الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة في الباتيرا 2

عذري مازغ

2015 / 8 / 7
الادب والفن


بعد الغذاء السافر على حساب الجبلي من جراء تحديه في السباحة، جاءتنا مكالمة من المشرفين على الرحلة يخبروننا فيها بأن نستعد هذا المساء للرحيل، امرونا أن نكون مجموعين وأن لانفترق حتى يستطيعون ضبط الرحلة .. أصبنا بصمت مطلق، كانت ساعة الصفر الآن وبدأ العد العكسي، بعضنا كان يكلم أصدقاؤه في إسبانيا يخبرونهم بالإنطلاقة هذا الليل، طالبين منهم الدعم عندما يصلون إلى الضفة الأخرى،شخصيا لم يكن لدي صديق في إسبانيا أعتمد عليه، كان لي أمل في أحدهم كان متواجدا بالمغرب، أفشيت له بالسر وطلبت منه طلبا صغيرا هو أن أرسل معه جواز سفري عند عودته التي كانت متزامنة مع الرحلة وخذلني بوعود فارغة سآتي عليها في ما بعد لأنها تكشف موضوعات أخرى حول علاقة المهاجر الجديد بالقديم الذي سوى وضعيته..
بدأوا يحفظون أرقام الهواتف لأصدقاءهم في إسبانيا لأنهم أخبرونا بأن علينا حفظها حتى لا تسقط في يد رجال الأمن ونورطهم في الأمر، البعض الآخر بدأ يكلم أهله في المغرب لإخبارهم بساعة عبور الرحلة، كان الجو رهيبا إلى حد ما، الكل الآن يواجه مصيره أمام رحلة مجهولة العواقب، كنا لا نعرف بعد نقطة الخروج أضف إلى ذلك أن المفاجأة لم نكن نتوقعها نظرا لحساب البحر الذي لقنونا دروسا حوله أثناء تواجدنا بمارتيل، فالبحر لم يكن هائجا، لكن الرياح وإن لم تكن قوية كانت عكس اتجاه الرحلة، أمر مناقض لما تعلمناه حول البحر، لكن من يكون هذا الذي علمنا شؤون البحر؟، إنه شخص لم يركب البحر في حياته، وكانت علاقته بالأمر لا تعدو أن تكون سمسرة لصالح القضية، كان يجيد لغة الإقناع، في مريرت مثلا، عندما التقيته، صفح لي عن طريقة جميلة للعبور، كانت خيالية تماما، وإن كان وجوده بتطوان، المدينة الوحيدة التي تعرف كيف يؤكل السمك، هي من أوحت له بالأكذوبة الجميلة والمقنعة، أخبرنا في مريرت أن طريقة عبورهم غير معروفة لدى رجال الأمن، لأنهم عوض الباتيرا هم يستعملون مراكب عصرية للصيد في أعالي البحار، يبحرون كما لو أنهم يبحثون عن السمك حتى يبلغوا مدى أطول في المياه الدولية في الجهة المحادية لإسبانيا، هناك سينتظرنا مركب آخر للصيد تابع لإسبانيا، وسيسلموننا إليهم بكل أمان، كانت القصة بالنسبة لي في مريرت مغرية جدا وسهلة أيضا وهو أسلوب استطاع به أن يجلب ضحايا كثيرون، لكن بعد ذلك سأكتشف أنها كانت فصلا فقط من مخيلته المبدعة، وحين تقتلع من مدينتك البئيسة طيرا إلى تطوان، ستدخل دوامة أخرى من الوقائع الصادمة، هذه المرة ستجد شخصا آخر هو من يشرف عليك لأن صاحب الحكايات الجميلة تكمن مهمته في المدن المغربية لصيد ضحايا جدد. الآخر الآن سيعبئك بطريقة أخرى، سيشرح لك العملية بكل صراحة أو بقليل منها وسيشرح أيضا لماذا عملياتهم تنجح أكثر ويوضح لك أيضا نسبة خسارة الرحلة، وبما أنك متورط في الأمر نتيجة إبداع السوريالي الأول فإنك مرغم على إتمام الرحلة، فأنت متورط مع أهلك الذين ساعدوك بدون تردد، اهلك الذين منو عليك برحلة ناجحة ومستقبل زاخر في بلاد النساء الشقراوات، لذلك فأنت مرغم بإتمام الرحلة..
الآن في تطوان سيشرح لك السوريالي الثاني قصصا بطرقة تراتبية وتحقينية، في الأول، سيتكلم عن جرد من عملياتهم الناجحة والمثيرة أيضا:
"نحن لا نقوم بالرحلة ليلا، بل نهارا جهارا وسترى بعينيك كيف تنجح الأمور، في الليل تستعمل إسبانيا أجهزة مسح والتقاط انطلاقا من ذبذبات يرسلها محرك الباتيرا في البحر، إنها تقنية جديدة أوربية في محاربة الهجرة السرية، بالنهار يحدث أن هذه الذبذبات للمحركات تختلط بذبذبات أجهزة أخرى يستعملها المصطافون وعشاق الإستجمام عبر مراكب سياحية، نحن نستغل الأمر ونذهب مباشرة لإفراغ الباتيرا في الشاطيء حيث يوجد المصطافون، وطبعا نحن لايهمنا استرجاع الباتيرا ومحركها، يهمنا فقط نجاح العملية".
هذه هي الحقنة الأولى، تبدو مقنعة للغاية ومشجعة على المغامرة، لقد عرفنا الآن بأننا سنعبر بنفس الطريقة التي عبر بها آلاف المهاجرين ويبقى فقط أن تاكتيكها المختلف عما سمعناه في رحلات العبور الأخرى، مع أنها غير مقنعة تماما إذ كيف لا تهمهم الباتيرا إذ يتركونها في السواحل الإسبانية، ويعدون برحلتين مجانا إذا فشلت الأولى وفشلت الثانية؟ حين تحسبها بالمال ترى أنها مكلفة وتشك في أن هؤلاء مبتلون بعمل الحسنات في سبيل إنقاذ شباب عاطل في المغرب.
اليوم في هذا المساء، عرفنا أن المبرر الذي أطال إقامتنا بمارتيل لايعدو أن يكون مجرد إبطاء في صنع الباتيرا بطنجة ثم وقت رحيلها إلى نقطة العبور، الآن بدأت تتكشف لنا أمور أخرى، إنهم بالفعل يصنعون باتيرا جديدة لكل رحلة، تصنع في مدينة في الغرب وتستعمل في منطقة في الشرق أو الوسط وهذا يعطي بعض المصداقية للقصاص الثاني، بقي أن نعرف بأنهم حتى الآن لا يفصحون عن نقطة الإنطلاق.
عندما بدأ العد العكسي، بدأنا بتهييء أمورنا، في ذلك الصباح وصلتني من الأهل دفعة صغيرة من المال لتعويض ما نفذ في مارتيل السياحية الجميلة، مع شيء من الخبز واللحم المهيأ من يدي أمي، كممت كل شيء، بالطريقة الأمازيغية في فولار تستعمله لغطاء رأسها، ثم أرسلته مع سائق النقل العمومي، كانت تعرف أني أحب اللحم الشهي ملففا بالخبز ويأتي مرزما في غطاء الرأس كما كانت تفعل ونحن صغار، لا أدري في أي شيء يختلف ذوقه لكن بالتأكيد له طعم السفر وباعث على التفاؤل.
حوالي الساعة السادسة مساء، وصلت ثلاث سيارات التاكس الكبير، اثنتان فارغتان والأخرى ممتلئة بالركاب، يبدو انهم أيضا من نفس منطقتنا بالإقليم، ويبدو أن القائمين على الرحلة منظمون بشكل ما، وزعونا في أحياء من تيطوان بشكل يراعي دمج كل القادمين من منطقة ما في سكن خاص بهم وحدهم، حتى لا نختلط ونتبادل المعلومات، بدا المنظمون بشكل ما صارمون في توجيهنا، بشكل يبدو عسكريا من خلال استعمال الكلام الخشن والتهديد بالضرب مع بعض العناصر منا، كنت مازلت في صمتي المطلق، أشعر بأني مسلوب تماما عندما رأيت كيف يتصرف هؤلاء، بدت الآن تبدو لي بعض المعالم التي حكاها لنا السابقون في الهجرة، في المقاهي مثلا، حين يتكلم المنظمون لتهريبنا عنا في الهواتف المحمولة، يتكلمون عن رؤوس مواشي وليس عن بشر، عندما تسألهم لماذا هذه الإهانة في حقنا، يجيبون بأن الأمر ليس فيه إهانة، هناك رموز يتكلمون بها لأن هواتفهم مراقبة أمنيا، كانوا يتكلمون مثلا عن الحشيش في الهاتف بكلامهم عن الشاي المغربي في لعبة الورق، الرهان بالورق حول كؤوس شاي، وأمور أخرى نسيتها كانوا يميزون جودة المنتوج عن غيره بدرجات معينة: الشاي الصحراوي، الشاي المنعنع، الشاي التطواني، أمور في الحقيقة حاول الجبلي أن يشرحها لنا بحنكته المفهومية باعتباره من الشمال ويفهم لغتهم الإقتصادية. لكن الأمور التي حكاها السابقون في الهجرة، كانت حول صعوبة الهجرة نفسها بخصوص علاقة الهجرة ومنظمات الهجرة الغير الشرعية، لقد تكلمت عن أمور تتم في البحر من قبيل قلب الفلك ليغرق الجميع، أو الإجبار بالسلاح الناري على النزول من الباتيرا في عرض الشاطئ وما يترتب على ذلك من احتمالات غرق وفقدان حياة بعض المهاجرين الذين لم يتمرنو على السباحة، لكن لم أتكلم عن السلوك العسكري الصارم بإهانة الأشخاص بنعتهم بالأكباش مباشرة وليس تعبيرا لغزيا في الهواتف المحمولة..
كانت مشكلتنا الأساسية في هذا المساء هي في صرف العملة، لقد كان الأمر مفاجئا، البحر والجو ليس كما علمونا عن أحواله، لكن الرحلة ستتم هذا الليل أو في الصباح دون أن نتمكن من صرف العملة تحسبا لوصولنا إلى الضفة الأخرى، المشكلة الثانية أننا لم نجهز زاد الرحلة، وطبيعي أن المنظمون للرحلة لا يهمهم في الأمر أكلك أو جوعك، يهمهم بالأساس نجاح الرحلة
ــ" نيك روحك، هذه هي الفرصة لنجاح العملية"، يقصد دبر أمرك
بالنسبة لصرف العملة طمأنونا أنهم سيتكلفون هم بالأمر وأن رئيسهم يملك العملة، وأنه سيشرف على العملية بنفسه وأنه من سكان العاصمة الإسبانية، بخصوص الزاد أيضا، سنمر على قرية، وسنقضي حاجتنا من الأمر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البقيه
Almousawi A.S ( 2015 / 8 / 8 - 12:51 )
كأنك تصف رحله العمر
بدون مجامله
وكأن البحر هو الحياه
وما البشر الا في رحله عبور
نحو الجانب المبهم الغامض
تحياتي لك
ولكن
هل من بقيه ؟


2 - نعم هناك بقية
عذري مازغ ( 2015 / 8 / 8 - 21:23 )
نعم هناك بقية، على الأقل جزأين، جزء خاص بالعبور وجزء خاص بالوصول
كانت بالفعل رحلة العمر
كانت صعبة ومخيفة جدا ، تصور فقط أنك تعبر على صفحة من خشب فوق البحر
عموما أتمنى أن تنال الأجزاء المتبقية اعجابكم
لك جزيل الشكر على متابعتك القيمة

اخر الافلام

.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR


.. الفنانة نجوى فؤاد: -أنا سعيدة جدًا... هذا تكريم عظيم-




.. ستايل توك مع شيرين حمدي - عارضة الأزياء فيفيان عوض بتعمل إيه