الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتصار الموت في تطاحن الأموات

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


" من نبوخذ نصر الى صدام حسين بابل تـزهو بالنصر". شعار مكتوب على لوح حديدي اخضر اللون في مدينة الحلة بشارع الامام علي ايام صدام حسين. الزعيم المهووس بالتاريخ، الغارق في التاريخ. التاريخ المتـسرب عبر الكتابات و عبر صورة متخيلة في الذهن. البحث عن الاب المفقود ربما. من حيث المنطق لا يمكن ابدا ان توجد اي علاقة بين الملك البابلي نبوخذ نصر و الملك الجمهوري "صدام حسين"، الا من حيث رغبة الاخير في ان يكون بعـظمة الاول و جبروته حسب ما وصل طبعا في كتب التاريخ. التاريخ الذي لا يذكر هنات هؤلاء المعـظمين.
و من الجهة المقابلة ترفع الثورة الايرانية مشعوذا كبيرا هو الامام الخميني المعصوم عن الخطأ عند الشيعة. تلك اللحية البيضاء و المحيى الجميل و مطاردة النساء في الشوارع من طرف حراس الله ليجبروهن على ارتـداء الحجاب الرمز السياسي للإسلام السياسي. و تكونت الجمهورية الاسلامية على اكبر دعائم النفاق، فهي من جهة صعود الى السلطة و سيطرة على الانفـس و العباد و البلاد بوصفة لا تملكها اي ايديولوجية منافسة في نجاعتها في الاضطهاد و السيطرة، و من جهة اخرى وصفة عنوانية براقة لتمرير حلم بعث الامبراطورية الفارسية من جديد، و هو التمشي الذي لا يزال ساريا الى حد الان.
و على يسار العراق في تركيا برز نجم السلطان اردوغان الذي اعرب بوضوح عن حلمه في استعادة الخلافة العثمانية، ضاخا في تـنفيذ مشروعه الاف العرب الاغبياء جدا لان الغباء درجات. اغبـياء لانهم لا يعرفون القهر الذي عـرفه اجدادهم من العثمانيـين..
على كل تجد آل سعود و أل النهيان في تحالف مع تركيا ذات الحلم العثماني لمواجهة ايران ذات الحلم الامبراطوري الفارسي، و ذاك بعد الحرب العبثية التي أكلت الاف الشهداء المجانيـين في حرب الثماني سنوات بين ايران الفارسية و العراق البابلية العروبية المتأرجحة بين نبوخذ نصر و القعقاع..
و انها لمهزلة كبرى مازالت تـقـتل الناس الى ما لا يمكن التكهن به. مهزلة وصفها احلام ماضوية تاريخوية تـتحارب فيما بينها. الكل يحاول استجلاب النموذج المنـتـقى. في النهاية هم يحكمون باسم ما و بعنوان ما. في النهاية يدخلون التاريخ مثلما اردوا. في النهاية حقـقوا ارادتهم الشخصية مثل السابقين. فالفرس هم اساسا عائلة و قبـيلة قوية سيطرت على الحكم ثم اسست امبراطورية. العثمانيون كذلك قبيلة. البابليون كذلك بالأساس. بغض النظر عن الانجازات الحضارية التي انجزت و الثـقافة التي صنعت، فانه من منظار التحديد الدقيق على المستويات الشخصية فهي عصبـيات عائلية قبلية تمكنت من جمع الناس حول منطق الدولة الذي يعتبر تطورا تاريخيا. لذلك تكتسي ذاك السحر..
اما الآن فان الاحلام التاريخوية تعبر عن ازمة فكر عظيمة في العصر الحاضر. ازمة عنوانها البحث عن تحديد الهوية. كلمة الهوية هذه هي اكبر مفجر للعصبـيات و الحروب و التـقاتـل. الهوية في الاخير تبحث عن خلق التمايز عن الآخر. هناك فارق كبير بين البحث العلمي عن التمايزات بين الشعوب و التحديدات الايديولوجية. الايديولوجية التي تريد التحرر من وضعية معينة هي اساسا لحظة تحرر، لكنها تـتحول عند عتبة السلطة الى لحظة انقضاض على الحرية باعتبار حرية الآخر تهديد للسلطة و السلطة تـتحول الى الهوية المعلنة. فمعارضة نظام الملالي في ايران يتحول الى كفر بالإسلام ثم الاسلام الشيعي ثم التاريخ الفارسي و الثـقافة الفارسية. الامر كذلك على جميع التاريخويات المتضخمة.
و الآن. يجدر الانـتباه الى نقطة جوهرية. الازمة الحقيقية هي ازمة فكر. فكر لم يستطع التخلص من التاريخ. فكر لم يستطع التخلص من منطق الابوة و الاجداد. فكر تائه في عصر الفكر العلمي المؤسساتي. فالعراق مثلا لو كانت به مؤسسات سلطة فيها نوع من توزيع السلطة و فيها هامش من معارضة وطنية تطرح رؤياها و تشارك في الحياة العامة سياسيا و ثـقافيا في الداخل، لما كان ان يصل حاله الى الاحتلال و الدمار. و ليس الحديث هنا لتحميل اي طرف سياسي المسئولية و لكن العبرة في استخلاص النـتائج لأجل الغد الافضل.
ازمة الفكر التي تعاني منها هذه الشعوب راجعة اساسا الى عدم الاندماج الفعلي في الحضارة الاوربية ثـقافيا و علميا. فاكبر خرافة هي التي تقول نأخذ ما صنعه الغرب و لا نأخذ عقله الذي صنع و ابدع. العقل انساني. اوربا فجرت تاريخا جديدا لأنها اكتـشفت "انا افكر اذن انا موجود" و اكتـشفت العقل الإنساني و اكتـشفت ان العالم ما هو إلا ارادة و تصور إنساني...
الشرق لازال خائفا مرعوبا من العصر لذلك يرمي بنـفـسه في التاريخ لإنتاج هوية متخيلة من التاريخ الموهوم. الشرق مازال اطفالا و زعماؤه مراهقون. نـنسى ان من فعل في التاريخ اتجه نحو المجهول، نحو المستـقبل دون ان يربط نفسه بأجداده او هوية موهومة لأجداده و لنفسه من الاجداد. بل العظماء الذي يذكرهم التاريخ هم قـتـلوا اول ما قـتـلوا ابائهم رمزيا..
الى متى هذه الحروب العبثية المجنونة التاريخوية التي تريد بعث تاريخ موهوم، و التي لن ينـتصر فيها اي طرف سوى الموت المجنون و الخراب الماحق للجميع ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر