الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن الفقير

عدنان حسين أحمد

2015 / 8 / 6
الادب والفن


قبل الخوض في موضوع "الفن الفقير Poor Art لابد لنا من توضيح الفرق الدقيق بين مصطلحي الفن الحديث Modern Art و "الفن المعاصر" Contemporary Art وهو فرق زمني يتقدم في أهميته على الفروقات الجوهرية الأخرى التي تتعلق بالأشكال والمضامين وما تنطوي عليه من مقاربات جمالية ورؤىً فنية. فالفن الحديث يبدأ زمنياً من ستينات القرن التاسع عشر ويمتد حتى سبعينات القرن العشرين ومن أبرز رموزه فان كوخ، بول سيزان، غوغان، جورج سورا، هنري تولوز لوتريك، ثم إطلالة العملاقين الكبيرين بابلو بيكاسو وجورج براك، ومن المفيد هنا أن نشير إلى الرسوم التكعيبية الأولى لبيكاسو التي تقول بأن "كل ما في الطبيعة يمكن أن نرسمة بثلاثة أشكال هندسية هي المكعّب والدائرة والمخروط"، كما أن "نساء آفينون" 1907، اللوحة التي حظيت بكثير من الشهرة والإعجاب هي لوحة تكعيبية بامتياز والتي صوّر فيها خمس مومسات تحمل معالمهن آثار من الأقنعة القبلية الأفريقية، هذا إضافة إلى نفَسه التكعيبي الجديد الذي بدأ يترسّخ في أعماله الفنية التي هيمنت على الذاكرة الجمعية لمحبي الفن التشكيلي طوال قرن من الزمان.
لم يتوقف الفن الحديث عند هذه الأسماء البرّاقة أصلاً ولكنه امتدّ إلى عشرات ومئات الأسماء الإبداعية المُبتكِرة التي جاءت بأشياء جديدة غير مطروقة من قبل لعل أبرزهم إيغون شيله، إدوارد مونك، مارك شاغال، كازامير ماليفتش، فاسيلي كاندنسكي وقائمة طويله من الفنانين المبدعين الذي أغنوا الثقافة البصرية في العالم برمته.
أما الفن المعاصر فيمتد من سبعينات القرن العشرين وحتى الوقت الراهن، ومثلما اكتظ الفن الحديث بحركات فنية عديدة يعرفها المتابعون جيداً، فضلاً عن الفنانين الكبار الذين ذكرنا بعضهم قبل قليل فإن الفن المعاصر له حركاته الفنية، وصرعاته، ورموزه الكبار ويكفي أن نشير هنا إلى الفن المفاهيمي، والمنيمالزم، والفن الفقير، وفن الأداء، وفن البيئة، والأعمال التركيبية "الانستليشن" وفن الجسد والبوب آرت وما إلى ذلك.
لابد من الإشارة إلى فرق جوهري مفاده أن الفن الحديث كان ميّالاً إلى سرد الثيمة مع درجة محددة من التعويل على رسالتها الفنية وخطابها الجمالي، أما الفن المعاصر فهو أميل إلى التجريد من كل ما يثقل العمل الفني بعناصر إضافية لهذا ظهرت المنيمالزم التي اختصرت الموضوع واستقطرته ولم تأخذ منه إلاّ زبدته وخلاصته ولا غروَ في أن يُطلقون عليه بفن ما بعد الحداثة والفن الفقير هو نمط من هذه الفنون المابعد حداثية وإن كانت تربطه مع الفن الحديث بعض الخيوط الخفية التي لا نستطيع أن ننكرها أو نغض الطرف عنها.
نسف القيم القديمة
نشأت حركة الفن الفقير بين عامي 1967 و 1972 في عدة مدن إيطالية وهي تورينو، ميلانو، روما، جنوا، فينيسيا، نابولي وبولونيا. وقد صاغ هذا المصطلح الناقد الفني الإيطالي جيرمانو سيلانت خلال سنوات الفورة والجيشان في أواخر ستينات القرن الماضي حين اتخذ الفنانون الإيطاليون مواقف راديكالية متطرفة مهاجمين فيها القيم التي رسختها الدولة ووجدت طريقها إلى المشهد الثقافي الإيطالي.
يعتبر معرض "فضاء الأفكار" الذي تبناه الناقد جيرمانو سيلانت في سبتمبر 1967 هو البداية الرسمية للفن الفقير لأن ما تضمنه هذا المعرض والمعرض اللاحق عام 1968 من أعمال فنية غطى مساحة واسعة من عناصر الفن الفقير. ثم تلاه بعد مدة صدور كتاب إليكتا، ذائع الصيت، "تواريخ وزعماء" كي يروِّج لمفهوم الفن الثوري الذي ينسف القيم القديمة التي لم تعد تتناسب مع روح العصر ما بعد الحداثي.
يقترن الفن الفقير بعدد كبير من الفنانين الإيطاليين نذكر منهم جيوفاني أنسيلمو، أليغيرو بووَتي، لوشيانو فابرو، جانيس كونيليس "يوناني الأصل"، ماريزا ميرتز، جوزيتي بينوني ولوشيو فونتانا.
لقد استعمل غالبية الفنانين المُشار إليهم سلفاً أشياء مصنّعة كالأثاث المنزلي، والملابس الجديدة والمستعملة، والأشجار، والحيوانات، والطيور، والجسد البشري في مختلف تجلياته الأدائية في أثناء الرقص والغناء. كما استثمر مبدعو الفن الفقير الموضوعات اليومية العابرة التي وجدوها مفيدة ومعبرة. ووظفوا المكان والضوء والصوت والحركة والوقت واللغة وما إلى ذلك في مجمل أعمالهم الفنية. ولكي نحيط القارئ الكريم علماً بموضوعات الفن الفقير لابد لنا أن نتوقف قليلاً عن العمل الفني لمايكل أنجلو بستوليتو المعنون "فينوس الأسمال" وهو مقاربة دقيقة لتمثال فينوس، إلهة الحب والجمال والخصوبة، وقد وضعها بستوليتو أمام كدس كبير من الملابس المستعملة الملونة وأدار ظهرها للجمهور.
لقد عرض جانس كونيليس إشارات مرورية حقيقيةضمن أعماله الفنية. كما عرض ذات مرة طيوراً حية في قفص. وحين استشعر بردود الأفعال الطيبة عرض اثني عشر حصاناً حقيقياً في الغاليري وسط دهشة المتلقين الذين استحسنوا جرأته ثم وطّنوا أنفسهم على كل المواد غير المألوفة التي وجدت طريقها إلى معارضة الفنية المتتابعة.
أما الفنانة ماريزا ميرتز فقد عرضت عام 1966 عملها الفني "بلا عنوان" وهو يتألف من مجموعة أشرطة ألمنيوم لولبية رفيعة تتدلى من السقف وقد اقتنى هذا العمل متحف التيت في بريطانيا عام 2009. كما استعمل جوزيبي بينوني في لوحته ذائعة الصيت "الحياة المخبأة بالداخل" شجرة حفر منها أجزاء محددة كي يكشف عن مراحلها العمرية. أما أميليو بريني فقد أنجز أعمالاً فنية تتكئ على العلاقة بين اللغة والتجربة ومحاولة الإفادة من تفاعل المُشاهد مع العمل الفني الذي يتداخل فيه الصوت والضوء والصورة والنص المكتوب والحوار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر


.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى




.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا


.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح




.. انتظروا الموسم الرابع لمسابقة -فنى مبتكر- أكبر مسابقة في مصر