الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي انكماش اقتصادي يعرفه المغرب ؟

أحمد زوبدي

2015 / 7 / 28
العولمة وتطورات العالم المعاصر




لتبرير الزيادة في الأسعار صرح وزير الشؤون العامة والحكامة محمد الوفا في البرلمان في جوان المنصرم أن هذه الإجراءات تتوخى تفادي الانكماش الاقتصادي .هذه مغالطة بامتياز كما سنرى في هذا الاستفهام.
المركز المغربي للظرفية (راجع النشرية الشهرية للمركز- نونبر 2014) من جهته تحدث عن شبح الانكماش على ضوء ما يجري في الدول الغربية على أساس انخفاض أسعار المواد الغذائية أو المتعلقة بالاستهلاك . مقاربة المركز المذكور لا تروم الصواب إذا علمنا أن الانكماش وكما تتداول ذلك منظومة السوق هو انخفاض وبشكل متواصل (لفترة لا تقل على الأقل عن ستة أشهر) لكل الأسعار دون استثناء(وهو عكس التضخم) . عكس ذلك فالوضع الاقتصادي يتسم بالتضخم كما سنرى من خلال قراءة ذكية للأوضاع التي تعرف ارتفاعا مهولا للأسعار وغلاء للمعيشة التي تنهك كاهل الطبقات الشعبية دون استثناء ما يسمى الطبقة المتوسطة . أكثر من ذلك، فالمركز إياه تحدث من ناحية أخرى عن تقلص أو تشنج الحركة الاقتصادية لكن ليس بسبب الانكماش كما يزعم أصحابه إن كان هناك انكماش يذكر لكن بسبب مشاكل الفساد والتبعية للدول الامبريالية وهذا الذي لم يتجرأ اقتصاديو المركز المذكور على الجهر به. أكثر من ذلك فارتفاع الأسعار تفاقم خصوصا بعد الرفع من المحروقات مرتين في أقل من سنة (2013) تحت ضغط صندوق النقد الدولي الذي فرض على حكومة بنكيران نهج سياسة تقشفية – كما تملي ذلك سياسة حقيقة الأثمان والمقايسة - في مواجهة العجز الموازناتي، وهو ما دفعها إلى تجميد الأجور الذي أثر سلبا على القوة الشرائية . أشير أن انخفاض سعر المحروقات مؤخرا لا قيمة له لأن السوق العالمية هي التي تتحكم فيه وليست الحكومة التي لا تتوفر على سياسة عمومية مستقلة بل تبقى أسيرة تقلبات الأسعار العالمية. الواقع في المغرب يقول أن الأسعار لا تتوقف عن الارتفاع سواء تعلق الأمر بمواد الاستهلاك كالماء و الكهرباء اللذين تم الرفع من سعرهما بتلك الطريقة الإجرامية - التي تنضاف إلى الجرائم المالية المرئية وغير المرئية- ولن يحرك مع الأسف الشارع ساكنا بصرف النظر عن بعض الإشارات الطفيفة التي انطفأت بغتة . نفس الإيقاع تعرفه مواد أخرى كالنقل والسكن دون الحديث عن المواد الغذائية . من جهة أخرى إن كان انخفاض المواد الغذائية صحيحا وهو ليس كذلك فإن مركز الظرفية كان يكتفي بالقول أن شبح انكماش قطاعي أو جزئي يهدد الاقتصاد المغربي .
في المقابل ، تنشر مديرية الدراسات والتوقعات المالية معطيات (راجع نشرية الظرفية عدد دجنبر2014) تقول العكس أي أن الظرفية الاقتصادية تفند الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة وأن وضع الاقتصاد المغربي مريح فيما القوة الشرائية تأخذ مجرى لا يدعو للقلق بفضل انخفاض طفيف للأسعار بمعنى أن الانكماش غير وارد. فضلا عن ذلك نقرأ في منشورات هذه المديرية أن سنة 2014 عرفت تحسنا كبيرا على مستوى التشغيل . بمعنى في تصور هذه المديرية أنه ليس هناك تضخما ولا انكماشا بالمغرب، وإن كان معدل النمو جد متواضع فإن الاقتصاد المغربي في وضع يسمح له أن يصنف ضمن مجموعة الدول الصاعدة ؛ وهي في اعتقادي هلوسة ذهنية ليس إلا تنضاف إلى أطروحة المركز المغربي للظرفية الذي لم يأت بجديد فقط أنه قام بإسقاط تحليل ومنهجية رأيا النور في الغرب على حالة المغرب انطلاقا من فرضيات رياضية وإحصائيات لا تترجم الواقع وتوظف لأغراض سياسوية وطبقية كما سبق أن أشرت إلى ذلك في موضوع سابق. لم ينتبه أصحاب المركز إياه كما هو الحال بالنسبة للحكومة أن اقتصاد المغرب كباقي اقتصاديات الدول التابعة يعاني من ضبط عشوائي إذ أن الدولة لا تتوفر على الاستقلالية في تدبير السياسات العمومية ومنها سياسة الأسعار كما هو الأمر في الدول الغربية بحكم أن هذه الاقتصاديات تتحكم فيها أوليغارشيات بتواطؤ مع الشركات العابرة للقارات من خلال احتكارات القلة. وهو ما يعرض الاقتصاد المغربي لضبط عشوائي ولفوضى باستمرار ينتج عنه الفساد بكل أشكاله إلى حد السيبة . اقتصاد المغرب يتعرض باستمرار لسياسة تكييف مبرمج مسبقا من لذن صندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات المالية الدولية. هذه الهيمنة المتعددة الأطراف لا تترك المجال لسن سياسة نقدية و موازناتية منبثقة من اختيارات سياسية وطنية مستقلة.
الوصفة التي يسوق لها المركز المذكور لعلاج الوضع في المغرب هو توفير آليات لضبط الاقتصاد من خلال تخليق السوق لكن في ذات الوقت لا يتوقف مديره في شن حرب على حكومة بنكيران من خلال الصحف ومنها صحيفتي الحزب الذي ينتمي إليه. وهذه مفارقة غريبة أي أن الدكتور المالكي يقدم نفسه خبيرا عندما يتعلق الأمر بتدبير المقاولة لكن من جهة أخرى يوظف الملف سياسويا . فضلا عن ذلك لقد نسي الأستاذ المالكي أنه لا أخلاق في الاقتصاد كما أنه لا أخلاق في السياسة مع الأسف وأن المصالح هي المعادلة التي تتأسس عليها العلاقات بين الأفراد وبين الجماعات.
إشكالية الانكماش الاقتصادي في المغرب كباقي الإشكاليات الاقتصادية الأخرى تفترض معالجة تتجاوز الأفكار السهلة ولاستهلاكية والمناسباتية والبديهيات . معنى ذلك أن الانكماش الاقتصادي في دول الجنوب ومنها المغرب يستدعي معالجته خارج المنظومة الاقتصادية المهيمنة لأن شكل الانكماش الذي نتعامل معه هنا يختلف عما هو في البلدان المتقدمة أو قل الدول الامبريالية.هذا المشكل المنهجي قد سبق أن أثاره من قبل منظرون متنورون من عيار كبير والذي لا مجال هنا للغوص فيه فقط أذكر أنه تم التأسيس لنقد اقتصاد سياسي متعلق بالدول الطرفية الذي أصبح مرجعية فكرية نافس عبرها الاقتصاد البورجوازي بل تجاوزه إلى حد أن بعض منظريه أصابتهم الهستيريا . لقد ساهم منظرو نقد الاقتصاد السياسي بشكل قل نظيره في تفسير واقع وتاريخ تكوين الدول المتخلفة التي كانت نتيجة هيمنة الامبريالية في شكليها القديم والجديد . لكن مع التحولات التي جاءت وهيمنة الفكر الأحادي بما فيه إيديولوجية نهاية التاريخ والإيديولوجيات إضافة إلى سخرية التاريخ أدت إلى تراجع الفكر المتنور .
أعود إلى الانكماش الاقتصادي لأقول أنه يستدعي التعامل مع هذه الظاهرة الأزمتية على أساس التوفر على بنية اقتصادية مستقلة حتى يكون الأداء الاقتصادي أداء طبيعيا . الاقتصاد المغربي كاقتصاد تابع لا يسمح بمعالجة هذه الظاهرة بالشكل الذي تتم معالجته في الدول المتقدمة التي توفر شروط الأداء الاقتصادي بشكل طبيعي كاقتصاديات ممركزة على الذات وليس كما هو عليه الحال بالدول الجنوب التي تعاني فيها من التقويم النقدي والموازناتي المفروض من الدول الامبريالية بتزكية و تواطؤ من الأنظمة الاستبدادية والأوليغارشيات المحلية والطبقات المستفيدة من الوضع القائم. مما يجعل التقلبات العشوائية للاقتصاديات التابعة صعبة الفهم لأن هذه العشوائية ناتجة عن إرادة لا تتحكم فيها السلطات المحلية بل القوى الخارجية يعني الامبريالية وهو ما يجعل العدوى تتحول بشكل سريع من هذه الأخيرة إلى الأولى . مفهوم الانكماش المتداول عندنا اليوم هو مفهوم مستورد وللاستهلاك ليس إلا . مما يستدعي تجاوز الوصفات الجاهزة والأفكار السهلة وإحلال محلها إنتاج المعرفة النقدية وحدها قادرة على فك الرموز والألغاز. هذا الوضع الشائك يتطلب تجاوزه بفضل التأسيس لبنيات تسمح بالتحكم في الاقتصاد وضبطه بالشكل الذي يخدم متطلبات التنمية الوطنية وتوفير شروط تداول سياسة الأسعار بشكل يسمح بتقويم نقدي وموازناتي لأجل تدبير وتسيير محكم للميكانيزمات الاقتصادية.
بعض المفكرين ذهبوا إلى القول أن الاعتماد على الأسعار الاسمية والنسبية في تحديد السياسة النقدية ومنها الانكماش الاقتصادي يؤدي إلى عدم فهم ما يجري وبالتالي يترك الأمور مبهمة وأنه يتعين معاينة الواقع على ضوء الاقتصاد الحقيقي . مما يدعو إلى الانفتاح على أشكال أخرى من الآليات تستدعي مقاربة تتجاوز منظومة السوق في شكلها المبتذل .
منظومة الأسعار الاسمية والنسبية فيما يتعلق بالدول التابعة كالمغرب تخلق أتعابا كبيرة لهذه الدول فهي لا تقوى على تفسير الوضع لأنها لا تترجم إلا الوجه الشكلي بل الخادع حيث أن الاقتصاد تابع ويبقى ضبطه أسير الارتباط العضوي بالدول الامبريالية ؛ وهو ما يجعل التحكم في الاقتصاد في هذه الظروف والشروط غير ممكن. فضلا عن ذلك يلعب التمسك بالاختيارات السياسية التي تخدم المصلحة العامة دورا طلائعيا لمعرفة ما يجري على المستوى الاقتصادي.

نشر هذا المقال بجريدة المساء ليوم 21-01-2015


بقلم الدكتور أحمد زوبدي
باحث في الاقتصاد السيلسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة