الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياحة في عصر العولمة

فالح الحمراني

2005 / 10 / 14
العولمة وتطورات العالم المعاصر


اعتقد ان ليس هناك من يجادل اليوم عن حقيقة ان للعولمة كظاهرة عصرية وجوه متعددة، منها الايجابي ومنها السلبي. وكل قوة ومنظمة تسعى لتوظيف ظواهر العولمة لذاتها لكسب المزيد من المنافع والارباح،ومن المستحيل الوقوف اليوم بوجهة العولمة لانها غدت ظاهرة موضوعية. ودون شك هناك قوى تدعو بالحاح الى عقلنة الظاهرة الكونية وتوظيفها لخدمة التطلعات البشرية في القضاء على الفقر ومعالجة الامراض واشاعة التعليم ومساعدة الدول المتخلفة على التحديث وعدم تبديد الهوية القومية وهناك من يرى ضرورة عدم وضع العراقيل امام الظاهرة الكونية. في هذا الخضم من الصراعات استفادت شركات السياحية من ظاهرة العولمة التي فتحت الحدود بين الدول، واثارتها حب استطلاع الامم للتعرف على بعضها البعض الاخر، وتعميمها الشعور بوحدة العالم ... وغدت تعمل على جني الارباح من ظل ذلك.
لقد رافقت منذ الازمان السحيقة الانسان الرغبة في السفر في البلدان البعيدة واكتشاف المجهول والبحث عن عوالم وانطباعات جديدة، والتعرف على عادات وتقاليد وثقافات الامم الاخرى.ووقفت وراء النشاط السياحي والرحلات التاريخية الكبرى ايضا مصالح اقتصادية وجيو ـ سياسية.وعرف التاريخ البشري رحلات واسفار كبرى كانت لها دلائل وانعكاسات هامة.
وكان السفر مشروعا شخصيا يتحمل الفرد اعباؤه. كان السائح يتجثم عناء السفر الطويل من اجل ان يحط ترحاله في مدينة لفترة طويلة نسبيا يقوم خلالها بالاقتراب والتعرف على عوالم الدولة المضيفة. والفرد بنفسه يختار الموقع او المواقع التي تروق له.ومن المفروض ان تفتح انجازات العصر الكبرى، وخاصة تسهيل التنقل بين الدول، وشبكات السكن والاتصال وتعلم اللغات وتقارب الشعوب والدول افاقا رحبة للانسان لكي يواصل ذلك التقليد بسهولة وبوسعة. بيد ان التجربة الانسانية تبرهن على العكس من ذلك. ووفرت القيود والقواعد وانشغالات الانسان اليومية والنزامه بضوابط العمل وغيرها، فرصة للشركات السياحية للافادة والانتفاع وجني الارباح الطائلة من سعي الانسان للسفر والسياحة، مقابل تقديمها الحد الادني من الخدمات التي تخلق لدى الانسان الشعور بتطمين رغبته في الراحة والاستجمام والتعرف على الامم الاخرى وثقافاتها واثارها التاريخية. وتخصص الشركات على الاغلب اسبوعا واحدا او اسبوعين لكي يقوم الانسان باجتراح هذه الماثرة.
في سفرتي مؤخرا لليونان، وبالتحديد لاقليم مقدونيا على ساحل بحر ايجة، عرضت علينا الشركة السياحية برنامجا مغريا، وباسعار غير مغرية، لزيارة اماكن اثرية منتشرة في اقليم مقدونيا ذات التاريخ العريق وما جاورها. وحينما شرحت ممثلة الشركة الدلالة المعرفية والثقافية البشرية لتلك المعالم التاريخية فانها اشعلت الرغبة الجامحة في الاطلاع على ذلك التاريخ المجيد، الذي يواصل تاثيره على العصر الراهن. وهناك ايضا اثار تخص الماثر التي اجترحها المسيحييون الاوائل من نشر دينهم الجديد ليكون بديلا عن دين الهة الاولمب القديم. بل وهناك رحلة لاثينا لمدة اقل من 24 ساعة للاطلاع على معالمها الاثرية. كل هذا في اسبوع اواسبوعين. وحينما يعود السائح منهكا من كل هذه الرحلات البرية والجوية والبحرية، لايعثر في ذاكرته الا على مقاطع من صور مضببة، وانطباعات غير متكاملة كما يحدث للانسان بعد حلم او مشاهدة فيلم سينمائي. وربما سيقول انه كان في اثينا حقا، ولكنه سيصمت عما شاهده في العاصمة التي اخذت اسم الالهة الحسناء والحكيمة ابنة سيد الالهة زيفس ومنقذة ادويسا، لانه شاهدها من نافذة الحافلة التي تقله او في جولة سريعة باحدى الاماكن الاثرية. السائح في كل جولاته يشاهد على عجل دون رؤية وتمعن واستشراف مسرح الاكروبول وكاتدرائيات روما ومحتويات الارمتياج او اللوفر او في قصر الحمراءفي الاندلس او في المسجد ـ الكاتدرائية في قرطبة. وعادة ما تتم هذه الجولات على جناح السرعة في حالة من الهرولة والركض، والتوضيحات المقتضبة او احادية الجانب. والرابح الوحيد منها شركات السياحة التي غدت اليوم مؤسسات كبرى تضم شبكات النقل والاتصال والسكن والممثيلات وطاقم كبير من المحترفين في مختلف الاختصاصات.
السياحة بالفعل عامل مهم في التقارب بين الامم والشعوب والاديان. فانها تتيح ان يطلع الانسان بام عينيه ويقلبه على الاخر، يقترب منه، يتعرف على عاداته وتقاليده وتصرفه اليومي. وفي هذه الحالة سوف تكتسب بعض المظاهر اهمية خاصة لم يعرها الانسان سابقا اهمية تذكر. وتكشف هذه الامور عن عمق الثقافة او اختلافها مع ثقافة السائح. ويتسنى للانسان ان يتلمس بنفسه نسبية القيم البشرية، بما في ذلك الاخلاقية والدينية، وهذا درس كبير يساعد الانسان على الخروج من الشرنقة التي لفته وتحرك خلالها منذ ولادته. رؤية الحضارة الاخرى تنمي في الانسان القدرة على التعاطي بموضوعية وروح انتقادية مع حضارته وقيمه، واجتثاث روح التعصب والتطرف ورفض الاخر والنفور منه وبغضه. انها عامل لتحويل الصراع بين الحضارات الى عملية حوارية ورغبة في التقارب.
ان نجاح السياحة في عصر العولمة باتت حاجة بشرية ملحة في اطار انسنة الظاهرة الكونية وتعزيزالتفاهم بين الحضارات. ان ذلك الهدف يتطلب ان تتولى مؤسسات انسانية وليست تجارية بحتة، مؤسسات المجتمع المدني او اية مؤسسات اخرى تنظيم النشاط السياحي، وجعله نشاطا بشريا يسعى للتفاهم بين الحضارات. ومن اجل توظيف انجازات العصر لتحقيق الرغبة الانسانية في التنقل، والمعرفة. معرفة الاخر. وفي نهاية المطاف من اجل ان يظهر بين العرب ابن بطوطة او " سندباد، بحري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل توسع عمليات هدم منازل الفلسطينيين غير المرخصة في الق


.. عقب انتحار طالبة في المغرب مخاوف من تحول الأمر إلى ظاهرة بين




.. #فائق_الشيخ_علي: #صدام_حسين مجرم وسفاح ولكنه أشرف منهم كلهم.


.. نتنياهو يتوعد بضرب -الأعداء- وتحقيق النصر الشامل.. ويحشد على




.. في ظل دعوات دولية لإصلاح السلطة الفلسطينية.. أوروبا تربط مسا