الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انا سارق كتب فاحذروني

زياد خداش

2005 / 10 / 13
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



اصطادتني الكتب برائحتها أولا، كانت مكتبة أبي ضخمة جداً، تفوح منها رائحة حريفة، كنت طفلاً، لا يعرف من العالم سوى الركض كنت اتنفس الركض واكله وانام فيه او به ، كانوا سمونني في المدرسة الطفل الراكض ، في مساء ما، كنت وحدي في البيت ، الرائحة الغريبة البهيجة الغامضة مدت خيوطها تجاه روحي، واحتكرت شغفي، سرقت طفولتي، رايت نفسي اتسلق رفوف الكتب، فغمت الرائحة كياني كله، اربكت تاريخ احاسيسي باللذة الحسية، اتذكر أني ظللت واقفاً على السلم مغمضاً عيني، مستنشقاً رائحة الكتب والمجلات القديمة، انتقلت الى زمن اخر، لا اعرفه، كان الاحساس اشبه بنزهة برية الى خلاء عجيب، مليئ بالنمور التائبة، والشجر الكثير ، لا اتذكر الوقت الذي استغرقه وقوفي على السلم، لكني اتذكر أن صيحة أبي هزتني من غيبوبتي، وايقظت وعيي، فيما بعد وبعد مرحلة الشم، تعرفت على ملمس الكتب، والمجلدات، كنت اضم الكتاب الى صدري واشمه ملء طفولتي المصدومة ، كان ابي يراقبني بفرح صامت، سمعته مرة يقول لامي همساً :.علاقته الغريبة مع الكتب تعجبني جداً، لم افهم حينها مغزى كلام أبي حين ضبطت نفسي مرة أنام بجانب المكتبة ، اتخذ فرح أبي شكل قبلات خاصة وحميمة يتركها أبي على خدي رطبة وقوية، بعد سنوات قليلة، وجدت نفسي احاول أن اقرا في الكتب التاريخية والادبية ، بحثاً على لذة الايقاع والموسيقى، صوت الحرف كان له رنين يسكرني ، بدات علاقتي مع الكتب تنحو منحى اخر، اقرب الى مضامينها، ومحمولاتها، صار أبي يقرأ لي القصص والحكايات، ويلون كل معنى بصوت خاص، ذات ليل اسري ناعم هادئ سمعت امي تقول لأبي: علاقته بزملائه وأصدقائه أصبحت ضعيفة ، انه يمضي وقته يشم الكتب ويتحسسها، انا خائف عليه ، حين رد عليها ابي بالصمت، احسست بخوف ، لكن لذائذ الصوت والرائحة والملمس، كانت بمثابة بوابات جنة عجيبة، بدأت اقرأ،وأفهم، بدات اعرف ان الكتب ليست رائحة وصوت وملمس فاخر فقط، هي كنز معرفي وحيوات كثيرة وتاريخ، بشر ومصائر شعوب، وفنون ايضاً، وهكذا اخذتني الكتب الى حقيقتي، وقيعاني ،واشعاعي الداخلي، واسرار الوجود، اصبحت الكتب صديقتي التي لا تخون ولا تخذل ولا تتجسس على اخباري وتنقلها لاعدائي ، انها الكتب التي ترمم ما خرب من روحي ، تقلم شجر وجداني الوحشي ، تهذب من فظاظتي في استدعاء حواسي حين يلتهب الجسد بنار امراة القت تجاه ادغالي ببحيرتها الضاجة بالبط والظباء والمشمش والشوكلاتة . انها الكتب التي تؤكد انسانيتي وحقي في استخدام الحياة لاعرف اكثر وامارس الحيرة المنتجة وفن السؤال اللذيذ ،
، انام مع الكتب كل ليلة، امارس معها الحب ، تعطيني حليب المعرفة بسخاء شديد واعطيها، عرق الذهن بحب كبير، من غير الكتب أنا مجرد انسان يشبه ماكينة بلهاء يأكل ويشرب ويمشي وينام، بالكتب انا انسان، يفكر ويحب وينتمي ويضحي ويستمع ويكتشف ويكشف ويتغير . ذهبت سنوات الطفولة، غابت براءة الطفل داخلي، صفعتني هواجس الرجولة الخبيثة والمصالح، أنا الان في الاربعين من تيهي وشقائي، انام تحت رموش الكتب ، تختبئ عيوني في ظلمات الاساطير، ابو الفرج الاصفهاني يزورني كل ليلة متأبطا ذراع ماركيز ، اما كازنتزاكي فيشرب في حانة ذهني نبيذه العتيق مع طاغور ، محمود درويش يرفرف في فضاء قلبي و فجري ، ويرقص ادونيس في مرقص عقلي بلا توقف في مساءات المطر الضجرة والليل الطويل . حين تتركني حبيبتي لايام اهرب الى كتاب ، حين تسامحني صديقتي اهرع فرحا الى كتاب ، حين اسافر التحف كتابا ، حين اخاف الوذ بكتاب ، حين امرض اتحامل على وجعي واتخيل الكتاب غرفة في مشفى او ممرضة بيضاء بيضاءءء فاتنة تضع يدها على كتفي وتبتسم ، حين يغضب مني الاصدقاء اهديهم كتبا فيرضون عني ، حين يتزوج صديقي لا اقدم له نقودا كما العادة بل اهديه كتابا ، اسرق الكتب من مكتبات اصدقائي ولا اعتبر ذلك خللا في اخلاقي او مرضا بل منتهى الصحة والروعة والقوة وخفة الروح ، وحين يعيرني صديق كتابا تحت الحاحي وتوسلي اكتب عليه اسمي فورا واهدية لي ، حين يطالب به الصديق اكذب عليه واقول : اخذه الجنود الاسرائليون معهم مع مجموعة كتب اثناء اقتحامهم لبيتي في المخيم فيخرس صديقي ويطأطيء راسه ، هاهاهاها ، في معرض فلسطين الدولي الاخير للكتاب لم اكن املك ذلك الشهر الا مثة شيكل حتى اخر الشهر وكنا في بدايته ، لم استطع مقاومة اغراء الكتب الجديدة التي طالما سمعت عنها ، حاولت ان اسرق قلم افلح فقد كانت الرقابة شديدة ، حزنت وغادرت المرض ولم اعد . لو حدث وان سرق مني كتاب احبه اجن تماما وقد امرض وارتكب افعال غريبة كأن اخرمش وجه السارق او اسرق منه قلما ثمينا ،و اطلب منه اعادة كتابي مقابل القلم ، ، اعتقد ان سارق الكتب لن يدخل النار فهو انسان بسيط و فقير يريد فقط ان يمتع ذهنه ، ويوسع من دوائر ذهنه وروحه ، اعتقد ان الله الجميل يضحك ملء جبروته وغفرانه وعذوبته و قلبه حين يراقب سارق الكتب وهو يسرق واعتقد انه يستدعي الملائكة ويقول لهم ضاحكا : الكتب تشبه المرأة تماما لكن هناك فرقا صغيرا هو ان المراة لا تحتمل ان يشاركها في حب صديقها احد بينما الكتب تتحمل ذلك ، قراءة الكتب التي نحبها هي نفسها ممارسة الجنس مع المحبوبة ، لكن الذهن والقلب يحلان محل الجسد في الثانية ، والنشوة في الاولى هي نشوة القلب و الذهن وقد نعبر عنها بصيحة او بارتجاف او بتنفس للصعداء او بشهيق طويل ، اما الثانية فهي صيحة جسد ممتعة وصاعقة و مغرقة في ظلاميتها و بدائيتها ، كلتاهما هما التجسيد الاروع و الاصفى والاعظم والادق لهذه الفاتنة المجنونة التي تدعى حياة .

[email protected]











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد