الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصناعة والأخلاق2

جهاد علاونه

2015 / 8 / 1
الارهاب, الحرب والسلام


تصدير: حرب المائة عام التي كانت بين القبائل الإنكليزية لم يكن لها كل هذا التأثير على حركة العلم والاختراعات أو التقدم الأخلاقي, ولكن حرب الثلاثين عاما بين أمراء ألمانيا أثرت على مسيرة العلوم الطبيعية أكثر من حرب المائة عام ومن الحروب الدينية الفرنسية...

إننا فعلا لو نظرنا إلى الملاحظات العلمية التي كُتبت عن ملح البارود في قرن ونصف تقريبا وخصوصا بعد معركة (فور نوفو) لآمنا جميعا بأن ألدمار الذي خلفه البارود والمدافع خلفهما لا يستحق منا أن ننظر إلى علماء تلك المرحلة بالاحترام بل على الأقل بالاشمئزاز من منجزاتهم التي خلفت خلفها المزيد من الأرامل والثكلى والأيتام, رغم أن البحوث العلمية البدائية الخاصة بالمتفجرات لم تكن عن خبث ولآمة العلماء في تلك العصور بل كانت تعبر عن براءة العلماء كبراءة الأطفال ذلك أنهم اخترعوها في البداية من أجل حفر المناجم وليس من أجل تدمير البشرية , ولم يكن أحد يسمح لنفسه بأن يقتل الناس بها وخصوصا مع تعاظم الكنيسة الكاثوليكية ومن بعدها البروتستنتية في أوروبا كلها, ولكن فجأة عمى الطمع قلوب الرجال وتبدلت الأخلاق وتخل رجال الدين عن إنسانيتهم حين تدخل الدين في السياسة وصار يفتي بضرورة أو بعدم تحريم قتل أعوان الشيطان, لقد عزز الدين من سلطة القتل حين تدخل الدين بالسياسة, وضاعت الإنسانية كلها وتلاشت براءة الأطفال وكشر الإنسان عن أنيابه التي كان يخفيها خلف ملح البارود.

في عام 1910م قبل أن تندلع الحرب العالمية الأولى بسنوات بسيطة بلغ إنتاج أوروبا الشرقية والغربية وحدها من الفولاذ والحديد 60 مليون طن , ولم يصدف أن وصل العالم كله إلى هذا الكم من الإنتاج منذ بداية عصر النهضة والإصلاح الديني في أوروبا, وهذا حصل مع تقدم العلم وإسهامات العلم في تطوير الصناعات الحربية, طبعا كانت رؤوس الأموال تتراكم جراء تراكم كميات هائلة من المعادن وتزايد عدد الأفران التي تصهر تلك المعادن, وكانت الأسواق تغرق بالمعادن كأنها سفن تغرق بالماء وحالا سيصبح هذا التراكم خطيرا وسيؤدي فورا إلى اشتعال الحرب العالمية الأولى بصورة بشعة لم تشهد أوروبا مثلها منذ نهاية الحربين, حرب المائة عام وحرب الثلاثين عام , أما النحاس لوحده فقد بلغ إنتاجه ما يزيد على المليون طن لتلبية الطلب الزائد على الصناعات الحربية ,وبعد نهاية حرب الثلاثين عام إبان عصر النهضة والتقدم العلمي لم يكره أحد في التاريخ الحروب أو الحرب كما كان الشعب والحكومة الإيطالية يكرهان الحروب حتى أنهم ملوا وقرفوا من غزوا الأجانب لهم فمالوا إلى تجنيد المرتزقة من أجل مقاومة ومحاربة الأجانب, أما الإيطاليون أنفسهم فقد كانوا ودعاء جدا والمسيحية مؤثرة بهم, تلك المسيحية التي ربتهم على قيم العدل والحب والتسامح, لذلك كانوا يعشقون الحياة ويكرهون القتل ولم تتلوث أيديهم بالدماء بل استأجروا من يقوم بالدفاع عنهم بقوة المال.


وتنعم دول العالم بين الفينة والأخرى بالسلام وبالهدوء وهذا ما حصل سنة 1474م عندما كتب سفير الدوق فيرارا إلى فلورنسا قائلا: " القد بلغ الاستقرار حدا لا يطاق حتى أنه إذا لم يحدث شيئا فإننا سنسمع في المستقبل عن معارك مع الطيور والكلاب أكثر مما سنسمع في المستقبل عن معارك بين الجيوش" وهذا لم يكن تفاؤلا وإنما هو الهدوء الذي كان يسبق العاصفة , فبعد سنة 1525م لم يحافظ على لبس الدروع إلا بعض الهواة فقد تخلى الفرسان عنها ومشوا خلف المدافع التي كانت تجرها الأحصنة, وعلينا أن نفهم حقيقة واحدة وهي أنه لولا وجود المعادن وخصوصا الحديد والنحاس ما كان للحروب أن تشتعل وللعلوم أن تتطور وللأخلاق أن تتغير, حتى أن العلم تخلى عن الأخلاق, حتى العلماء تخلوا عن التحلي بأخلاق الفرسان, ليس مهما ما تصنعه من كرات المدافع وفوهات المدافع المهم أن تأتي هذه الصناعات بنتائج وتغير الواقع الذي تسعى حرب النبلاء لتغييره كانت الرغبة في الحصول على المزيد من الأسلحة وتطويرها الدافع وراء البحث عن المعادن وغزو بقاع جديدة من الأرض تتوافر فيها المعادن مثل النحاس الأحمر والبرونز والنحاس الأصفر والحديد والفضة, أما بالنسبة للذهب فقد كان رغبة عارمة قديما وحديثا وفي كل الظروف, كان من يدعم سياسة البحث عن المعادن هم النبلاء والإقطاعيون الكبار وذلك لكي يشنوا بواسطتها حروبا على بعضهم البعض, طبعا وبمجرد تطور صناعة الفولاذ والنحاس والحديد وتراكمه بكميات كبيرة وصناعة المدافع منه وكرات المدافع الحديدية أدى كل هذا إلى ظهور عصر الاستعمار وذلك بهدف تامين المعادن من الدول المتخلفة الغنية بالمعادن والفقيرة بالعلم التي لم تصنع أسلحة تحميها من الدول القوية التي استفادت من توافر الكميات الهائلة من المعادن, تلك الدول لم تكن تعرف من المعادن غير الصناعات المنزلية وأغلبها في أدوات المطبخ والطهي, هذه الشعوب لم تكن تعرف المدافع الفولاذية والنحاسية والحديدية بقدر ما كانت تعرف الطناجر والصواني والصحون النحاسية قبل أن يغزوا الألمنيوم المطابخ الأوروبية, على كل حال هذه الدول لم تأكل من ثمار الجنة مرة أخرى كما أكلت أوروبا, أوروبا أكلت من شجرة الحكمة التي نهاهم الرب عنها , أكلوا منها مرة أخرى وعرفت أوروبا العلم والحكمة والاختراعات وعاقبها الله كما قال أحد المؤرخين حيث عاقبها بكثرة الحروب والدمار والقتل والتعذيب, ولم تكن المكتشفات في المعامل والمختبرات سرية بل كانت على مرأى من الجميع من أجل إخافة العدو, وإذا جاز لنا التعبير المسيحي فإننا سنقول: بأن الإنكليز أو الشعوب الأوروبية المسيحية قد ذاقوا مرة أخرى طعم فاكهة الجنة واستحقوا العقاب الذي ألم بهم من الحروب, لقد ذاقوا طعم المعرفة وتغيرت أخلاقهم بسبب قوة المعرفة التي أعطاهم الرب إياها, ومرة أخرى لم تساهم تقدم العلوم بسعادة البشرية إلا بعد أن دفع أسلافنا من الرجال ثمنا باهظا من أرواحهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن