الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسألة الكردية في سورية بين الحلم والواقع

منذر خدام

2015 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



ليس سرا أن الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية عموما تبدي تعاطفاً مع الأكراد لأسباب تتعلق بمصالحهم الإستراتيجية، لذلك عندما اقتربت داعش من أربيل في العراق هب الطيران الأمريكي بكل قوته لمساعدة قوات البشمركة للدفاع عن المدينة ومنع سقوطها بيد داعش. حصل الأمر ذاته عندما حاولت داعش الاقتراب من مدينة عين العرب(كوباني) في سورية، وهنا أيضا سارع طيران التحالف بقيادة أمريكا لمساعدة المدافعين عن المدينة ومنع سقوطها بيد داعش. في الحالتين كان موقف الحكومة التركية مختلفاً، فهي أيدت الموقف الأمريكي في العراق، لكنها عارضته في سورية .
تبدي الحكومة التركية حساسية عالية ضد أكراد سورية، بحكم الروابط التاريخية بينهم وبين مواطنيها من الكرد هذا من جهة، ومن جهة ثانية بحكم كون أكراد البلدين يتأثرون كثيرا بالأيديولوجية الأبوجية( نسبة لعبد الله أوجلان) ، وبالحضور القوي لحزب العمال الكردي التركي وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، وهما حزبان تصنفهم تركيا كأحزاب إرهابية. لذلك عندما اقتربت داعش من عين العرب( كوباني) حاولت إعاقة مساعدة القوات الكردية المدافعة عن المدينة، لكن عندما بدأت القوات الكردية ذاتها ( وحدات حماية الشعب) بالتعاون مع عدد من كتائب الجيش الحر، بتحرير مدينة تل أبيض من سيطرة داعش أخذت المصادر الإعلامية التركية وتلك التي تدور في فلك تركيا تتحدث عن عمليات تهجير عرقية مزعومة للسكان العرب من المدينة .
تعد المسألة الكردية في سورية من أكثر المسائل تعقيدا، وإثارة للهواجس سواء لدى السوريين من غير الكرد، أو لدى الجهات التركية الرسمية والشعبية، وحتى لدى السلطات الكردية في إقليم كردستان العراق. السوريون، على اختلاف توجهاتهم السياسية، لا يوافقون على قيام كيان كردي مستقل، لأسباب مختلفة، من أهمها سبب يقول بأن الكرد ضيوف في سورية، وإن حدود الدولة الكردية التي حددتها عصبة الأمم المتحدة تقع بكاملها خارج نطاق حدود سورية الحالية المعترف بها دولياً. وبالفعل وكما تؤكد المصادر التاريخية المختلفة، فإن المسألة الكردية في سورية تعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي عندما حاولت فرنسا إنشاء كيان كردي أشوري في الجزيرة السورية من المهجرين منهم من تركيا بعد إلغاء الكماليين لاتفاقية سيفر التي نصت على إنشاء كيان كردي في جنوب شرق تركيا. لكن مساعي فرنسا فشلت وساهم في إفشالها كثير من الزعماء الأكراد الذين كانوا يعدون أنفسهم وعشائرهم المهجرة ضيوفا في سورية. في تلك الأثناء كان عدد الكرد في منطقة الجزيرة قليل جداً، حتى أن مدينة القامشلي التي يتجاوز عدد سكانها اليوم المائتي ألف لم تكن حتى عام 1926 موجودة أصلاً. يختلف الوضع في منطقة عفرين وجوارها إلى الغرب من مدينة حلب، حيث الوجود الكردي قديم، مثله مثل كثير من التجمعات الكردية في المدن السورية وخصوصا في دمشق وحماه وحلب. اللافت أن أكراد هذه المناطق الأخيرة لم يكن لديهم أي شعور بالانتماء القومي الكردي، بل كان بعضهم يفاخر بانتمائه العربي، وخرج من صفوفهم أربعة رؤساء لسورية قبل الاستقلال عن فرنسا وبعده.
لقد تشكل الوعي القومي الكردي الحديث بداية بتأثير الحركة القومية الكردية في العراق، إذ تشكل في عام 1957 أول حزب كردي كفرع للحزب الديمقراطي الكردي في العراق (ياكيتي)، لكن التأثير الأكبر في إيقاظ الشعور القومي لدى أكراد سورية جاء بتأثير من الحركة الأبوجية وحزب العمال الكردي التركي، وشقيقه حزب الاتحاد الديمقراطي السوري.
يعد الكرد اليوم نحو مليوني سوري، يزيد في عددهم القوميون الكرد إلى نحو أربعة ملايين و أكثر، يسكن منهم نحو مليون كردي في شمال سورية، في ثلاث تجمعات رئيسية هي منطقة القامشلي وجوارها، ومنطقة عين العرب، ومنطقة عفرين، والبقية تتوزعهم المدن السورية. من الناحية السياسية يوجد اليوم في سورية أكثر من أربعين حزباً سياسياً كردياً تتوزع توجهاتها بين الولاء للأحزاب الكردية في العراق، أو تركيا وجميعها لا تعنى بالشأن السوري العام إلا من زاوية تأثيره على المسألة الكردية.من بين هذه الأحزاب الكردية يعد حزب الاتحاد الديمقراطي أكثرها تأثيرا ونفوذا في الوسط الكردي، وهو يمتلك تشكيلات مسلحة ( وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة وغيرها) ،وهو يسيطر اليوم على مناطق الوجود الكردي في شمال سورية، وانشأ فيها ثلاث كانتونات للإدارة الذاتية الديمقراطية .
يعيش الكرد اليوم أوج حلمهم بإنشاء كيان خاص بهم على طريق إنشاء كردستان الكبرى، وهذا حقهم لا ينازعون فيه من حيث المبدأ، فالأكراد لهم وجودهم القومي في المنطقة عبر التاريخ، فهم جزء من نسيجها الاجتماعي، لكنهم مع ذلك فقد تعرضوا لظلم تاريخي كبير نتيجة اتفاقيات سايكس- بيكو، والحركة الكمالية التركية، التي حرمتهم من إنشاء دولة خاصة بهم، إضافة إلى ظلم الحكام العرب والأتراك لهم. لكن الغزو الأمريكي للعراق و تدمير دولته، خلقت ظروف ملائمة لإنشاء كيان كردي شبه مستقل في شمال العراق. كما إن ظروف الصراع المسلح في سورية أيقظت لدى أكراد سورية الحلم بإنشاء كيان خاص بهم في شمال سورية. على عكس ما هو حاصل في العراق، يصعب حل المسألة الكردية في سورية على حساب وحدة الأراضي السورية، وسيادة الدولة عليها لأسباب عديدة. بداية ليس كل الكرد بالانتماء هم كرد بالهوية، بل بعضهم يتنكر لانتمائه الكردي ويفاخر بهويته العربية. وثانيا لا يوجد تواصل جغرافي بين المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال سورية، إذ تفصل منطقة عفرين عن منطقة عين العربي مئات الكيلومترات، كما تفصل منطقة عين العرب عن منطقة الجزيرة أيضا مئات الكيلومترات يسكنها عرب بالدرجة الأولى. ثالثا لا تتوافر مقومات اقتصادية كافية لاستقرار هذه الكانتونات الكردية الثلاث خارج سورية. ورابعا لا تزال تعد تركيا إي انفصال لأكراد سورية خط احمر لن تسمح بتجاوزه. وخامساً، وهذا مهم جداً، لا يقبل أحد من العرب السوريين وهم يشكلون نحو تسعين في المائة من عدد سكان سورية بانفصال الأكراد. في إطار هذه المعطيات الواقعية يبقى جواب وحيد ممكن لسؤال المسألة الكردية السورية، وهو العمل مع بقية مكونات الشعب السوري لإنشاء دولة ديمقراطية على أساس مبدأ المواطنة، تتيح لجميع مكوناتها نوعاً من إدارة شؤونها الاجتماعية والثقافية بنفسها. بغير ذلك سوف يظل السؤال الكردي مفتوحا على إجابات عسكرية لا مصلحة لأحد فيها، وفي مقدمتهم الكرد السوريون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلة المراسل 01-06-2024 • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حزب الله يعلن قصف بلدتين في شمال إسرائيل وسط تصعيد متواصل




.. تصعيد بجنوب لبنان.. مسيّرات وصواريخ حزب الله تشعل حرائق في ا


.. الانقسام الداخلي في إسرائيل يتفاقم.. ماذا تعني تهديدات بن غف




.. تصاعد المعركة المالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين يهدد بان