الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حجتان واهيتان لتأييد الحرب الأميركية

منير شفيق

2003 / 1 / 8
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 
ليس هنالك من مشجع لإدارة جورج دبليو بوش على شن الحرب ضد العراق أكثر من القول: ما دامت أميركا مصممة عليها, وما من قوة تستطيع منعها, فالعقلانية والواقعية تقتضيان عدم معارضتها, بل ايجاد مكان, أو دور, لك, بشكل أو آخر, في مدارها.

هذا المنطق ينطبق, بالضرورة, على أية حرب تشنها أميركا لاحقاً ضد أي بلد آخر (ما فتئت مصممة عليها ولا تستطيع قوة منعها). ومن ثم لا بد له من أن يسحب نفسه على قراءة التاريخ يوم واجهت الأمة قوى خارجية, مثل التتار وحروب الفرنجة والاستعمار. وقد غزتها واحتلتها وما كان لها من دافعة في حينه. وبهذا تكون العقلانية والواقعية نصيب من تعاونوا مع الغزاة وصالحوهم, ويغدو المقاومون سواء كانوا من رفضوا الغزو ودانوه أم الذين ضحوا بحياتهم في مقاومته, قد (ضلّوا) عن الموقف الواقعي والعقلاني.

ثم لماذا لا يفرض هذا المنطق نفسه على الموقف من كل واقع قائم مكّن لنفسه بالقوة والقمع, ولم يكن بمقدور أحد, في حينه, أن يردعه, وقد كثر من أخذوا به في الماضي ويأخذون به في الحاضر, ولم يكن رأي التاريخ والأمة فيهم حميداً حتى يومنا هذا, عكس الذين لم يأخذوا به?

بعض الذين يتبنون اليوم هذا المنطق في قراءة العدوان الأميركي على العراق سيفزعون من أن يعمم على حالات قادمة, أو أخرى سابقة, أو ربما على أنفسهم بعد حين, أو عندما اختاروا المعارضة ودفع الثمن الغالي بعيداً من منطق التسليم لحكم القوى وتصميمه.

القضية, بخلاصة سريعة: إنها مجاراة العدوان, أو عدم معارضته, ما دام قادراً ومصمماً, وفاعلها على أية حال. وذلك بغض النظر عن الأهداف التي يسعى إليها حامل السيف, أو النتائج المترتبة, الأمر الذي يضعفها (حجة) حتى الفضيحة المبدئية والتاريخية, فضلاً عن اشكاليتها الاخلاقية على المستويين الفردي والجماعي.

ثمة حجة أخرى, من بين حجج واهية كثيرة, راحت تروّج, أو تسوّغ, التعاون مع أميركا, والانحناء لإدارتها, تعتمد على (تسويد) أو (تغطيس) الجميع مع صاحبها, بلا استثناء. فالكل (متهالك تحت أقدام أميركا) من الدول العربية إلى الدول الكبرى. فمن لم يركع بعد, سيركع غداً أو هو راكع في السر. هذا المنطق, بايجاز, يقول: (ما أفعله يفعله الآخرون كلهم, فلماذا أكون (البطل) الوحيد في هذا العالم), أو (كيف يُمنع عليّ وحدي الأكل من تلك الشجرة المحرمة). وهذا ما يفعله, على نطاق أضيق كل فاسد, إذ يعمد إلى التأكيد بأن الكل فاسدون. فاشاعة أخبار انتشار الرشوة, مثلاً, وإلقاء شبهتها على الجميع, ربما كان شرطاً نفسياً ضرورياً للتوازن الداخلي في الأفراد. لكن الظاهرة موضوع البحث بُعدها سياسي وفكري.

ومن هنا فإن الحجة التي سُوّغ من خلالها السير في المعية الأميركية, خصوصاً, مع الإدارة الحالية والعلاقة الأميركية - الإسرائيلية الجارية, وأمام رأي عام مستنكر وغاضب, تتمثل في وضع الجميع في سلة الاستسلام والتعاون مع أميركا. ومن لم تقم عليه بيّنة مقنعة سُحب إلى ظلام المعلومات السرية والخفايا. وقد يتهم, أيضاً, بالافتقار إلى الشجاعة والصراحة عكس (الداعي) الذي يفتخر بأن (سره وعلنه واحد), ويتباهى بميزة الجهر بالسوء ويسميها (شفافية), وقد نسي قاعدتي (لا يسوّغ الخطأ بخطأ مثله), وان (حكم الجهر بالفاحشة أشد من ارتكابها).

على أن نقطة القوة في هذه الحجة أن هنالك, للأسف, من يشاركها التحليل نفسه للأوضاع العربية والعالمية, ممن هم في (الخنادق) المقابلة. صحيح أن ثمة حالة ضعف شديد عربياً رسمياً, على تفاوت بالضرورة, في مواجهة العدوان, أو حتى الدفاع عن النفس, أو التجرؤ على عقد قمة عربية طارئة لاصدار بيان قوي واظهار تضامن جماعي ازاء فلسطين وضد الحرب, وما يشهر من حملات إعلامية أميركية - صهيونية على الأنظمة والمجتمعات العربية. ولكن ليس صحيحاً أن الجميع مستسلم, أو الكل قابل بدعم العدوان الأميركي, أو الوقوف إلى جانبه. وهذه مسألة وإن لم تكن كافية وليست على مستوى المواجهة السياسية المطلوبة, بل تستدعي أن تمارس الضغوط على الموقف العربي الرسمي العام من أجل رفع سقفه, إلا أنها ليست قليلة الأهمية أو بلا أثر يذكر. فأميركا منها غاضبة ومنزعجة بلا شك, ولهذا يخطئ من لا يفرق, عن جهل أو تعمد, بين عدم الموافقة والاستسلام, أو بين معارضة الحرب وتقديم التسهيلات لها. ومن ثم يعتبر كل ما هو دون التصدي والمناطحة, أو ما هو دون طموح الجماهير, في منزلة واحدة. فتوضع كل المواقف في حوض ماء آسن واحد ويغطّس الجميع فيه بلا تمييز. وكل ذلك لحساب أميركا عملياً, وبصورة عامة, وربما جزئياً في مصلحة بعض الصراعات العربية - العربية. ويكفي أن يُسأل لماذا تهدد أميركا الوضع العربي كله وليس العراق وحده, ان كان قد سقط بين أيديها منذ زمن وأصبح أداة طيّعة تأمره فيطيع?

هذا التحليل للوضع العربي يُقدم مثله للوضع العالمي. فكون الدول الكبرى عاجزة عن مواجهة أميركا بالصواريخ, أو الدخول معها في مناطحة كسر عظم سياسية واقتصادية, وكونها تعارض الحرب على العراق من دون فعل رادع, فإنها, برأيهم, مستسلمة, وفي حال خضوع تام. بل مؤيدة, أو ستؤيد, بعد بدء العمليات العسكرية.

وإذا بدا هذا التقدير مغالياً في نكرانه لوجود معارضة وممانعة, فالحل في التقليل من شأنه حتى منزلة الصفر. وبديهي أن هذا النهج في التحليل ليس خاطئاً فحسب, وإنما أيضاً, يساعد من حيث لا يدري في اشاعة الهزيمة. مما يوجب اعطاء المعارضة والممانعة حجمهما, بلا مبالغة ومدائح, ثم الاستدارة إلى التركيز على ما تعاني منه الإدارة الأميركية داخلياً وخارجياً من نقاط ضعف متعددة الأوجه, من تخبط في سياساتها إلى حد العجرفة العارمة, وذلك كي تفتح آفاق الممكن أمام الضغط لرفع السقف العربي, بل التشجيع على التضامن في الاعتراض على الحرب, الأمر الذي تحتاج إليه أوروبا وروسيا والصين ودول العالم الثالث.

العربي ليس وحده يحتاج إلى مواقف أوروبية وروسية وصينية تسنده, فهذه محتاجة أيضاً, إلى موقف عربي متضامن يعزز موقفها. وهذا مجال في التأثير في الوضع الدولي يستحق أن يُتَفكر به. وهكذا قد يتحقق تجميع كلمة (الضعفاء) و(العاجزين), موضوعياً, في ظل قراءة صحيحة للوضع العام تصب في الاتجاه المعاكس لتوجه الذي يريد اشاعة الهزيمة بين الجميع. ومن هنا يزعم هذا التحليل, أولاً, انه أقرب انطباقاً على الواقع. ويفترض ثانياً, أنه يفتح آفاقاً أمام رفع سقوف المعارضة للحرب, ويخدم الضغوط الشعبية في هذا الاتجاه. ويدعي, ثالثاً, أنه ضرورة لمعركة الشعب الفلسطيني, وللمقاومة في جنوب لبنان, وللحركة الشعبية بعامةٍ من أجل استنهاض يلوح فيه أفق النجاح.
الحياة(5/1/2003 )

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد