الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى رحيل المثقف الذي لا يحمل فكره ربطة عنق

عمر زغاري

2015 / 8 / 6
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


في ذكرى رحيل المثقف الذي لا يحمل فكره ربطة عنق
بقلم: عمر زغاري

في 22 ماي من عام1982 ، فقدت الحركة الديمقراطية والتقدمية، مناضلا فذا ومثقفا ألمعيا وأستاذا جامعيا بارزا. فمن الولايات المتحدة الأمريكية، معقل الأمبريالية ورأس رمح النظام الرأسمالي، شاع النبأ/ الفاجعة عبر قصاصة تعلن وفاة عزيز بلال في حريق بأحد فنادق شيكاغو، حيث كان يقيم ويقوم بواجبه كنائب لجماعة سيدي بليوط عين الذئاب وبمهمة إنجاز عملية توأمة الدار البيضاء وشيكاغو.
سنون مضت على هذا الحادث/ الفاجعة الملفوف بجملة من الملابسات والسيناريوهات المريبة، التي وإن كانت قد تكالبت في تغييبها القسري لمفكر اقتصادي عالم ثالثي في أوج عطاءاته وبحوثه العلمية، فإنها لم تتمكن من طمس معالم فكره الوقاد ومناهجه العلمية ومراجعه المعرفية في البحث والتحليل والدرس، حد أن صارالإقتصاد مع عزيز بلال حفريات في العوامل غير الإقتصادية في التنمية، وذلك على اعتبار أن البنيات الفوقية لاقتصاديات "العالم الثالث " تتخارج في صيرورتها ، لا بفعل جدلية علائقها بالبنيات التحتية من اقتصاد واجتماع بل وبفعل العوامل الزمنية لكل بنية على حدة وتقاطب أنماطها التي تطبع تشكيلتها الإجتماعية المركبة،حيث البنية الفوقية وسلطانها المادي هو العامل المحدد في مراكمة الثروة وخراج فوائض القيمة .
وهو الطرح الذي بلوره الدكتور سمير أمين في بحوثه حول أنماط الإنتاج وتراكم الرأسمال ، والتقطه عالم الإقتصاد الهندي ميرنال سن الحائز على جائزة نوبل في الإقتصاد في تسعينيات القرن الماضي في دراسته حول نمط الإنتاج الأسيوي ، وما خلصا إليه في بحوثهم ودراساتهم من كون السلطة هي التي تتحكم بالثروة على عكس المجتمعات الرأسمالية حيث الثروة هي التي تتحكم بالسلطة.
ومعلوم أن طروحات العوامل غير الإقتصادية في التنمية قد تصدرت جملة من الدراسات و البحوث المشتركة بين الإقتصادي الروسي بوبوف والفقيد عزيز بلال، الذي حال موته المفاجئ دون استكمال هذه البحوث ومقاربة الجواب حول إشكالاتها المركبة ومسارات تشكلها المعقد ، والتي صارت تعد، من قبل العديد من مدارس العلوم الإجتماعية والإنسانية المعاصرة، بعد تخصيص جائزة نوبل لها، إنجازا تاريخيا وحقلا معرفيا عصي على الحفر دون دربة وخبرة في البحث والتنقيب.
طروحات وحفريات في إشكالات التنمية لا كأرقام ومعطيات إحصائية فحسب ، بل كقضية مواطنة معترف وملتزم بها، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نتصور التنمية إلا إذا كان الناس معتزون بأنفسهم ككائنات بشرية تعيش بكرامة وليست أقل شأنا من أي كان ، أو إلا إذا استرجع الناس اعتزازهم بأنفسهم وكرامتهم في حال فقدانها وتم الاعتراف لهم بحقهم غير القابل للتصرف في تقرير مصيرهم
ونحن نستحضر ذكرى الفقيد عزيز بلال، لا يسعنا إلا أن نقر بشموخ هذا الرجل الذي تستنير أجيال من المناضلين والمهمومين بكافة حقول المعرفة في تحرر الإنسان من قهر الضرورات وبناء دولة الحريات والعدالة الإجتماعية وكرامة الإنسان، بفكره الثاقب وتحليلاته العميقة في تطارح البدائل التنموية على الأرضية التاريخية للتشكيلة الإجتماعية للمجتمع والدولة وبنياتها الطبقية وفي الإنتصار لأطروحة أن السياسة هي التعبير المكثف عن الإقتصاد.
فطوال حالات الإستثناء التي شهدها المغرب وتعطيل الحياة السياسية وعسكرة الجامعات ، ظل درس عزيز بلال حول سؤال الإقتصاد كعلم ،والسياسة كفن والثقافة كهوية ونمط حياة ، يستقطب الطلبة الجامعيين والباحثين من مختلف المشارب الفكرية و الإديولوجية ، وعدا عزيز بلال وأستاذ القانون الدستوري القدير المرحوم عبد الرحمن القادري، لم يكن ليجرأ أحد من الأساتذة الجامعيين على الإنتصاب في وجه كل اقتحام للحرم الجامعي بل وكل مس بالجامعة كحصن لحرية الفكر ولسلطان العقل.
فعديدون من طلبة السبعينات يتذكرون ندوة كاتدرالية حديقة الجامعة العربية الملحقة يومها بكلية الحقوق بالدار البيضاء ، والتي حاولت فيها بعض الأجهزة الأمنية استفزاز عزيز بلال حول دواعي وخلفيات مشاركته في نشاط منظم من قبل طلبة جبهويون ، فكان جوابه : لا يهمني من يكون هؤلاء في تقاريركم ، كل ما يهمني هو أنهم طلبتي ومن واجبي أن أكون هنا بينهم للتنادي وتطارح الأفكار على قاعدة الحق في الإختلاف ، ووحدها شجرة الحياة خضراء أبدا، وكان أن ارتفعت حناجر ما يزيد عن 400 طالب وطالبة من داخل القاعة وخارجها : بلال أستاذنا ..عزيز بلالنا..
لذا، فعيارالرجل وراهنية فكره اليوم، لن تفيه مناظرة حقه كمفكر متعدد الأبعاد، وكان من الأجدر بنا اليوم، ونحن في خضم تقييم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بإنجازاتها وإخفقاتها، أن نستحضر تعاليم عزيز بلال، فكرا وممارسة، والداعية لكرامة الإنسان كشرط محوري لتفجير طاقات الإنسان الكامنة والمعلنة في الخلق والإبداع وقهر التحديات، وبالتالي ولوج التنمية المستدامة من بابها الواسع.
ولعل هذا ما طبع حياة عزيز بلال أستاذ ومعلم جيل الأحلام الكبرى والمهام الجسام في بناء عزة الأوطان وكرامة الشعوب، حد أنه كان ينعت بالمثقف الذي لا تحمل ياقات قميصه ربطة عنق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة