الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق الشعب تنتصر

فريد جلَو

2015 / 8 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عام 1977 ابلغني الشهيد خالد يوسف متي ( ممثل الحزب الشيوعي في كلية الادارة والاقتصاد - جامعة بغداد ) بقرار عدم ادخال طريق الشعب للكليات والمعاهد .
كانت اجابتي اني غير ملزم بالقرار لكوني غير مرتبط بمنظمتكم .
كنت أغلي كمرجل يكاد ينفجر , والحماسة الثورية والرموز اليسارية كانت حاضرة أمامي , لذا قررت ادخال طريق الشعب الى الكلية ولكن بأي وسيلة وهم يفتشون حتى حقائب الطالبات في الباب ؟ ولمعت فكرة ادخال الجريدة في بطانة الجاكيت , وفعلا نزلت في محطة باب المعظم وأخذت الصفحة الاولى من الجريدة فقط لأطويها وأدسها في البطانة .
بالصدفة كانت الجريدة في الجهة اليسرى من الجاكيت وتغطي القلب , وفي الطريق الى الكلية كنت اتحسسها بين الفينة والاخرى وكان يتسلل الى يدي نبضات قلبي التي كانت شبه مستقرة .
كانت مفاجأة للجميع ان أفتح الصفحة الأولى وأنظر الى قطعان البعث والاتحاد الوطني ( اتحاد طلابي بعثي ) وهم ينظرون بنظرات خائبة يملؤها الحقد .
لم يكن البعثيون وحدهم الذين يراقبوني بل كثير من الطلبة بينهم الشيوعيين والديمقراطيين .
لا أتذكر الوقت الذي استغرقه الهدوء الذي يسبق العاصفة , رأيت خمسة من مفتولي العضلات يحيطون بي ويحاولون سحب الجريدة مني , ولكني تمسكت بها ثم فقدت الوعي , لأجد نفسي في غرفة الأتحاد الوطني وزمرة سكرتاريته تحيط بي , أحدهم يقدم لي كأس ماء لأشربه والاخر يحاول غسل وجهي ورئيسهم يقدم لي سيكارة وكوب شاي , طبعا رفضتها جميعا .
طرق شديد على باب الغرفة المقفولة مما اضطرهم الى فتحها , نهضت لأخرج مسرعا رغم آلامي المبرحة لأجد حشدا كبيرا من الطلاب والطالبات في باب الغرفة لا أعرف أغلبهم , واخترق الصفوف رفيقي الشهيد ضرغام موسى , ليحتضنني ويطلب مني الخروج معه من الكلية بسرعة .
كنت أتحسس جسمي , وعندما وصلت الى فروة الرأس لم أجد جزءا كبيرا من الشعر .
الشهيد ضرغام يصف لي الحدث كشاهد عيان اذ تم ضربي بشدة على رأسي من الخلف فأغمي عليَ , ثم سحلوني من شعري الى غرفة الأتحاد , وقد تبرعت صديقة سكرتير الأتحاد لتبرر ان ما حدث رد فعل على تحرشي بها فوجدت من يتصدى لها وأمام الطلبة ليجعلها تنكفأ بعيدا , والذين كانوا يطرقون الباب هم طلبة مستقلون في أغلبهم لأخراجي .
كان اللقاء مثيرا مع احد الرفاق الذي قابلنا في مقر اللجنة المركزية , فبعد لوم على تصرفي ورد فعل أقوى تملكني , ذهب هذا الرفيق ليغيب في البناية لوقت ليس بقصير طالبا منَا الانتظار .
عاد الرفيق ليبلغني بضرورة استمراري في الدوام في اليوم الثاني وتخويلي حرية التصرف بأدخال الجريدة او عدمها , مع الظهور بأفضل مظهر ممكن من الأناقة , كما طلب مني تقديم شكوى مكتوبة الى الجبهة الوطنية وسكرتير الأتحاد الوطني ( محمد دبدب ) , وفي الوقت نفسه طلب من ضرغام اصطحابي الى الرفيق الشهيد الدكتور ( قتيبة الشيخ نوري ) لفحصي .
في الصباح التالي كنت متهيئا للذهاب الى الجبهة الوطنية وهناك استفسر أحدهم عن سبب الزيارة , وعندها قادني الى غرفة الرفيق الشهيد (صباح الدرة ) .
استقبلني الشهيد بدماثته المعهودة , ووعد بأجراء تحقيق وكلانا لم يكشف عن علاقة اجتماعية تربطنا , ثم ذهبت الى الكلية القريبة من مقر الجبهة لأدخلها وانا متأبطا طريق الشعب مع اللفيكس ( اللفيكس هو حاوية اوراق كان يستخدمها طلاب الجامعات ) , ودخلت الكلية بسلام وكالعادة جلست في النادي وفتحت الجريدة لأقرأها كاملة هذه المرة وانا أشعر ان طريق الشعب قد انتصرت على الفاشست , وكما تعودت تركتها على الطاولة ليقرأها غيري من الطلاب .
بشائر انتصار طريق الشعب جاءت في نفس اليوم الذي تم فيه الأعتداء , ففي ذلك اليوم عدت الى البيت متأخرا لأجد العائلة تنتظرني على أحر من الجمر بقلق شديد , فقد سبقتني شقيقتي بالعودة مبكرة من كلية الزراعة لتخبر العائلة عمَا حدث أذ كانت هناك اتصالات هاتفية بين سكرتاريات الاتحاد الوطني حول الموضوع , وطبعا بحكم كونها عضوة في سكرتارية كليتها علمت بالخبر , ثم شقيقي الذي كان في مقر الحزب آنذاك وأخبِر بالحدث وكان رد فعله مشابه لرد فعلي على الاتهامات التي وجهت لي , ليجد الحدث في اليوم التالي يتداوله طلبة الجامعة المستنصرية .
بعد انتهاء الدوام في الكلية في اليوم التالي ,ذهبت الى مقر سكرتارية الأتحاد الوطني التي كانت قريبة ايضا من كليتنا , بعد ان تجاوزت عقبة الأستعلامات أجلسوني في قاعة في الطابق الثالث بأنتظار مقابلة السكرتير ( محمد دبدب ) , وبعد مضي اكثر من ساعة عشت فيها في أجواء شبيهة بأجواء مقرات الأمن سيئة الصيت .
وضعت الشكوى أمام ( دبدب ) , طبعا لم يقرأها ودخل في حوار مباشر معي : انت شيوعي ولدينا تقارير موثقة عن نشاطك , فأنكرت ذلك وطلبت منه ان يقابلني بأي شخص او وثيقة تدينني , فتنحى عن ذلك الموقف ليساومني : مجرد انتمائك للاتحاد الوطني لما تبقى من السنة اوقع لك الان على وثيقة لبعثة الى اي دولة تختار لدراسة الهندسة التي أعلم انها رغبتك , حضر أمامي في تلك اللحظة كل المساومات التي جرت مع الرفاق الخالدين : فهد وسلام عادل وآخرين لتسقيطهم مقابل العفو عنهم , ووجدت ان هذه المساومة رخيصة جدا خصوصا ان حياتي في تلك اللحظة ليست في خطر , وطبعا كان ردي الرفض مهما كانت المغريات .
المواجهة الأخيرة كانت مع مسؤولي الحزبي في الكرخ المركز , فبعد اجتماع عاصف أدانني بخرق توجيهات الحزب ولكني كنت متمسكا بصحة موقفي , وحينذاك ابلغني بتجميد عضويتي, لم يفوتني سوى اجتماع واحد لمنظمتي اذ اتصل بي رفيق جديد ليبلغني بألغاء التجميد وضرورة حضوري الأجتماع القادم .
كان الأتصال الهاتفي من مسؤولي الجديد الأنتصار النهائي لطريق الشعب الذي يجب أن يُهدى الى الحزب وكوادر جريدته والى الطلبة المستقلين والرفاق الذين آزروني في ذلك الموقف وخصوصا الرفيق الشهيد ضرغام موسى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التوثيق
د.قاسم الجلبي ( 2015 / 8 / 6 - 12:12 )
العزيز جلو , ذكريات الماضي في سنين الدراسه لها طعم خاص , الجميله منها والمؤلمه ايضا علينا جميعا ان نوثق هذه المأثر الى اجيالنا القادمه ليقرؤها وسيتفادوا منها , ان قرأه تاريخ شعب العراق من خلال هذه الكتابات وغيرها تعكس نضالات الشعب العراقي ضد الآنظمه الديكتاتوريه وخصوصا حزب البعث الذي غير التاريخ الحديث وجعله مسخا هزيلا, المفروض ياسيدي ان ترسل كل هذه الذكريات الى ارشيف جريده طريق الشعب حاليا للمحافظه عليها من النسيان مع بقيه الذكريات الوطنيه الآخرى مع التقدير

اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة