الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يكون القتيل الفلسطيني شهيدا؟

هويدا طه

2005 / 10 / 14
القضية الفلسطينية


فيم تختلف الانتفاضة الفلسطينية الثانية- انتفاضة الأقصى- عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى؟ نفس الشعب ينتفض وبنفس الأسلوب تقريبا.. ضيقا وغضبا وثورة على نفس الاحتلال وفي نفس البلد، هل يتذكر أحدكم الانتفاضة الأولى؟ وكيف عرف بها من لم يكن على أرض فلسطين حينها؟ تابعتها الشعوب العربية من صفحات الجرائد والمجلات.. وأشعار محمود درويش المنشورة أو الملقاة في ندوة هنا أو هناك بعاصمة عربية أو أخرى.. وحفظنا منها عن ظهر قلب (أطفال الحجارة نشد على أياديكم) أو (سنخرج من معسكرنا ومنفانا.. سنخرج من مخابئنا ويشتمنا أعادينا.. هلا.. همج.. عرب، نعم عرب ولا نخجل..)، و بالإضافة إلى أشعار درويش عرفنا الانتفاضة الأولى من بعض صور باهتة لطفل يرفع الحجر في وجه دبابة.. كان الرقيب ينتقيها في تليفزيونات أرضية يتحكم فيها جهاز حكومي.. يمرر ما يشاء ويمنع ما يشاء وبتقنية رديئة في معظم الأحيان، ثم تلاشت تلك الانتفاضة من الذاكرة.. في زحام الأحداث وتسارع التنازلات وانقلاب النظام الدولي برمته، لم يبق منها اللهم إلا ما يقر في الوعي الجمعي من (مفاهيم) كرستها الانتفاضة في الثقافة العربية.. ربما على رأسها مصطلح (الانتفاضة) نفسه، وأسلوب المقاومة بالحجر.. ومواقف العدو التي لن تنسى كحلم رابين بغرق غزة في البحر.. والعبارة الإسرائيلية الشهيرة (العربي الجيد هو العربي الميت).. وربما بضع تفاصيل أخرى قليلة، أما الانتفاضة الثانية.. انتفاضة الأقصى.. فقد اندلعت في وقتٍ كانت كاميرات محطات التليفزيون الفضائية فيه سريعة التواجد.. بل هي الفضائيات نفسها من أطلقت اسم (انتفاضة الأقصى) في يومها الأول.. ليصبح عنوانا لبرامجها منذ ذلك الحين، راح مراسلوها ينقلون لحظة بلحظة كل شهيق وكل زفير لكليهما.. المواطن الفلسطيني وجندي الاحتلال الإسرائيلي، ليرى- ويختزن- ملايين المشاهدين في كل أنحاء العالم العربي- وبلا تحكم من حكومة هنا أو هناك- بثا حيا لكل تفاصيل الانتفاضة الشعبية.. من الجنازات اليومية إلى استعراضات شباب فلسطين.. الذي حفر في ذاكرتنا صورة المقاوم الملثم حاملا سلاحه مطلقا الرصاص في الهواء.. إلى عمليات الاغتيال للرموز الكبيرة إلى تسجيلات وصايا الاستشهاديين.. إلى احتفال الطرفين بالموت.. الإسرائيلي يحتفل بقتل الفلسطيني ثوريا مسلحا كان أو امرأة تجر بقرتها في الحقل أو طفلا رضيعا.. والفلسطيني يحتفل بالموت استشهادا..
استدعت صورة الشهيد الفلسطيني في الانتفاضة الثانية بالذات.. تراثا متراكما عزيزا علينا.. ومنحت مفهوم الشهادة ألقاً متجددا في الثقافة العربية الحديثة.. (خاصة في مرحلة المد الإسلامي الذي فاض على جانبي بحر العرب حتى كاد يغرقه.. إن لم يكن قد فعل!)، الثابت أن الشهيد في ثقافتنا هو كل عربي تقتله رصاصات إسرائيل!، أو على الأقل ظل هكذا حتى وقت ٍ قريب، فبسبب ألق الشهادة وبريقها وسخاء جزاءها عند الله.. الذي جدده في الذهنية العربية الدم الفلسطيني.. رحنا نوزع امتيازاتها على قتلانا الآخرين! شهيدٌ من تقتله قوات شرطة من بني جلدته وشهيدٌ من يقضي في حادث طائرة وشهيد من يموت على قارعة طريق.. إذ يعز علينا أن تفوتهم الجائزة! لكن ورغم ذلك.. ولجلالة الأمر وهيبته أمكن (السكوت عن) توزيع امتيازات الشهادة على قتلانا.. بيد إسرائيل قتلوا أو بيد حكومة عربية.. احترقوا فقرا في قطار أو تهشمت رؤوسهم تحت سقف مسرح منهار.. فليس الوقت وقت (استخسار) الجزاء الكبير في قتلانا الأبرياء! راحت الفضائيات تطلق عليهم جميعا شهداء.. دون أن يستشعر مسئولوها- أو دون أن يكترثوا- أنهم يؤثرون في الوعي الجمعي.. بتكريس تحويل عبثية القتل إلى فرح، لكن ذلك كان حتى الأسبوع الماضي.. حتى قتل الفلسطيني فلسطينيا آخر.. يوم نشب اقتتال بين فلسطينيي حركة حماس المسلحة والمصرة على الاحتفاظ بالسلاح.. وفلسطينيي السلطة التي تريد نزع السلاح من فصائل.. اعتادت عد الأرغفة والبنادق في نفس السلال! صحيح أننا كنا نحتفي- وربما حتى الآن (لابد أن نحتفي بالسلاح) طالما كان موجها لمحتل غاشم.. لا مفر أمام جبروته من حمل ذلك السلاح وتأجيل حلم الحضارة والسلام.. إلا أن المأزق الحقيقي يتجسد لحظة أن يكون حمل السلاح بذاته هدفا.. فيبحث عن ضالته حتى لو كانت من الرفاق، قفز فجأة إلى السطح مأزق الإعلام العربي.. الذي طالما اعتاد إطلاق لقب الشهيد على القتيل الفلسطيني.. أينما وكيفما قتل!، اشتد المأزق لأن الفلسطيني هذه المرة أطلق الرصاص على فلسطيني آخر.. من نفس البندقية التي طالما احتفينا بها موجهة إلى عدو سرق الأرض والكلأ.. من منهما الآن سيفوز بالجائزة الكبرى؟! قتيل حماس وسلاحه وسيلة ً لإخراج المحتل (ولا بأس إلى جانب ذلك أن يكون سلاحه رخصة لدخول الجنة).. أم قتيل السلطة وسلاحه أداة ً للشرعية ومنع الفوضى؟ على من منهما ستطلق الفضائيات لقب الشهيد؟
لعل ذلك الاشتباك الذي وقع الأسبوع الماضي.. بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس وأسال دماءً أسف عليها الكثيرون وهم متوجسون.. إذ لم تكن هذه المرة (على يد إسرائيل) ونحن اعتدنا أن الفلسطيني هو دائما مشروع شهادة.. عبر إسرائيل! لعل هذا الحدث المؤسف يكون بداية للإعلام العربي كي يعيد النظر في ثقافة الاحتفاء بالموت.. التي ساعدت الفضائيات على تغلغلها في نفوسنا بما كررته طوال تلك السنوات من مظاهر الاحتفال بعرس الشهيد، ولعل الانتشار الواسع للفضائيات الذي منحها (ميزة التأثير على الجموع).. يدفعها إلى مناقشة جديدة لتلك المفاهيم التي تسربها تدريجيا إلى أعماق المتلقي العربي، لتبدأ مرحلة جديدة تبث فيها مصطلحات أخرى ليس من شأنها هذه المرة أن تضعها في مأزق ٍ ما ذات يوم.. ألا يمكن بدء تسريب مصطلحات أخرى عن.. التنوير والعقل والاحتفاء بالحياة؟.. أليس هذا كفيلا بتحويل الصورة المثلى للعربي.. من (العربي الشهيد).. بأي رصاصة إلى... (العربي العاقل)؟ العاقل لا بمعنى إلقاء السلاح وإنما بمعنى أنه يعرف.. على من يطلق الرصاص؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد- حسن نصر الله.. رجل عاش في الخفاء وحوّل حزب الله إلى


.. عاجل | حزب الله يؤكد مقتل حسن نصر الله في الضربات الإسرائيلي




.. عاجل | الجيش الإسرائيلي: نحن في حالة تأهب قصوى وهذا ما سنفعل


.. القبة الحديدية تعترض صواريخ في سماء رام الله أطلقت من جنوب ل




.. ‏عاجل | حزب الله: استشهاد حسن نصر الله