الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنف المتخيل في ديوان الكرسي للشاعر محمد اللغافي

عبدالعاطي جميل

2015 / 8 / 4
الادب والفن


استهلال :
..................
أصادفني شريدا
أقاسم الأرصفة نفاياتها
و الجدارات المهجورة
ـ بمودة ـ
تتوسدني ..
أضع يدي على صدرها
أقرأ فيها قصائد رامبو
لتنام .. ص. 34
..................
على سبيل التقديم
.....................
بعد دواوينه الشعرية : " امتدادات ، وحدي أحمل هم هذا الوجه ، للموت كل هذا الحب ، حوافر في الرأس " .. والكتب الجماعية : " الحواس الخمس و سوق عكاظ " ، يصدر للشاعر المغربي محمد اللغافي ديوانه الشعري " الكرسي " عن مطبعة ليزين . في طبعته الأولى / 2007 ..
ويعتبر الديوان تجربة شعرية مائزة تكشف رؤية شعرية حارقة مسكونة بهم القول الشعري ، وبهم الذات الشعرية المنفعلة في واقع معيش لا يبشر إلا بالحزن والخوف والقلق الوجودي الحائر والمتسائل . لذلك ليس غريبا أن تجيء القصائد تباعا مطرزة بالعنف الشعري في مختلف مكوناته المعجمية والتركيبية والإيقاعية والرؤيوية التصويرية وغيرها .
ومن فضاءاته المتعددة يجيء عنف الاستعارات محملا بأصابع تشتهي الشهادة والإشهاد على صفحات المجاز .
و بألم الألم يأخذ صوره الشعرية للذكرى ، للأسف ، للملامة والحسرة على الذي يأتي ولا يأتي ، على الذي يوقف زحم الأحلام الحرى في قارعة الطريق ..
فالساعات كما الأمكنة ، كما الأحداث تشرب رحيق حزنها ، وعسل انتظاراتها . ربما ريح تبشره بخلاص جميل ..
لكأنه يكبر تحت عنف الوصاية حين تخطو أحلامه في سكة المعنى المدرج بالضياع ..
يخطو وراءا كي يصالح وجهه القديم المعلق في لوحة أسلافه كي يعيد ترتيب الوقت على مزاج حبيبة مسافرة دوما في أعطاب الوقت والقصيدة وخذلان الوطن ..
" فالكرسي في مكان
وأصابعي في مكان .. ص. 12
هو ذا الشاعر المغربي محمد اللغافي .. يده البيضاء الشاعرة تواسي أرق البسطاء .. يد الشعر لديه تعاويذ يعلقها على وجه المدينة الكئيبة كي تتوسد عراءه و شروده المشتهى كي تنام قريرة العين والقلب . وربما بعدها ينام ... بعد أن ينتصر للفقراء . وهو يقول :
يستهويني الرقص / فأراقص ثمالتي على حافة الانهيار / ولا الموت يهواني .. / هلامية .. هي حروب العشق .. والنصر للفقراء ... ص.35 ..
كذاك الجرح الشعري ينام على قصائد رامبو .. سكران كمركبه النشوان ، يتعثر في دروب الحرمان .. يراقص ثمالته على حافات الانهيار ..كما في العشق الأبدي دوما يكون النصر للفقراء .. وإن لم يكن في البداية ، ففي النهاية يصير حتما .. يصير ختما ...
ـ سكران .. / شريد في عينيك .. تنفرني ألفاظي ، ولا أنفرها .. / ترفضني أطرافي .. فأهجرها .. / و لا السماء .. تهواني ... " ص. 35 ..
هكذا تتمسك الذات الشاعرة بالألفاظ التي تلفظها ، كتمسك العمى بعصاه أو تمسك الغريق بقش أو قذى ، دون أن تحظى بعناية سماء حتى .. يظل الشاعر شريدا في عيني حبيبته أيا كانت رمزيتها ، شرود الشاعر العذري جميل بن معمر في أرض مضلة بلا نعل وبلا عقل ، وقد أضاعه الوجد وأسكره .فلا خلاض له غير أن يراقص مكابدته وثمالته رقص الذبيح من شدة الألم ...
.................
عنف السؤال
................
كأنما التصريح والتقرير والبوح يتخفى في الاستفهامات المتوالية والمتلاحقة التي تجيء مستنفرة : تؤثر ، تدين ، تبشر، تثير ، تستنبط ، تلفت انتباه السامع القارئ ، الصابر في منعرجات الصور الشعرية الحارقة :
ـ أكانت .. أصابع الممكن الشرسة .. جديرة بأن تمنعك من تهريب أصابعك البائسة .. في بريد الإشهار ؟؟ .. ص. 16
ـ ولم لم .. يتمدد .. عصيانك .. الأكثر حرارة من قبلة خائنة ؟؟ .. ص. 16
ـ فهل .. في العينين متسع للتفريخ ؟؟.. ص.18
ـ ما أروع .. أن أضع خدي على صدرك .. وأنام العمر كله .. لو تسألين لماذا ؟؟ .. ص. 36 ..
ـ لا أعرف .. هل أنت نائمة الآن .. ؟؟ .. أم مازلت تسامرين قلبي الوديعة ؟؟ .. ص. 37 ...
مثل هذه الاستفهامات تتغيا إشراك القارئ واستمالته حينما تستهدفه بدلالات موظفة ضمير المخاطب / المخاطبة على حد سواء، وفي الآن ذاته تستجلي تذويت المأساة و تشظي الذات في مواجهة وضعها الفردي والداخلي واللامرئي :الذي يعكس موقف الذات المستسلمة والحالمة بنوم عميق على صدر الحبيب العمر كله :
" خذي اللحظات التي ارتشفنا في كؤوس صغيرة / خذيها سهما .. / صوبيها اتجاه قلبي .. / سأفتح عيني مليا .. حتى أراك .. تلتقطين دمي .. / نفايات الأغاني .. وتسيجين ما تبقى من الحلم في المرايا ...ص. 31 ..
القارئ العاشق مقصود ومعني ببلاغة اللغة والصورة والمتعة والسؤال والتقرير والتعقيب و التدليل ... والشاعر المرسل أغانيه وآهاته الحرى مصر على ترجمة لحظات جدانه بالتي هي أبهى ...
.........................
عنف العشق :
...................
ـ المعشوقة أمازيغية حد الثمالة .. في عينيها يقرأ الشاعر تعاليم العشق ، وتآويل السهر .. ويقرأ أسرار موته .. و تستهويه نشوة الانهيار .. أمازيغية حد اللغة العليا ، وفيها يقول : " في وجنتيك الورديتين .. تتبخر تآويل الفقهاء / من ردى شفتيك .. ينساب نبيذ الشعراء / و برحيق أنوثتك .. يحترق السفهاء .. " ص. 34 .. وهي التي تجس نبض الانتظارات .. وهي القمينة والجديرة بتعداد تكتكات القلب ، وارتجافات الأسف والاعتذارات .. وهي القادرة دوما على مضاعفة دقات القلب وعلى إيقافها لحظة اللقاء أو لحظة تشاء ..
ـ " طريقي موحش .. و أنا موغل في أقمطة التأسفات / أقاسم الموت عشقي .. والوقت يكابر ميلادي / سأنتظر لحظة الكشف .. لأراك بالمهجر .. تكبرين في عين الشمس ... / ص . 33 ..
كيف للحبيبة أن تتحمل هذي الأعطاب الجميلة ، والجراحات المستديمة ؟؟ .. و كيف لا يدعوها سريعا .. فيما قصائده مهددة بالفتك وبالسفك ؟؟ .. ألهذا يصدح بصوت عال ، مشيرا إلى عينيها : " هيا بنا .. / قبل / أن يسفكوا دم قصائدي " ص. 32 ..
موغل في اعتذاراته، موغل في تأسفاته كما موغل في عنف مكابداته وانتظاراته .. وكأنه العاشق الذي يخاف على حبيبته من نفسه .. من حبه .. من غده .. و من طريقه الموحش الذي يؤدي إلى انفلات ألياف الوقت بين يديه الزائغتين و القصيرتين ... فكيف تستطيع معه الحبيبة صبرا ؟؟ ..
...................
عنف الرؤية :
..................
ـ " الرؤية .. / لم تعد واضحة في هذا الهزيع .. / والغسق / انفلت من بؤبؤة الضوء / و استحال / إلى رماد " ص . 11 .
.... كيف تستحيل الرؤية إلى رماد ؟ وكأن حلكة غموضها أودى بها ..
ـ " فأرى .. فيما أرى /
أرى ..
تحت الكرسي .. ركاما من الأوهام / و فوق الكرسي .. رأسا ورما .. وهنداما / ينتفض الكرسي .. " ص. 12 ..
ـ " رؤاك مليئة بأخطاء عفوية / تدلت على مجرى الوهم .. / فانجرت .. " ص. 20
ـ " كنت رؤية تافهة .. / كنت / وقبل أن تتفتت الأرض في جسدك .. / حين هفهفت الريح / وهدهد الصلب جدائلك .. " ص. 27 ..
هكذا تتعدد الرؤى بتعدد زاوية النظر ، وبتعدد الموضوعات ذاتها ، رؤى المتكلم والمخاطب والغائب ، المفرد والجمع ، الظاهر والخفي ، وتعدد السياقات وقصدية الذات الشاعر في تلاوينها الإيحائية وغير المباشرة ...فالرؤية غامضة تارة ، وتافهة تارة أخرى ، ومليئة بالأخطاء.. وفي المجمل رؤية تتسم بصفات سالبة وسلبية .
ـ " أن تجمع الشوارع في جواربك الواسعة .. لا يعني أنك رسمت وجهك .. في وجه المدينة .. أو تكون منديلا في كف الريح .. لا تستطيع أبدا .. أن تمسح العرق من جبين الشمس .. " ص. 28 ..
فما أتعس الذات الشاعرة حين تعيى ، فتسلم قدرها وقدرتها للمتاه .. وما أبشع أن تركبها أمواج العجز .. تجمع الشوارع الشاسعة ، فلا تقوى على رسم ملامحها ، ولا على مسح العرق الحارق عن جبين شمسها المشتهاة .. وبعد تجرع الفنجان الأخير من الليل ، تدعوها السيجارة إلى التقبيل ، تغويها بأحلام لا تجيء إلا في الأوهام ...
........................
عنف الأمل :
.......................
في هذه الرحلة الشعرية مع الشاعر المغربي محمد اللغافي ، نتقصى بذار الأمل في رؤيته الشعرية حين يقول :
ـ اللسان الذي
أخرسه مقص الرقابة
صغير ينمو
تشع عيناه مرحا
يسرح ذراعيه
لاحتضان الريح .. ص. 42
......................
الأمل في البداية كما في النهاية غاية الغايات ، برج الشاعر الذي لا يعلى عليه .. وهو عنوان التحدي ، تحدي الرقابة بنوعيها الخارجية والداخلية .. ولولا هذا التحدي ما كان بإمكاننا الاطلاع عن تجربة الشاعر في ملامحها الداخلية السيرية والسرية المخضبة بالإخفاق حينا وبالانعتاق والحلم أحيانا .. يقول الشاعر : أفتق صدري .. وأمنحك القلب مذبوحا .. لأتوحد فيك بنعومة .. " ص. 36 .. وهكذا تنتصر الذات على الضياع لترد الاعتبار للذين أضاعوا أمكنتهم أو ضيعت أمكنتهم .. والمكان والمكانة بمختلف دلالاتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية حين تقول :
ـ المكان ..
ليس لأحد
المكان .. للذين ضاعت أمكنتهم .. ص. 40 ..
وتضيف الذات كاشفة إصرارها على معانقة الفرح المسروق ومشاركته الصبيان الحزانى رغم قساوة الزمن المر : فيظل الشاعر صبيا أو اختلاس الفرح يجعل الذات تتصابى في ممانعتها ومواجهتها لليأس والانكسار :
ـ كما لو أنك
ستخذل الزمان المر
وتختطف منه خلسة
بعض الدقائق
وتشارك الصبيان .. مرحهم ..ص. 41
ويظل العشق والشعر أقوى الأسلحة التي يراهن عليها الشاعر ليظل في خندق الصمود والمواجهة .. فكيف لا يتساءل في حيرة :
ـ كم يلزمنا من الحب
لنواجه هذه الحرب اللعينة .. ص. 42 ..
ويضيف :
ـ مبتكرا لغة أخرى ليومه القادم
الأنفلوانزا في قصائده
الإدز في كتاب اليوميات
الجمرة الخبيثة
تتعقب رسائل الحبيبة .. ص.44 ..
..........................................
إن قراءة ديوان " الكرسي " للشاعر المغربي محمد اللغافي ـ على الرغم من بساطة إخراجه وقلة عدد صفحاته ـ تكشف عن تجربة شعرية مفارقة ، لافتة ، تضيء جوانب معتمة في الذات الشاعرة ، فتقدمها في حالات ومن زوايا مختلفة لفهم عنف الذاتي والشعري في الديوان . وأصدق تعبير عنها ما ذهب إليه الدكتور الشاعر محمد السرغيني في معرض حديثه عن الشعر والتجربة حين قال : " يمكن فهم التجربة من مجموعة من الزوايا. من زاوية أنها ابتداع ومن زاوية أنها حدث ومن زاوية أنها ذاكرة وأنها كتابة ومن زاوية أنها ممارسة . " ص. 106 عن الشعر دائما / منشورات دار ما بعد الحداثة ـ فاس . ط 1 / 2003 ...
.................................
على سبيل الختم
..........................
... هكذا تتحقق شعرية الديوان على امتداد صفحاته الثرة والغنية بالإيحاءات والأحداث والانفعالات والتداعيات والأحلام والادعاءات والأوهام حتى من خلال تعالي الذات وتبئير هواجسها في غنائية درامية حارقة ، وعنيفة بين ذات تكبر تحت الرعاية والوصاية ، وذات تجنح وتتمرد على الرقابة ذاتها :
ـ هكذا هو ..
الذي كان ..
يكبر تحت الوصاية ..
والأنباء تتماوج فادحة ..
الصبح كفيف (...)
ومن أجل ..
قبلة عاشقة ..
يتبعثر الكون بكامله ..
والزمن المتردي ..
يعيد ترتيب عقربيه ... ص . 46 ..
نقط الحذف لها أكثر من دلالة تضاعف عنف ذاكرة القارئ ذاته وهو يملأ البياضات التي خطها الشاعر فاتحا مساحة للقارئ للتخيل والتأويل ...
..........................................
مع محبتي الشعرية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان