الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتاجية الإبداعية أهم شروط الإصلاح

محمد سمير عبد السلام

2005 / 10 / 15
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي


محمد سمير عبد السلام كثر الحديث عن الديمقراطية و الإصلاح في الآونة الأخيرة لدى قطاع كبير من المثقفين بمختلف توجهاتهم الفكرية و أذكر منهم إدوارد سعيد أمين معلوف و نوال السعداوي و حسن حنفي و صلاح عيسى و مصطفى الفقي و جمال البنا و يحيى الرخاوي وغيرهم
ولكنني أرى أن كثيرا من خطابات الإصلاح و الديمقراطية اتخذ الطابع الكلي في التناول ، كما أنه لم ينبه – بشكل رئيسي – على ضرورة الإنتاجية الإبداعية التي تنتقل من اللغة إلى الواقع و تؤكد مفهوم الإبداع كطريقة في الوجود .
و أقدم في هذا المقال نقدا لنموذجين من خطابات الإصلاح يوضح المفهوم السابق:
أولا: واقعية النهضة و الإصلاح عند حسن حنفي :

كتب د حسن حنفي مقالا بعنوان .. كيف يفكر المثقف العربى ؟ " منشور بجريدة القاهرة / العدد 148 كشف فيه عن تناقضات المثقف العربي في بحثه عن مشروع يكون بديلاً – في وعيه – عن واقعه المأزوم ، ومن ثم تضاربت مواقفه بين سلفية تاريخية لا تفي بمتغيرات الواقع أو تقدمية تستبق الواقع العربى ولا تلائمه ، وتحول الفكر إلى معلومات متراكمة فى الذاكرة.
لقد وضع الدكتور حسن حنفى يده على مركز الأزمة فى تحليله الوضعى لعقل المثقف العربى ، ولكن أى التحام بالواقع الراهن هو المقصود ؟ ، ولماذا نعمم النظر إلى الواقع دون أن نضع فى حساباتنا الكوامن الإبداعية التى تزدوج دوماً بآليات التفكير العقلية وتحولها إلى قدرات إنتاجية شرط الالتفات إليها وعدم فصلها عن كلمة " الواقع الراهن " الفضفاضة بما يكفى ؟
جاء عنوان مقال الدكتور حسن حنفى " كيف يفكر المثقف العربي ؟ " فناقش أزمة المثقف بنقده لعملية التفكير نفسها ، وهو في سؤاله يطرح الأزمة وطرائق الخروج منها بوصف عملية التفكير مع احتمالات استبدالها بغيرها ، وهذه العملية التى توصف بنقد العقل ، أو تحول التفكير إلى الذات ، تمثل وقفات كبرى فى تاريخ الفلسفة والحداثة على وجه أخص ، مثلما فعل كل من كانط أو مارتن هيدجر ، وإن اختلفت الأهداف. أى أن إحلال نوع من التفكير محل آخر أو توجيه الفكر إلى مسار آخر ، فيه تكمن البدائل ومنها الالتحام بالواقع العملى كما يرى الدكتور حسن حنفى ، ومن هنا أطرح تساؤلاً آخر من داخل سؤاله " كيف يفكر .. ؟ " وهو هل يصلح الإبداع كآلية مواجهة عملية ؟
كان فصل الإبداع والنشاط الفنى عموماً عن الواقع تعسفياً لاختلاط الإبداع دوما بآليات التفكير النقدى والفلسفى ، وإن لم يعلن عن نفسه بهذه الصورة المختلطة إلا مؤخراً ، فليس النص مثلا – موضوعاً لقراءة المتعة أو لمجرد فهم النسق الذى يبحث عن المؤلف ، ولكنه تحويل لآليات عمل وتفكير المتلقى ، وإعادة نظر فى الوجود نفسه والمعرفة.
فالذاكرة بما يتراكم فيها من معلومات متضاربة تجعل موقف المثقف متناقضاً لا يحركها سوى الوعى الإبداعي بما فيها من معلومات ، ومن إنتاج المعلومة بواسطة آليات تفكير جديدة يندمج فيها النص والواقع وتحويل المعلومات إلى نتائج مؤثرة ، وأنبه أن هذه النتائج ولو كانت جزئية ، فقد أتت من ذات المثقف ، كما أنها لا تختلف كثيراً عن مفهوم الواقع نفسه ، فهو مجموعة لا متناهية من المواقف الجزئية المعقدة ، لا يمكن إصلاحه بصورة شاملة سريعة ، بهذه الصورة سيتغير النسق الفكرى للمثقف تبعاً لآليات إدراكه المبدعة ليلائم التطور دون التخلى عن تاريخه الأدبى فهو معلومات تعاد صياغتها بطريقة واقعية لا تنفى الأصل ولكنها تجتهد فيه.
والتراث العربى والحداثة الأدبية العربية مليئان بالنماذج التخيلية التى تصلح لإعادة النظر فى الواقع فمعلقة زهير بن ابى سلمى تتداخل مع الواقع المعاصر بما فيها من خبراته ونصائحه المبنية على التجربة الذاتية وتحولها إلى شعر موزون ، كذلك الأمر فى الشخصيات الروائية المعاصرة فالتساؤلات حول سكون وتأمل الصياد العجوز فى رواية صخب البحيرة لمحمد البساطى تتحول إلى بحث فى المجموعات البشرية المتفردة ، أو حالة المتلقى حينما يكون على هذه الشاكلة ، مثلما يتحول نموذج (عساف) فى رواية النهايات لعبد الرحمن منيف إلى بحث فى إشكالية الإبداع فى وقائع حياته المختلفة ، وأزمة الوجود فى فترات القحط ، ومازال الإبداع يحث التفكير ويحوله بعيداً عن الهيمنة والخضوع للأخر وثقافته.

ثانيا : إعلان القاهرة الثقافي .

من أهم ما ورد من نقاط إيجابية فى إعلان "القاهرة" الثقافى 2003م ، التأكيد على مبدأ حرية الفكر والإبداع ، وما يحويه من مضمون لا مركزى لتطور وبروز العملية الإبداعية فنياً وسياسياً وإعلامياً ، ثم عدم عزل الثقافة العربية عن عملية التلاقح والاندماج بالآخر ، دون تبعية أو انغلاق . ومثل هذه التوصيات تناهض محاولات تحديد أو قهر الإبداع والثقافة العربية على حد سواء ، أو اختزالها فى مضامين أيديولوجية مضادة للآخر أو تابعة له ، فالإبداع المتحرر من قسوة الخطاب ، هو الطريق الوحيد للدخول فى مرحلة ما بعد الكولونيالية أو الاستعمارية والامتزاج الثقافى العالمى الذى يحقق للثقافات الهامشية التأثير فى الأصل والتداخل معه ، بل واحتمالات استبداله من داخله . من هنا كان كشف الأستاذ/ صلاح عيسى فى مقاله "امسك حرامى …." المنشور فى (القاهرة)
عدد171 عن العبث الملازم لسيطرة أحادية الخطاب ، هو الوجه المجسد لتجاوز تلك الأزمة فى العقل العربى ، فقد علل الالتباس فى الفهم حول مؤتمر الثقافة ، بمحاولة البعض احتكار الصواب دون الآخرين . وأرى أن تلك الرغبة فى اختزال الآخر فى خطاب (ذاتى) ، تمثل اختزالاً للأنا فى الوقت نفسه فى حركة تناقض أساسية ، فالأنا يسخر من نفسه فى هذه العملية المعرفية المغلوطة ، لأن تبادل المواقع محتمل فى داخل هذه الحركة ، ومن ثم فانتقال الخطاب إلى الآخر – بهذه الكيفية الأحادية – ستصغر فيه الذات وتقصى إلى الهامش ، والنتيجة هى العبث الملازم لتعارضات الخطاب ، وهدم مفهوم الثقافة من داخل الحفاظ عليه.
وقد أظهر ميشيل فوكو أن التزييف فى مفهوم الحقيقة ينقذ شكل التعارض بين الحق والخطأ ، ويأتي نتيجة إنتاج المعرفة بواسطة الإرادة أو المصلحة أو الخطاب.()
الإبداع – إذن – هو الفعل الإيجابي على مستوى جزئي ، ويحقق الاختلاف على مستوى وجودى / مادى يقاوم الآلة العسكرية العقلية وغير العقلية على حد سواء ، وصورتها إلقاء التهم على الآخر كما لاحظ الأستاذ / صلاح عيسى.
أما الأستاذ / إبراهيم فتحى ، فهو مهموم بآليات التحكم المصاحبة للرأسمالية المعاصرة ، واختزالها لمفاهيم مثل (العولمة) و(الديمقراطية) و(الكوكبة) و(الثقافة) ، فى مقاله (ليبرالية الإمبرالية ، وديمقراطية العولمة) فى عدد القاهرة المشار إليه آنفاً. يناقش الأستاذ / إبراهيم فتحى الآثار السلبية لهذه المسألة ممثلة فى اصطفاء النخبة الاقتصادية وخلق الكيانات اللاشخصية ، وتقويض الحريات والثقافات الهامشية ، واحتكار المعلومة والسياسة والقانون ، وأرى أن هناك تساؤلات عديدة حول هذه التصورات ، فالطابع العالمى للمجتمع المعاصر ينطوى على فرض مركز يحتل موقع الاتجاهات السياسية القومية التى يدعى تجاوزها ويذكرنا هذا بحديث (بندكت أندرسون) عن الروابط القومية الكبرى المتخيلة فى المجتمعات المركزية الحضارية المختلفة عبر التاريخ ، والتى تتشابه مع الحركة السابقة من حيث إمكانية التفتيت (). من هنا كانت الحركات الجزئية أكثر فاعلية فى مقاومة قيم التبعية كما يرى الأستاذ / إبراهيم فتحى ، وأتفق معه فى هذه النقطة، ولكن فى حدود عدم إنتاج أيديولوجيا مضادة تسعى لاستبدال الأصل ، وإن كانت تتجاوزه بالممارسة الثقافية الإبداعية أو الفردية على نطاق جزئى إلى أقصى حد ، فالأممية الجديدة مثلا عن (جاك ديريدا) لا تتخذ شكلاً قومياً أو بروليتارياً ، ولكنها عبارة عن تحالفات لاتحكمها النزعات الشمولية () ، لقد كان أمام النزعات المتجاوزة للحداثة خياران ، الأول هو الاتجاه إلى مزيد من الديمقراطية فى إطار الذات كما يذهب آلان تورين ، والآخر يتمثل فى تجاوز النزعات التاريخية والأيديولوجية وسيادة وتكاثر ما هو إبداعى أو هامشى فى الواقع () ، إن للإبداع طابعاً ثقافياً جزئياً يزدوج بالأداء الفردى ، ويصلح كمادة لاستبدال القوة ، ويبدو أن أحداثاً أو تجليات فنية جزئية من التاريخ ستكشف لنا ، المقاومة الإبداعية لشمولية الخطاب ، فقد رصد ديورانت مثلا تطور صور الآلهة فى مصر القديمة من تجلى مصدر الحياة فى صور الحيوانات إلى صورتها المزدوجة بالبشر ، فحورس يرمز له بصقر ، وحتحور ببقرة وغيرها () . فما بقى الآن من هذه الآثار سوى جمالياتها التكوينية فى وعى المتلقى المعاصر؟ . ولقد جسد احتلال الآلهة – قديماً – لهذه الآثار الرغبة اللانهائية فى التجسد الوجودى وأشكاله الحية بشكل غير مباشر يقاوم الثبات ، بينما يقوم الآن (الأثر) بمحاكاة ناقصة الخطاب الذى أنتجه ولتكتمل دلالاته فى آثارنا المعاصرة، هكذا ارتكزت لوحات (مايكل أنجلو) على جماليات الجسد الذكرى () فى النهضة ، ليعاد حضورها التجريبى المعاصر كأثر متجدد يقبل الانشطار والتحويل . وفى لحظتنا الراهنة كشف فوكو عن سلفه الخطاب فى الأشكال المختلفة للمعرفة ، بينما أظهر (دريدا) اللعب الإبداعي لهذه المدلولات التى اتخذت صفة المركز . هكذا يظل مفهوم (الثقافة) يسائل ذاته وفق تطور غير خطى ، ويقاوم المركزية.
وفى مقاله (ليس بؤتمر المثقفين) فى عدد (القاهرة) المشار إليه أيضاً ، يرى
(سمير أبو زيد) أهمية انتقال مفهوم النهضة من (الحديث عنها) إلى الأداء الاجتماعى. ولكن هذا المفهوم (فضفاض) و(مراوغ) مثل (الثقافة) و(المجتمع) و(الديمقراطية) وغيرها ، لأنه يخضع لتحققك أدائية جزئية على المستوى الحضاري والآني معاً. النهضة إذن ليست غاية كلية نصل إليها بالحوار أو (الوسطية) بين التراث والحداثة ، وإنما هى تجسيد للاختلاف الإبداعى واللامركزية الثقافية . من هنا تتعدد مشروعات النهضة دون أن تكون لها الصياغة الكلية. إنها ودائما تكمل الآخر وتبلور تصوراً جديداً عن (الأنا). وأتفق مع الأستاذ / سمير فى أهمية استمرار ومتابعة فكرة (مؤتمر المثقفين) ليس ذلك لأجل النهوض المستمر بالذات فقط ، ولكن لأن وجود المؤتمر يجسد حضور الفعل الثقافى والإبداعى فى الواقع ، ويستدعيه دائما فى المخيلة ، لأنه مازال يؤثر.
محمد سمير عبد السلام
قاص وباحث بالدكتوراه في النقد الأدبي المعاصر



















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي