الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المطلوب قبل فوات الأوان

بدر الدين شنن

2015 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أن تخلت قوى معارضة عن السياسة في عملية التغيير في البلاد ، ولجأت إلى السلاح ، انتقلت الأزمة السورية من أزمة سياسية إلى أزمة حربية . ومنذئذ لم يعد الحل السياسي للأزمة وارداً ، وإنما الحسم العسكري أولاً . وبدأ الرهان على نتائج الحرب لتحقيق التغيير . وراح جميع القوى تستعد للاشتراك بحصاد ثمارها .

وسنة بعد سنة .. وبعد اتضاح سيطرة قوى الإ رهاب الدولي على الحركة الميدانية المسلحة ، واتضاح هيمنة الخارج الاستعماري والعربي الرجعي ، على مسار ، وقرار ، وقيادة ، ومصادر قوى " المعارضة في هذه الحرب ، تلاشت المعارضة السياسية التقليدية عملياً وواقعياً ، وفقدت صلاحياتها ـ ومشروعيتها ، وسقطت الأهداف التي كانت تطرحها سابقاً خلال عقود متتالية . ولم يبق لها سوى التعبير عن وجودها المادي من خلال التصريحات والبيانات ، والتجاذب الكلامي فيما بين فصائلها ، وفيما بينا وبين قوى الحكم . بمعنى أنها لم تنسجم مع استحقاقات الواقع الجديد ، الذي يتطلب سياسات ، وممارسات ، واصطفا فات جديدة ، وقد تعاطت معها القوى المعارضة المسلحة بفوقية وعدم مراعاة لما تقوم به ، إلاّ إذا كان ذلك يمكن توظيفه في حربها الإعلامية والنفسية الشقيقة التوأم لحربها المسلحة . واستقر استمرارها المادي ، عبر اللقاءات ، وحضور المؤتمرات ، وعبر تداول الآراء في الحوار المتاح ، وكذلك بالتنقل بين العواصم الدولية ذات الصلة ، والحضور الإعلامي الفضائي .
مستبعدة تماماً ، رغم عجز الحوار ، والتفاوض ، طرحاً آخر اً ، أكثر جدوى في البحث عن حلول حاسمة حقاً ، وهو البحث الجدي في التحالف العريض ، دون شروط مسبقة ، بين كافة القوة الملتزمة بصدق ، قولاً ، وفعلاً ، وميدانياً ، بوقف الحرب وتحرير البلاد من قوى الإرهاب الدولي ، وإعادة بنائه وفق برنامج ديمقراطي نزيه وعادل .
ومستبعدة حتى مجرد التفكير ، بأن المعارضات في مختلف البلدان ، عندما يتعرض الوطن للعدوان والحرب عليه ، تنتقل من وضع المعارضة ، إلى وضع التحالف مع كافة القوى التي تتحمل مسؤولية الدفاع عن الوطن ، بل وتدخل في حكومة وحدة وطنية معها.
ومستبعدة أيضاً في الوقت عينه ، أن مجرد اجتياز عتبة الشعور بالمسؤولية الوطنية المشتركة .. نحو التحالف .. يشكل بحد ذاته نصف الطريق إلى بناء الثقة ، وإلى تحقيق نصف الشروط المشروعة ، لاسيما التي تدعم مسار التحالف .. وتمهد الطريق عبر النقاش الديمقراطي .. لحلحلة الأمور المتبقية .

* * *

تؤكد المعطيات ، والممارسات ، في المشهد المعارض " السياسي " ، أن هناك قوى ، ومجموعات سياسية معارضة ، لاتزال من منطلق متوتر سابق ، استحالة اللقاء مع قوى الحكم ، في اللحظة السياسية الوطنية ، القائمة ، التي يتقرر فيها مصير الوطن ، لاتزال تتمسك بالتعارض التقليدي التصادمي المزمن لقوى الحكم التي تواجه مسؤوليات الدفاع عن البلاد ، رغم أنها تتألم ، وتشتكي ، وتدين الحرب .
ولاتزال قوى " معارضة " أخرى ، من منظور الرفض " الثوري " لكل ما هو قائم .. قبل الحرب .. وفي الحرب .. وبعدها .. على حد سواء ، واستبداله ببديل جذري مغاير ، رغم أنها تعايش وترى القوى الإرهابية المتوحشة المتخلفة ، تفرض نفسها البديل القادم ، وتراوح في الطروحات والتطلعات ، التي انطلقت بها ، مع حركة الشارع الاحتجاجية في أوائل 2011 " وتتمسك بمقولة أن تلك الحركة هي " ثورة " . وبالتالي تلزم نفسها ، بتوصيف مغلوط ، للتنظيمات الإرهابية ، بأنها أداة هذه " الثورة "

هل هذا مجرد خطأ سياسي .. أو نظري ، ذهب فيه البعض نحو اليمين ، وذهب البعض الآخر نحو التطرف ؟ .. هل يمكن التساهل مع هذا الخطأ ، على أن مرده حسن النية .. تقف خلفه .. أخطاء وجراح سنوات الجري العبثي وراء السلطة ، ومأساة تفكك اليسار ، التي دخلت في بنية الجزم بالتغيير .. أياً كان المسار .. وأياً كان البديل .. ومهما كان الثمن ؟ ..
لعل ما يقدم العزاء لهذه القوى في معاناتها .. أنه يسمح لها بالظهور بمظهر النضج السياسي والرؤية التاريخية الصائبة للبعض ، ويسمح للبعض الآخر بالتلفف برداء " الطهارة الثورية " والكارزمية .. والمصداقية " الثورية " .

أعتقد أن من متطلبات التسليم بحسن النوايا ، " والطهارة الثورية " .. الاستماع بإنصاف ، وواقعية ، واحترام , إلى صوت المواطن الذي يكابد أسوأ وأقذر الحروب .. المفعم ألماً .. ووطنية .. وثورية مبدئية صادقة .. الذي يصرخ بوجه كل القوى السياسية .. من بين خرائب التدمير.. ومخيمات التهجير .. وخنادق الحرب ضد الإرهاب .. كفى .. كفى .. كفى ..

نعم كفى .. لقد آن الأوان لإجراء مراجعة جادة عاجلة .. لما جرى في البلاد .. وما يجري .. من تما يزات متعارضة .. متخاصمة في الرأي .. ومن خلافات حول المصالح والسلطة .. التي صارت حطباً .. استخدمه عدو البلاد التقليدي والإرهابي الدولي .. لإحراقنا .. ولإحراق الوطن .

* * *

لقد وصلنا إلى مرحلة من عثرات السياسة .. وتنافر وتنابذ القوى السياسية ،، التي يعبر عنها تمزق صفوفها ، والتمسك بآ راء ، وخيارات ، غير منسجمة مع متطلبات الظروف الكارثية القائمة ـ مرحلة صار فيها الساسة عبئاً على الشعب ، بدلاً من أن يكونوا عوناً له للتخلص من أزماته ، والتصدي للمخاطر التي تهدده . وقد ظهر هذا الوضع البائس للسياسيين ، في ظروف الحرب أكثر سوءاً وأكثر ضرراً . إذ من غير المقبول أمام الضمير .. وأمام التاريخ ، أن تجري لقاءات ، ومؤتمرات بالعشرات ، على مدار أربع سنوات الحرب على البلاد ، التي جمعت أطيافاً سياسية متآلفة أو متنابذة .. أو مع قوى الحكم .. وجداول أعمالها تدور حول " إجراءات انتقال السلطة عبر" حكومة كاملة الصلاحيات " أو الشراكة المطلقة في السلطة .. فيما الحرب تسحق مئات الألوف ، وتشرد الملايين .. من أبناء الوطن .. وتدمر عمرانه .. وبناه التحتية .. وأوابده .. وحضارته .

ولذلك .. وبسبب الخلفيات المتعددة .. والارتباطات الخارجية المتنوعة .. والتخلف السياسي .. والجري وراء آفاق ومفاهيم " العولمة " الكونية المخادعة .. ’أسقط مفهوم التحالف الوطني الضرورة من بنية التكوين القيمي السياسي والأخلاقي .. ونشأ قسراً مفهوم الاندماج بالمنظومة الكونية بقيادة الولايات المتحدة .. ودفع الوطن الثمن من دمائه ووجوده .
وهكذا لم يعد الحوار الوطني أولاً .. وأهل الوطن أولاً .. في الاعتبار الحواري والعمل المشترك .. من أجل إيجاد جسور متينة بين القوى السياسية السورية .. صار الأجنبي هو أولاً . وكل يسمي الأجنبي .. التابع له .. أو المتحالف معه .. أو الذي يرتاح إليه .. صديقاً .. بل هو صديق عزيز لابد من التنسيق معه . أما التنسيق مع الشركاء في الوطن الواحد .. فهو مكروه .. ومفقود . وإذا حدثت مبادرة لتحريكه اضطراراً ، فهي مبادرة تحدث بواسطة الأجنبي .

السؤال الهام هنا : ماهي أسباب بؤس الساسة والسياسية في سوريا ، في وقت تمر فيه البلاد في أدق وأخطر مراحلها التاريخية والمصيرية ؟ .. هل هي نتيجة سياسة مركبة .. معقدة .. داخلية .. وخارجية . فرضت مفاجآتها ، وسرعتها ، ومضامينها ، على الوعي السياسي الجمعي السوري ، بثقل هو أكبر من طاقته واحتوائه والتعاطي المستقل معه ، فانكشف عجزه ، وفراغه من دينا ميا ته .. ومفاعيله الوطنية ؟

* * *

لاشك أن هناك تداعيات كبيرة جداً قد حدثت ، في مرحلة ما بعد الاستقلال 1946 ، صدمت الوعي السياسي الجمعي . وكان أهمها على المستوى الداخلي :
فشل أو إفشال الجيوش العربية في حماية فلسطين من الاحتلال الصهيوني 1948 . ثم كانت سلسلة الانقلابات العسكرية بخلفيات أجنبية ، التي قطعت المسار الديمقراطي بعد الاستقلال ما بين 1949 ـ 1954 . وكانت الصدمة أيضاً من خواء الوحدة القومية - السورية المصرية - من الديمقراطية 1958 - 1961 ، وعدم إطلاق الديمقراطية مع إطلاق الإجراءات الاجتماعية التقدمية ( التأميم ، الإصلاح الزراعي ) . ثم كانت صدمة ( الانفصال ) فصل سوريا عن مصر ، وإسقاط دولة الوحدة القومية 1961 ، وإلغاء ( التأميم والإصلاح الزراعي ) . والصدمة الأكثر إيلاماً كانت هزيمة حزيران 1967 ، واحتلال إسرائيل لأجزاء أخرى من أرض الوطن . ثم كانت صراعات حزب البعث الحاكم .. التي أضعفته وعوقت مضامينه ذات الصلة بالطموحات الاجتماعية والتحررية والقومية . وأنتجت بالمحصلة مصادرة السياسة ، وقيام معادلة ( نظام / معارضة ) تصادمية . أحدثت ضعفاً في الثقة بين الأطراف السياسية ، وفي المفاهيم القومية والوطنية . واعتبر مجمل هذه التداعيات فشل للنماذج الوطنية والقومية . ما أدى إلى الانكفاء .. واللجوء إلى البنى الطائفية ، والقبلية ، والعرقية .

وقد وازاها بالأهمية ، ما حدث من تداعيات خارجية لاحقاً ، كانت أشد خطورة . وهي :
انهيار وتفكك النظام الدولي ، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، واختلال موازين القوى الدولية ، واستحواذ أمريكا على القطبية الدولية الأحادية والهيمنة على العالم ، وانفلات العدوانية الإمبريالية ، ومن ثم انتشار الإرهاب الدولي على نطاق واسع في مختلف البلدان ، وخاصة في بلدان المشرق العربي وشمال إفريقيا وجوارها الغني بمصادر الطاقة ، والجيوسياسية ، ما أدى إلى انهيار أعمدة الأمن ، والسلام ، والثقة ، والمنطق ، والعدالة ، وإلى الخضوع لأوهام " العولمة " الأمريكية ، والتسليم بأبدية الاستغلال ، والسيطرة على الشعوب .

وقد شكلت التداعيات الداخلية والانهيار الدولي ، دفعاً مهيناً للتردي الداخلي على المستوى الديمقراطي ، والوطني ، والقومي ، والقيمي . وكلاهما فتحا في المجال ، لتدفق جيوش الإرهاب الدولي ، التي هي بمثابة جيوش برية للدول الإمبريالية ، على نطاق عالمي غير محدود ، والتي استباحت الأوطان والشعوب ، وحقوق الإنسان .. في الحياة .. وفي الكرامة .. وتقرير المصير . وكلاهما أيضاً شكلا ساعة الحقيقة لكل القوى السياسية , لكل إنسان في البلاد .. التي تعني الوطنية .. والحرية .. والحياة الكريمة . والتي تطرح السؤال :
هل يمكن قبول استمرار ، كل أشكال العدوان الخارجي ، ورأس حربته الإرهاب الدولي ، الذي أوصلنا إلى هذا الهوان .. والاحتقار .. والسقوط في قاع العار ؟ أم أن على جميع السوريين أن يتوحدوا ، وينتفضوا ، ويعتصموا بحبل الوطن .. والوطنية .. وبحبل إنسانيتهم وكرامتهم ووجودهم ؟ ..
وهنا لابد من كلمة تقال .. إن قل الأصدقاء أو كثروا .. ليس غير الشعب السوري هو القادر على صون وطنه ورد العدوان عنه . لاسيما وأن الحرب تزداد تعقيداً .. والأعداء يزدادون مكراً .. وعدداً .. وشراسة . والمساومات ، والصفقات ، الدولية المريبة ، تتعدد وتتنوع .
لم يعد هناك .. منذ أن سيطرت سطوة الحرب ، وجرائم ووحشية الحرب على كل شيء ، مجال لخيارات متعددة ، بحاجة لمؤتمرات .. ومداولات في عواصم الآخرين ، للتوصل إلى الخيار الجامع .
لم يعد هناك وقت لممارسة سياسة الإقصاء مع الحفاظ على الوطن ، والتمتع بامتيازات السلطة . ا
الخيار الوطني الصادق الأول والأخير الآن .. والمكان الوحيد للتوصل إليه .. وإعلانه .. وتطبيقه .. هو الوطن .
بدون الوطن .. ليس هناك ديمقراطية .. وليس هناك مكان لممارسة الطقوس " الثورية " .. ولا تناسل لثقافات وأفكار .. ولا إصلاحات .. فقط مع ضمان وجود الوطن .. توجد الفرص لتحقيق هذه الرؤية أو تلك .. هذه الطروحات " الثورية " أو تلك .. وكل ذلك يمكن أن يتحقق عبر الآليات الديمقراطية .
إن فهم هذا المركب لمفهوم الوطن ، في ساعة الحقيقة .. يساعد على توضيح ، لماذا ولى زمن التفاوض .. وزمن الحوار .. والتأجيل .. والتلاعب والتسويف .. والتقا فز من بلد إلى بلد آخر .. ومن فندق إلى آخر .. فيما ينتشر التدمير .. ويتزايد التهجير .. وتتوسع بحيرات الدم .
الإخلاص للبرامج والشعارات الحزبية والفئوية ، الإصلاحية ، والجذرية ، المقصود بها خير الوطن .. لا تحتاج إلى كثير عناء .. والحيرة في اختيار أمكنة للنقاش ، إنها تحتاج أولاً إلى وطن تتحقق فيه . وحين نفقد الوطن .. نفقد كل ما نؤمن به .. وكل ما نطرحه .. ونعارض .. ونتشرد من أجله . بل ويصبح كل ذلك هباء منثوراً .. تستقر بعض ذراته على ظهورنا إن أدرناها الآن للوطن .

ومن أجل ألا يحصل ذلك ، ينبغي أن ندرك ، الفرق بين الحوار ، والتفاوض ، قبل الحرب .. والتحالف بعد قيام الحرب التي دقت بوجوهنا ساعة الحقيقة . ونعرف لماذا فشل التفاوض ، والحوار ، ولماذا علينا ألاّ نسمح بفشل التحالف . لأن التفاوض أو الحوار باختصار شديد ، هو عملية عابر ة ، يلتقي فيها طرفان مختلفان أو متعا ديان ، وبعد اللقاء يذهب كل في طريق . أما التحالف فهو عمل يجمع الأطراف الحاملة للنوايا الحسنة الإيجابية المسبقة ، في خندق واحد .. في فريق واحد .. من أجل هدف واحد .. هو فوق كل الأطراف .. ومقدس عند كل الأطراف .. وهو الوطن .

وهذا يفضي بكل تأكيد ، إلى إعادة وتعزيز الاعتبار للأطراف المشاركة .. ولذاتنا وذاتهم الإنسانية ، التي تهدرها " العولمة " الأمريكية ، وقوى الإرهاب الدولي . ولإعادة الاعتبار لقيمنا الوطنية والقومية .. ويوحد الإرادات .. لتحرير الوطن من الإرهاب الدولي .. ولإعادة بنائه .. بالحب .. والتآخي .. والحرية .

إن ما هو مطلوب الآن .. قبل فوات الأوان .. هو إقامة تحالف وطني عريض .. يضم كل القوى الوطنية السورية .. التي تتصدى .. وترفض .. لعدوان الإرهاب الدولي .. وهو الشكل والمضمون للاعتصام الصادق بحبل الوطن .. وبالقيم الوطنية ، والقومية ، وبإنسانيتنا .. وكرامتنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 10 سنوات من الحرب.. أطفال اليمن، أجيال مهددة بالضياع!


.. ماكرون يقامر بانتخابات مبكرة... هل يتكرر سيناريو ديغول أم شي




.. فرنسا: متى حُلّت الجمعية الوطنية في تاريخ الجمهورية الخامسة


.. مجلس الحرب الإسرائيلي.. دوره ومهماته | #الظهيرة




.. هزة داخلية إسرائيلية.. وحراك أميركي لتحقيق الهدنة | #الظهيرة