، فتحيلها إلى ينابيع الحكمة والتأمل الوجودي، وهي أهم زخائرهذه الرواية القصيرة والعميقة للكاتب أحمد حيزون. "غير ممكن"الرواية الممتدة على 108 صفحة، رواية باللغة الفرنسية والتي تدهشنا في أول فقراتها لقوة الكلمات بلغة موليير، نكتشف كاتبا عميقا لدرجة الفلسفة، وقوة التأمل طاغية وكأننا في زاوية أو صومعة لفن اليوغا، كيف لا والكاتب يمتح من قوة الروح الأمازيغية التي تسكنه بقيمها الفكرية والنفسية المعتمدة أساسا على التأمل الصوفي الذي يظهر في الرواية كخلاص للبطل من كل ما يتخبط فيه من ضياع وجودي، كما يظهر أيضا كخلاص تجاه الطرق العديدة للوعي بالدين كمجال حيوي لكنه أشبه بسيف أعمى أحيانا.
إنها قصة رجل مغربي وامرأة مغربية في حياتهما العاطفية المتحمسة، المليئة بالوعود والأحلام، مليئة أيضا بالمتناقضات والكر والفر وكأنهما في حرب لا تتوقف، وفي الحقيقة، تلك الحرب بينهما ليست محتمة ولكن كلاهما تبتعد به ظروف حياته المادية، والثقافية والمعتقدات العائلية التي نشآ فيهما، وتؤطران عقليتهما وبالتالي تجعلهما غريبين أحيانا عن بعضهما، قصة أذهلتني ليس فقط لدقة التصويرلنفسيتهما، لعزلتهما وتقاربهما، لشكوكهما في بعضهما، لحطام لم يفهمانه يجول بينهما، لأسئلة لم يطرحاها وحينما يطرحانها يحتاجان لتفكير متأمل في قصة وجودهما بالنسبة للدين، وبالنسبة للمجتمع، وبالنسبة لدرجة استيعابهما لسرعة التغيرات في عالمهما، وبالنسبة وهذا الأهم في الرواية لموقع كل أحد منهما بالنسبة للآخر، تصور الرواية كيف تنجح كل تلك العوامل المختلفة في نسج علاقة متضاربة بين الكائنين، فيجعل المرأة في عالم والرجل في عالم آخر، يلتقيان أحيانا ثم يفترقان بنفس السرعة الغامضة وكأنهما لا يملكان قدرهما ولا يملكان أي سلطة على حياتهما، كما لو كانا على ظهر موجة تأخذهما حيث شاءت، وتلك الموجة هي مجتمعهما الذي تذخل بكل ثقله في صياغة حياتهما وعلاقاتهما. لا يسع قارئ الرواية إلا أن يشعر بتعاطف لبطل القصة لأنه ليس منافقا مع حبيبته ولا مع أحلامه، ولكنه ممزق بين تجاذبات ذاخلية وأخرى خارجية ثم يقف أحيانا محاولا فهم المرأة التي رغم كل حكمته وتجاربه يجد نفسه حائرا في كثير من المواقف، لكنه مع كل تلك التمزقات النفسية يجد نفسه في آخر القصة وقد تخلص من كثير من الضياع، ضياع روح الرجل أمام ضبابية صورة المرأة العصرية، ضباب المجتمع وما يراه من صور النفاق المختلفة والخيانة من الجميع، إن توازنه الوجودي يختل وهو يرى نفسه ملغيا من المرأة التي يحبها، في نظرها هو فقير لن يمنحها الحياة التي تريدها، ورغم أن المتعة لا يصعب طريق إيجادها ومع هذا فقد شعر بتعب من كل تلك الحياة التي باتت متعبة وخالية إلا من الخواء، في غمرة كل ذاك الضياع وفي نهاية الرواية وهو ينزوي بنفسه بعيدا في الطبيعة بحثا عن ملاذ آمن, إذا به يجد نفسه في موقف غريب، إنه ينقذ فتاة من الإغتصاب، فيندهش لما بدت عليه نفسه، وسيل المونولوغ في تلك اللحظات وكأنه يكتشف نفسه بكثير من الدهشة, ينظر إلى ذواخل نفسه وهو أمام النبل الذي يتحلى به رجل أمام فرص كثيرة قد تتاح أمامه لخسارة روحه، تلك الروح التي خسرها المتربص بالفتاة، تلك الروح التي كاد أن يخسرها هو أيضا ليس لأنه مغتصب كوحش من الوحوش، ولكنه في كثير من صفحات يومياته كان يشعر بأنه فقد ذاك الإحساس الجميل والمقدس بينه وبين المرأة حتى فقد كل جمال ورونق العلاقة بينهما، فكان إنقاذه تلك الفتاة الصغيرة هو إعادة لاكتشاف نفسه التي نسيها تحت وابل من الظروف الجارفة كإعصار لا يترك مكانا للوقوف والتأمل في ذواتنا، تلك اللحظة الفارقة وهو ينقذ الفتاة، كان ذاك القرار بأن يصبح رجلا وألا يفقد صفاته النبيلة في عالم مضطرب، كانت تلك اللحظة دون أن يعيها في البداية، دون أن يظن بأنها لحظة أبدية ستطبع حياته، تلك اللحظة والقرارالذي أعطى لحياته معنى، إنه الشئ الذي أنقذه من نفسه اللوامة، هو الشئ الذي جعل الشمس تسطع برفق ولأول مرة حقيقية في وجوده الإنساني، وتمنحه ذاك الإحساس الهائل بالرضى الذي طالما بحث عنه دون جدوى، وهاهو يجده في لحظة لم يظنها بهذا العمق وبهذا الأثر وبهذه القوة الدافعة إلى الحسم بين كل معاناته الماضية، هل هي مصالحة مع ذاته كرجل؟ أم هي مصالحة مع المرأة؟ أم كلاهما؟.
إن هذا الكتاب ليس فقط قصة بين إثنين بقدر ما هي قصة تناقش حيثياثا مختلفة وعقلياتا شتى بعيون ذكورية، وهذا هو ما يميز هذا الكتاب عن غيره، ففي حين نرى العديد من الكتاب يناقشون ويحللون المجتمع من خلال المرأة وغالبا ما يحملونها مشاكلهم وانحرافاتهم، نجد الروائي المغربي أحمد حيزون يناقش المجتمع وعلاقته الأساسية بين الجنسين من خلال الحياة اليومية والتأملية لرجل عادي من طبقة أقرب إلى الفقرو من خلال تجاربه الفاشلة مع النساء، إنه مدار الرواية ويجعله الكاتب طرفا رئيسيا في أي صراع تتعرض له المرأة، في أي تدهور لعلاقتهما، مبرئا إياه من أي تبريرات دينية أو إرث شعبي قد يبرر بها تصرفاته غير المسؤولة. فهو المسؤول عن أي ضبابية قد تتعثر بها قراراته تجاه المرأة وتجاه نفسه، تماما كما كان المسؤول أيضا حينما قرر أن يتصرف بشهامة جعلت نفسه تصفو هذه المرة ليس لأنه يفكر في ما يراه المجتمع صالحا أم لا، وليس لأنه ينطلق من خلفيات ثقافية خاطئة أم صائبة، أو مصلحة مادية أو متعة جنسية عابرة أو غيرها، بل لأنه خلص إلى أن هذا الفراغ العاطفي القاتل، وهذا الضياع في علاقات طائشة لن يكون له أي أثر إيجابي في نفسه على المدى القريب أو البعيد، لقد تغيرت نظرته إلى المرأة وكف عن النظر إليها كقطعة لحم شهية ملازمة لحياته بأي ثمن، أو كمخلوق جاء ليعقد حياته، لقد كف عن التفكير في الجنس الآخر وكأنه قدر حياته الغامض. وخلص إلى أهمية النظر إلى ذاخله هو، إلى حكمته العميقة، إلى روحه الرجولية الإنسانية، فلا هو وحش متربص بالمرأة ولا هو أداة جنسية بعاطفة أو بدونها، إنه إنسان بماتحمله هذه الكلمة من معنى.
أما من ناحية اللغة فهي تغلب موليير في عقر داره، أما الأسلوب فهو قوي ودقيق، مفعم بحرارة الكلمات وكأننا نحس بكل ذرات الهواء عبر دروب القصة، وبكل خلايا الذهن وأنفاس الروح لشخوصها، قد نقول الكثير عن قصة الكاتب أحمد حيزون ولكن تبقى متعة النص في كلماتها المستقاة بعناية أدبية خالصة واعية بظروف أبطالها وبأدق مشاعرهم المختلفة، إنه كتاب ينتظر قراأت متأنية لمرات دون أن نمل أي سطر منه، ويستحق أن تسال مداد النقاد في قراأت تحليلية له.
إنها الحياة البسيطة لكثير من الرجال والنساء، حياة تمر سريعة حتى لا نشعر بها وهي تمربدون أن يلحظها أحد من شدة انشغالاتنا بمشاكلنا المعقدة والمفتعلة، يأتي الكاتب أحمد حيزون ليلتقط بساطتها ويعيد تصويرها بعدسته المنتبهة بتأن لما يدور حوله من وجود وحياة، شئ لا ينتبه إليه سوى كاتب رقيق مفعم بالحكمة والتأمل.
هذه الرواية هي دعوة إلى إعادة صياغة حياتنا وفق منظور ذواتنا العميقة التي حين نكتشفها نكتشف حينئذ كم هي أشياء عديدة تحجبنا عن الإنصات إلى أنفسنا، إنها دعوة إلى فن التأمل وإيجاد وقت لنا، مع هذه الرواية نكتشف بجلاء كم نحن نساء ورجالا ضائعين في أحكام لاتنتهي تجاه بعضنا البعض، وكم نحن ضعيفي القوى أمام سيطرة تقاليد المجتمع المتضاربة مع مكتسبات فكرية وعاطفية جديدة، هذه الرواية تفتح أعيننا على كل ذلك لعلنا نرى من خلالها أنفسنا جيدا. إنها رواية تعج بتلاوين أعماقنا، وبضجيج واقعنا اليومي، إنها رواية ممتلئة بالحياة التي نعيشها كل يوم، وكم من رجل وكم من امرأة سيجدان نفسيهما في ملامح شخوص الرواية، إن تلك البساطة هي ما يشكل قوة الحضور الأدبي المتخم بجراحات كثيرة، تشبه أو هي نفسها جراحاتنا، ويعالجها الكاتب أحمد حيزون بهدوء مذهل كما لو كان حكيما يحنو على كل هؤلاء الأبطال الضائعين، بدون أن يحكم عليهم كقاضي التحقيق، بدون أن يوجههم كمربي أو مرشد روحي، إنه بكل بساطة يتقبلهم كما هم، وينتظر بتأن إلى أن ينظروا في أنفسهم، في ذاخلهم حيث سيجدون طريقهم في الحياة٠-;- إننا بقراءتنا للرواية نكتشف قوة مغلفة ببساطة صامتة، إنها رواية مخيفة في صمتها الصاخب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس