الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بعد رفع اسعار الكهرباء والماء؟

حسن بشير محمد نور

2015 / 7 / 27
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أ.د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
ماذا بعد رفع اسعار الماء والكهرباء؟
بعد ان جف ضرع بقرة المشتقات البترولية بسبب الزيادات المتلاحقة في اسعارها بدعوي التحرير ورفع الدعم، وبعد ان اتضحت فداحة الاثار الاقتصادية لتلك الاجراءات علي النشاط الاقتصادي، الذي اصيب بحالة مزمنة من التضخم الركودي وارتفاع تكاليف الانتاج، بشكل اقعد الاستثمار وعطل عجلة الانتاج فهرب المستثمرين الي مستقر لهم خارج البلاد، الي ان امتلأت الاسواق الاثيوبية بالمستثمرين السودانيين الذين يبحثون عن فرص لتوطين اعمالهم هناك، والي ان كف المنتجين عن الانتاج ووصول سعر الطماطم الي ستين جنيها. بعد كل ذلك وجدت الحكومة التي تدعو كل يوم لزيادة "الانتاج والانتاجية"، لجأت الي حل تعتقد انه المنقذ لازمة ايراداتها وكان ذلك الحل هو اللجوء الي رفع اسعار خدمات الكهرباء والماء. لنضع نقطة هنا من قبيل التحليل والتوقعات الاقتصادية لنقول اذا اعتقدت الحكومة ان في مثل هذا الاجراء طوق نجاة لازمتها الاقتصادية فانها علي خطأ كبير. ان هذا مجرد قشة لغريق وسط لجة من الموج المتلاطم، وما ستقوم به يعتبر خيار من لا خيار له وستكون نتائجه اسوأ من الخيارات السيئة التي سبقته ووصلت بالوضع الاقتصادي الي ما هو عليه اليوم. اذا كان هناك من يري ان هذا الوضع جيد وان فيه ما يثير الاعجاب فهنيئا له بالجنة التي يعيش فيها، لكن هذا دون جدال ليس رأي الاغلبية المطلقة من الشعب السوداني التي تعاني من شظف العيش.
يعرف المتابعون لشأن الوضع الاقتصادي في السودان ان "حتي" صندوق النقد الدولي قد اقتنع بفداحة الاثار الناجمة عن السياسات التي سميت "برفع الدعم" و"الاصلاح الاقتصادي"، خاصة الاثار الاجتماعية الي ان اشار في تقرير له العام الماضي الي ان الحكومة السودانية قد "اقتنعت برأي الخبراء" فيما يتعلق بسياسات رفع الدعم عن المواد البترولية، لما تسببه من اثار اقتصادية خطيرة. بالفعل فقد ادت تلك السياسات وعدم الاستماع الي رأي الخبراء حولها ، ادت الي النتائج التي يعاني منها الاقتصاد السوداني اليوم في الاستثمار، الانتاح والانتاجية وفي تدهور مستويات المعيشة جراء موجات التضخم المتصاعدة الي ان وصل الحال وضع يصعب توصيفه، كما يحتاج ايجاد صيغة للخروج منه الي خيال جامح لا يتوفر حتي لبطل النكات المتداولة علي الواتس اب ومواقع التواصل الاجتماعي.
اضافة لما تقدم فان انخفاض اسعار البترول الي مستويات متدنية في الاسواق العالمية والتوقعات باستمرارها في الهبوط، مع وفرة المعروض ، لم تعط مجالا كبيرا للمناورة حول دعم اسعاره، بل علي العكس فان منطق السوق الذي يعمل بآلية العرض والطلب يرجح فرضية انخفاض الاسعار، اذ ان ذلك الانخفاض سيؤدي في بلد يبحث عن تحقيق شعار رفع "الانتاج والانتاجية" سيؤدي الي تحفيز النشاط الاقتصادي، من ناحية تخفيض تكاليف الانتاج ، خاصة في القطاع الزراعي، الضحية الكبري لاحجام الاستثمار وجفاف مصادر التمويل مع موسم زراعي ضاغط. امر اذا تم كان من الممكن ان يحدث انفراجة (في حالة نجاح الموسم الزراعي خاصة في القطاع المطري التقليدي)، في اسعار المنتجات الزراعية مما يخفف من عبء المعيشة الثقيل الذي يعاني منه المواطن البسيط، الذي اصبح يشتهي وجبة من الطماطم وان يتذوق قطعة موز.
بما ان الحال كما هو عليه اليوم فيما يتعلق باسعار مشتقات البترول فان الحكومة قد وجدت ضالتها في سعيها لاستدرار ايرادات وضمان تدفقها الي الخزينة العامة، وجدتها في رفع اسعار خدمات الكهرباء والماء ، بحكم انها خدمات لا يمكن لسكان المدن الاستغناء عنها الا في حالة الوفاة.
من المؤكد والذي لا شك فيه ان ارتفاع اسعار الكهرباء والماء لن يؤثر علي ميزانية المواطن السوداني اي كان وضعه فحسب، بل سيؤدي حتما وبشكل فوري الي زيادة تكاليف الانتاج وسيدفع بالاسعار الي مزيد من الصعود الجنوني وبذلك فسيدفع المواطن ثمنا باهظا لذلك الاجراء يتمثل في اقتطاع المزيد من قوته الزهيد ، اذ ان تلك الخدمات تدخل في صميم تكاليف الانتاج ومن ثم فان ارتفاع اسعارها سيؤثر علي اسعار جميع السلع والخدمات وبشكل لا يقل اثرا عن ما حدث عند زيادة اسعار الوقود. سيؤدي ذلك حتما الي مزيد من الضغوط علي من تبقي من منتجين ، خاصة اولئك الذين يقعون خارج دائرة الاعمال المرتبطة مباشرة او بشكل غير مباشر بالحكومة وشركائها. في النتيجة فان تكاليف الانتاج سترتفع مما يدفع مزيد من المستثمرين الوطنيين ، او من تبقي منهم الي الي خروج باموالهم الي ملاذات آمنة، مما يلحق مزيد من الضرر بمناخ الاستثمار ويزيد من حدة الركود الاقتصادي ويصيب المواطن بمزيد من الوهن الاستهلاكي وسيتم احكام تلك الحلقة المفرقة من الفقر. حتي استهلاك الماء والكهرباء نفسه سينخفض مع ارتفاع الاسعار وسيلجأ الناس الي خيارات غير محسوبة حتي البدائي منها وسيقفل الاذان تماما امام رنين ذلك الهتاف الذي صاحب افتتاح سد مروي الذي افاد بان الرد علي المقاطعة الاقتصادية وحالة ضنك العيش التي يعاني منها الناس سيكون عبر ذلك السد الذي تمثلت وظيفته الاساسية (المفترضة) في توليد الكهرباء، بما لديها من اثر ايجابي علي حياة الناس.
في جميع الاحوال فان الازمة القومية الشاملة التي تعيشها البلاد مرشحة للوصول لوضع اخطر مما هي عليه . اما اهم مظاهر الازمة المتمثلة في الازمة الاقتصادية والضائقة المعيشية الخانقة التي تلتف حول عنق المواطن السوداني كحبل غليظ مجدول باحكام ، فانها ستزداد احكاما يوما بعد يوم شادة المواطن الي اعلي الي ان يصبح معلقا بالحياة باطراف اصابعه وهو ينازع النفس الاخير.
ان اوضح ما يدل عليه الاجراء الخاص برفع اسعار خدمات الماء والكهرباء هو انعدام البدائل بشكل نهائي امام الحكومة من جهة أيجاد مخرج من الازمة وبالتالي لم يعد امامها غير خيارات صفرية مجربة ستقود الي طريق الانهيار التام وفوضي عارمة لا يتوقع الا ان تتسبب في اثمان باهظة تمتد تداعياتها الي اجيال واجيال. يدفع ذلك المواطن الي اليأس والشباب العاطل الي التعلق بحلم الهجرة علي جناح طائر او قاع مركب باعتبار ذلك الحلم هو المخرج الوحيد من يأسه، اذ يستوي عند اليائس الموت والحياة.
عموما بعد اسعار الماء والكهرباء قد تبحث الحكومة عن شئ تنقذ به ايراداتها ولن تجد شيئا، لا ارض تباع ولا سلعة او خدمة تحتمل رفع اسعارها ويبقي امامها خيار واحد هو فرض ضرائب علي رؤوس الاشخاص اي ما كان يعرف قديما ب(الدقنية).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟