الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ينقلب سحر الأنكل سام عليه؟

ناجح شاهين

2003 / 1 / 8
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 


رام الله ـ فلسطين المحتلة

عام 1945 كانت اليابان تريد الاستسلام. بل إن هناك من يزعم أن اليابانيين قد وسطوا بريطانيا لدى الولايات المتحدة حليفتها منذ ذلك الوقت وقبله وبعده لكي يتم بحث شروط الاستسلام. ولكن المنتصرين لم يكونوا في وارد ذلك البحث مطلقاً. فقد كان عندهم أولوياتهم: أولاً كان لابد من تلقين الدنيا بأسرها درساً في الهيبة والرعب والغطرسة الأمريكية. وعلى رأس القائمة أعضاء الحلف الذي كان يلفظ أنفاسه مع انتهاء الحرب، وعلى رأسهم بطبيعة الحال الاتحاد السوفييتي. ثانياً كان لابد من تجربة السلاح النووي الطازج لمعرفة تأثيراته المختلفة على الأرواح والبيئة والسياسة وعلم الأجنة..الخ وهي مناسبة تستحق التضحية ببضع مئات الآلاف من الآسيويين الذين لا يساوون في عيون البيض شيئاً.

بعد ذلك انفتح المدى على اتساعه للتجارب الأمريكية في القتل المسبب وغير المسبب، ثم القتل المسوغ وغير المسوغ. وليس لنا في الواقع أن نكلف أنفسنا أو القارئ مشقة سرد الوقائع التي لا تنتهي، من كوريا 1953 إلى فيتنام الستينات، إلى لبنان إلى .. إنه مسلسل بلا نهاية. لكن ما يهمنا هو فتح الملف غير المباشر للممارسات الأمريكية في العالم، فهي موضوع المعالجة هنا. لقد استعان الأمريكان بكل من تسول له نفسه أن يبيع بلاده رخيصة ـ وأحيانا غالية ـ من أجل تفكيك المقاومة التحررية المنفلتة من عقالها طوال حقبة الحرب الباردة. وكان لابد من استخدام كل أنواع الأسلحة لمواجهة " البعبع " الشيوعي الذي أحسنت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية اختلاقه. ولا بد أن إحدى الترب الأخصب لنشاط الجهد الأمريكي في كافة مستوياته العسكرية والاقتصادية والسياسية والأيديولوجية والثقافية، كان عالمنا العربي وبلدان العالم الثالث ذات الأغلبية السكانية المسلمة. فالحقيقة أن المجتمعات التي أفاقت ونفضت عن ثيابها تراب القرون الوسطى كانت في أمس الحاجة إلى شماعة تلقي عليها بتفسير ُمرضٍِ نفسياً لواقعة التخلف والفقر والضعف التي تعانيها. وقد اختار جزء من الناس حلاً سهلاً يتمثل في اعتبار الدين كلمة السر في التغيرات الحضارية التي يتعرض لها البشر، بل واعتبار أن جوهر الصراعات الإنسانية هو الدين لا غير. وإذا كان الأمر كذلك فقد بدا واضحاً بالطبع أن عدو المسلمين رقم واحد هو الشيوعية الملحدة، التي تقول بحسب نسخة التحريض الشعبوية " لا إله والحياة مادة "، هكذا مختزلة ومفرغة من مضمونها الاجتماعي والطبقي والتحرري والاقتصادي .. الخ لقد حولت ببساطة إلى مادية ساذجة وفجة. ولكن ليس هذا موضوعاً لبحثنا الراهن، فلنعد إلى واقعة استفادة الولايات المتحدة من التدين الشعبي البسيط وتوظيفه في خدمة تسييس الإسلام، الذي وجد هدفاً لجهاده الكفر والإلحاد الشيوعيين، إن في الداخل ضد الأحزاب الشيوعية العربية، أو في الخارج بالتطوع عبر العالم دعماً للأممية الإسلامية في وجه الخطر الشيوعي الذي لا هدف له إلا القضاء على الإسلام.

هل غاب عن الأمريكيين وهم يطلقون الطاقة الهائلة الكامنة لدى الشعوب العربية والإسلامية أن من الممكن أن ترتد عليهم؟ لا نستطيع تقدير الإجابة، فمن يا ترى كان يتنبأ بجدية سنة 1985 أو حتى بعد ذلك بسنتين أو ثلاث أن الفزاعة الشيوعية في طريقها إلى الانهيار. المهم أن تلك الفزاعة قد انهارت بالفعل، وأن الأيديولوجيا التي مورست من قبل كثيرين ولفترات طويلة كان لا بد أن تخلي مكانها لرؤى جديدة تتعاطى مع الوقائع الجديدة. ولا بد أن أعداء الاتحاد السوفييتي كانوا أكثر من افتقده بعد التأكد من دفن الفقيد. فقد بدا أن الإصرار على التغني بالانتصار على الشيوعية لا يحل المشكلة. ودون الخوض في تفاصيل الذي جرى على امتدا السنوات العشر الأخيرة، نقول إن القوة الكبيرة التي اكتسبتها الحركات الدينية السياسية أو ما يعرف بجماعات الإسلام السياسي كان لا بد أن تختار إما أن تنتحر سياسياً أو تواجه المشاكل الفعلية ـ دون أن نناقش مدى علمية وواقعية هذه المواجهة ـ التي تعانيها مجتمعاتها، وخصوصاً قضايا التنمية والتحرر. وهنا بدأ اصطدامها الفوري بالعالم "الحر" الذي يبقى حراً حتى النخاع ما دام الكلام يدور حول الأخلاق والدين، بينما ينقلب وحشا ضاريا عندما يتعلق الأمر بالمساس بمصالحه الاقتصادية بأي شكل من الأشكال. ولذلك فإن شهر العسل قد انتهى على الأرجح.

حسناً لقد بدأ يلوح أن الجماعات الإسلامية التي طالما سهر رجل السياسة والمال والإعلام الأمريكي على دعمها قد اكتشفت أن أمريكا عدو حقيقي لطموحات الشعوب. وقد يكون ذلك من باب انقلاب السحر على الساحر الذي طالما تلاعب بمزماره وعزف على الأوتار التي جعلت المجاهدين في كل مكان يواجهون الموت في سبيل الأهداف التي يرسمها لهم، وهم يظنون أنهم إنما يفعلون بالضبط ما تقتضيه معتقداتهم ومصالح بلادهم على السواء. لكن هل نستطيع الادعاء أن الساحر قد انكشف أخيراً؟

منذ بضعة أيام استمعت بإعجاب وتقدير لموقف جديد ـ أو أنني أتوهم أنه جديدـ من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين يقول إنهم لا يربطون صراعهم ضد إسرائيل بكونها يهودية. وأنهم على العكس يمكن أن يواصلوا النضال ضد احتلالها للأراضي الفلسطينية حتى لو أعلنت الدولة العبرية عن اعتناق الإسلام وتبنيه نظاماً في السياسة والحياة. مثل هذا الفهم المستنير يعي دون أي لبس أن الحرب التي يخوضها المستعمر الرأسمالي ضد البشر لا علاقة لها بالدين أو الثقافة أو الأخلاق أو الحضارات أو ما أشبه. إنها حرب من أجل مواصلة نهب العالم الضعيف، عالم الأطراف الذي ننتمي إليه، حتى آخر رمق. وفي سياق ذلك يجب أن ننظر إلى كافة ألوان الصراع التي تثيرها الإمبريالية الأمريكية منذ تدشينها دولة عظمى رأسمالية وحتى اليوم.

تغرق الولايات المتحدة بسبب من عدوانيتها وأطماعها وتغرق البشر جميعاً في دوامة العنف والصراع الدموي. وليس أدل على ذلك من وصول الحرب إلى اليمن البعيد جداً عما يجري في العالم، والغارق حتى وقت قريب في صراعاته مع الجان والقوى الخفية التي كان يواجهها بالقطران الذي يدهن به الجسد لطرد الأرواح الشريرة، وغير ذلك من الأسلحة السرية. لقد دخل اليمن، كما العراق ولبنان والصين وكوبا وأوروبا وفنزويلا، أقصد جميع أرجاء المعمورة في لجة الحرب القذرة التي تفتعلها الولايات المتحدة أينما اشتمت روائح البترول وغيره من المواد الخام. وأينما اشتمت رائحة سوق ممكن لبضائعها الضارة قبل النافعة، والفائضة عن الحاجة قبل اللازمة. وبسبب هذا كله نتوقع أن الحرب ضد المشروع الأمريكي ستشمل البشر جميعاً. لكننا نظن أن الطريقة اليمنية ـ على الرغم من شجاعة اليمنيين وجرأتهم التي تصل حد التهور والتي تجعل منهم مع ضعف الإمكانيات خصماً عنيداً لكل الجبروت الأمريكي ـ غير ملائمة. ونظن أن ما يحدث في اليمن هذه الأيام لا يبشر كثيراً؛ فمواصلة الحرب على قاعدة المساواة بين المناضل الوطني البارز جار الله عمر وبين الأطباء الأمريكيين، على اعتبار أن " ملة الكفر واحدة " هو أمر يشير صراحة إلى أن السحر لم ينقلب بعد كلية على الساحر. وإذا كان له أن ينقلب بالفعل فإن فقيد اليمن جار الله يجب أن يعده كل الشرفاء اليمنيين وأعداء الاستعمار حليفا طبيعيا، وإن اختلفت قراءتهم الأيديولوجية " للحياة " عن قراءته وقراءة حزبه. عندما لا ُيطلق الرصاص المجنون على المناضلين، وعندما لا ُيقتل الأطباء الأمريكيون المدنيون، وتوجه الرصاصات في اتجاهها الصحيح ضد آلة الحرب الأمريكية الإرهابية، عند ذلك فقط يمكننا القول: وهكذا انقلب السحر على الساحر.

********

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يستدعي ألوية احتياطية لجنوب لبنان.. هل فشل


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يقتحم مخيم جباليا بشمال قط




.. من غزة | مجمع الشفاء يعود إلى الحياة


.. الاحتلال يكثف قصفه المدفعي على المناطق الجنوبية بلبنان




.. مسيرة أوكرانية طراز -إف بي في- تدمر مسيّرة روسية في الجو