الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسم القَنْص السٍّياسي

سيومي خليل

2015 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


تَكفي أَشهر ما قبل الإنتخابات ، ومدة الإنتخَابات ، كي نفهم طَريقة عمل السياسة عندنا ، وشُروط إنتاجها ، وبشكل أَكبر دَوافع المنتمين إليها ، والعَاملين عليها.

لِنَتخل قليلا عن التعريف المقتضب ، والنَّبيل للسياسة بكونها فن الممكن ، أَو فَن تَدبير الاختلاف ، ولنترك إلى حين الرَّبط النبيل أَيضا بَينها وبين الدوافع الأخلاقية ،لأن هَذا الربط لا يصمد كثيرا أمام شُروط إنتاجها عندنا .

مادون فَترتي ما قبل الإنتخابات بأشهر، ومدَّة الانتخابات ، لا أَظن أَنَّ هُناك شيء يُمكننا أن نسميه فعل سياسي اطلاقا ، حيث أنَّ الفعل يَتعلق بشكل كبير بالحكومة ، وبِبعض المؤسسات السِّياسية ،وببعض الأَفراد الذين يجدون أَنفسهم مشغولون بالهم السياسي ، أما مَادون ذلك فلا مظهر لهَا ، ولا وجود لها يفْرض نَفسه ، والأَكثر أنَّ هذا الوجود لها ينعدم حتى عند الهَيئات ، وبعض الأحزاب /التَّشكلات الميكروسكوبية التي تدعي الاهتمام بالهم الساسي .

من بين أبرز مَظاهر غياب الفعل السياسي على طول سنوات فترة حكومية نَجد :

-1-إنشغال واضح عن التأطير السِّياسي الذي من الواجب أن تقوم به الأَحزاب السياسية ،نحن نعرف أن بعض الأحزاب ليست لها مقرات فَرعية في الكثير من المدن ، ومن لهَا هذه المقرات غَالبا ما تكون مغلقة ، ومن لا تُغلق مقراتها لا تَحدث فيها أي تجَمعات ذات طبيعة سياسية مهمة ، هي فَقط تجمعات للدردَشة مع من يُسمون أنفسهم مُنَاضلين ، واحتسَاء على مهل لكوؤس شَاي ساخن .

-2- غِياب عن واقع حال الناس ، النَّاس يُسيرون أزماتهم في الغَالب بدون أَي بعد ساسي ، لأَنهم ببسَاطة لا يجدون المتكلم السياسي الذي يمكنه أَن يُقدم لهم المساعدة ، ونَحن نعرف أن الكثير من المحطات ، والانتهاكات الصارخة ، والتَّجاوزات ،عَالجها أصحابها إما باللجوء إلى الجمعيات الحقوقية ، أَوبالبحَث عن وسائط غير أخلاقية ، لكنهم أَبدا لم يجدوا الحزب الذي صوتُوا له ، أَو ذلك الشَّخص الذي كان يعدهم بتحسين ظروف حياتهم .

-3-مَا يُمكن أن نُّسميه الثقافة السياسية ، أَمر غَير قائم اطلاقا ، فَكل التشكيلات السياسية التي يجب أن تَنشر هذه الثقافة السياسية تكون في سبات عميق ، حيث لا نسمع إلا نَادرا بندوة سياسية ، أو بحَديث عن سجال مؤطر يُناقش قانونا ما ، أو يبحث في مفَاهيم سياسية معينة تقدم للعموم .

يَجب القيام بإبراز مَدى الإستخفاف الكبير للفاعل السياسي بالفعل السياسي نفسه ، فهُو حَصر الممارسة السياسية بالضبط في فترة مَا قبل الإنتخابات بأشهر ، وفَترة الإنتخابات ، إنَّها مدة لن تتجاوز ثَلاثة أشهر أو أربعة ، هذا بالضبط هو ما يقدمه الفَاعل السياسي للسياسة ، أو بالأحرى هذا ما يقَدمه الفاعل السياسي لنفسه ، بعيدا عن أي مشاركة فعلية في تحسين إنتاج شروط السياسة بالبلد .

لنُّسم الأَشهر التي يتحَرك فيها الفَاعل السياسي بشكل واضح بموسم القنص السياسي ؛ هَذا تشبيه مناسب حقا .

في مَوسم القنص السياسي ، يَتحرك الفاعل السياسي من سباته ، يَنفض الغبار عنه ، ويحمل بندقية القنص كَي يَتحرك جهة المَّشهد السياسي بالبلد ، والذي يمكننا أَن نُحوله إلى تَشبيه الغابة ، فَمادمنا اخترنا موسم القنص فيجب أنْ لا نحس بغضَاضة ونحن نتحدث عَن غَابة سياسية .

القنص السياسي لا شك أنَّه لا يهدف إلى القتل المادي للنَّاخب ، لكنه على أي حال يمارس قتلاً رمزيا جد خطير ، فهو يعيد انتَاج شروط سياسية مَعطوبة ، ويكرر نفس أدبيات العمل السياسي التي لم تُّقدم للبلد أي قيمَة تُذكر ، بل ويعمل على الإستغبَاء التام للمواطن /الناخب ،الذي مازال يتم مُعَاملته بنفس منطق التعامل مع نَاخب عاش بدون كهرباء ، وبدُون إنترنيت ، وبدون وعي سياسي .

يبدأَ التعامل في موسم القنص السياسي بفلسفة الطرائد ، فالمواطن ليس على كل حال إلاَّ طَريدة سياسية مفترضة ، ولا يتم التعامل معه في هذه الأَشهر إلا عَلى هذا الأَسَاس ، وإلا فما معنى الاقتراب منه بهذا الشَّكل الواضح في فترة الإنتخَابات ، والإبتعاد عنه فيما دون هذه الفترة .

تتوزع الطرائد التي من الواجب قنصها في موسم القنص السياسي إلى ست مجموعات ، لكل واحدة منها أَسَاليب قنص ، وأَدوات قَنص ، وهي كالتالي :

-الفئة الأُولى :هي فئة غير المشاركين في الانتخابات السياسية ، أَي تلك الفئة التي تعتبر أنَّ الفعل السياسي فعل لا طائل منه ، ولا يُمكن توقع منه أي تغيير . هذه الفئة هي فئة مناسبة للقنص الانتخَابي ، فالفاعل السياسي يُحاول ما أَمكن أَن يَميل إلى هذه الفئة ، ولاشك أنَّه لايميل إليها عبر شرحه لقيمة الفعل السياسي ، لا بل عَبر تقديم مجموعة من الإغراءات الآنية ، واللحظية .

- الفئة الثانية : هي الفئة التي لها بعض الإلمَام بقيمة التصويت الانتخابي ، وهذه الفئة سبق وشَاركت في عمليات انتخابية سابقة ، لكن دوافعها ليست إصلاحية أو تَغييرية ، بل إنَّ أهدافها منافع شخصية . هذه الفئة سهلة القَنص ، بل إنَّ غايتها أن يتم قنصها بكل سهولة ، حيث منها من يتم اقتناصه لأنه اختار أُسلوب ،وأَداة ،وحزب القنص ، ومنها من يَتنقل حسب منافع عَملية القنص التي سيتعرض لها .

-الفئة الثالثة: هي الفئة النَّشطة من المصوتين ، وهؤلاء حَدَّدوا مسبقا إلى أي صفٍّ ينتمون ،وهم تحديدا من يقومون بعمليات القنص المحلية ، فيشرعون في البحث عن نَاخبين يمكنهم أن يَكونوا عونا للحزب الذي ينتمون إليه .

- الفئة الرابعة :هي الفئة التي يُوكل لها التأثير في الجماهير ، أَو بمعنى آخر هي الفئة التي تُعرف عند الطرَائد ، وهذه الفئة هي الأخرى رقم مهم عند الأَحزاب ، فهم الذين يتكفلون بجمع الناس وإقناعهم ببما سيقدمه لهم فُلان ، وبما سيقوم بتغييره الحزب العلاّني .

- الفئة الخامسة :هي الفئة الفَاعلة ، أَي تلك الفئة التي تقدم صورها ، ومعلومَاتها كي تكون ضمن لائحة حزبية معينة ، وهي فِئة يمكن أَنْ تَكون طريدة وفي نفس الوقت قناصة .

-الفئة الأخيرة : هي فئة الكبار ، أو هِي فئة أُولائك الأَعيان ، و أولائك الذين يَنْغمسون في المشاركة السياسية بشكل واضح .

في كَلمة أَخيرة أود أَن أَقُول أَنَّه من الواجب أَن تَكون شروط اللعبة الانتخابية نزيهة ، كي نقوم بالقطع مع كل تلك المظَاهر التي سبق وشَوهت المشهد السياسي برمته ، السؤال المَّطروح ؛ هَل سنشهد مشهدا انتخَابيا يقنعنا بإعَادة النَّظر في مسألة امتنَاعنا المطلق عن التصويت ؟؟؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع