الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعرض الفني الصيفي في أكاديمية الفنون الملكية البريطانية

فيء ناصر

2015 / 8 / 8
الادب والفن




يعود تاريخ المعرض السنوي الفني الصيفي الذي تقيمه الأكاديمية الملكية للفنون بلا إنقطاع الى عام 1789، وهي أكاديمية فنية عريقة تجمع ضمن طاقمها ثمانين أكاديمياً على أن يكون من بينهم أربعة عشر نحاتاً وإثنا عشر معمارياً وثمانية نقاشيين والبقية رساميين، كل المبالغ النقدية التي تجنى من بيع الأعمال الفنية في هذا الموسم كما في المواسم السابقة، تذهب الى دعم المؤسسة ذاتها وهي الأكاديمية الفنية الوحيدة في المملكة المتحدة التي تمنح شهادات عليا في الفن مجاناً.
تباشير المعرض السنوي الذي جمع أكثر من 1100عمل فني حديث ويعد الأقدم في العالم، تستقبل الزائرين في الباحة الأمامية التاريخية للأكاديمية، حيث عمل من المعدن للفنان البريطاني (كونراد شوكروس) بعنوان (ضوء الشمس المرقش) وهو غابة من أشجار حديدية صُفتْ بحيث تتيح للزائر المشي بينها، ويبدو إن الفنان تعمد إبراز التناقض الشكلي في الإسلوب بين تمثال السير جوشوا رينولد أول رئيس للأكاديمية والذي يشرف على المدخل الرئيسي وبين غابة الفولاذ هذه التي غمرتْ حتى التمثال التقليدي بظلالها وحداثيتها.
تستمر النزعة الحداثوية ما أن يلج الزائر داخل المبنى، فالسلم الذي يصلك بقاعات المعرض قد غُلف بألوان طولية بهيجة وتحول الى مهرجان راقص للألوان، السلم من تصميم الفنان الإسكتلندي (جم لامبي). مهمة تنسيق وترتيب هذا المعرض السنوي قد أُسندتْ الى الفنان مايكل كريغ مارتن وهو أحد الأكاديميين المعروفين. وفعلاً فقد أضاف لمسة مبتكرة حديثة تفقأ العيون بمزيج من الالوان البراقة. القاعة الرئيسية للمعرض ذات القبة المركزية، رُتبتْ بعناية مفرطة على خلفية من جدران فيروزية. شرائح مربعة ملونة كأنها نوافذ بألون قوس قزح تتدلى من حلقة والتي بدورها تتدلى من قبة القاعة ذات الطرز المعماري التقليدي، هذا العمل التركيبي للفنان (ليام جيليك) تعمد جعل الزائر يلتفت للفراغ غير المأهول بين السقف والأشياء التي تكون في مستوى النظر. وفي مركز القاعة الرئيسية أيضا تمثال بحجم أكبر من الطبيعي على هيئة رجل مستلهم من التمثال الإغريقي الشهير (دارفيوس) متكون من شرائح بلاستيكية ملونة تسمح للضوء بإنعكاسات بهيجة، بينما عُلقتْ على الجدران أعمال عديدة لأساتذة الأكاديمية، منها لوحيتين تستخدمان ثيمة السلم المتحرك بالأسود والابيض فقط للفنان (مايكل سيمبسون)، عمل تركيبي لامع آخر كأنه رداء بطيات متعددة معلق على الجدران للنحات الغيني (أناتوس) بعنوان دم الكدح يستخدم فيها فوهات وحلقات القناني المعدنية ويصفها مع بعضها بعدة تراكيب وزوايا. أعمال سيراميكية للفنان الامريكي ( أندرو لورد) معروضة على طاولة في القاعة الرئيسية ايضا.
طُليتْ جدران القاعة الكبيرة التالية بالوردي الفاقع وعُلقتْ عليها لوحات مختلفة الأحجام والأساليب الفنية، من بينها لوحة للفنان (مايك مون) بعنوان (صيد السمك في الظهيرة)، يستخدم فيها الفنان تقنية إستثنائية بالرسم على سطح اللوحة الخشبي كخلفية لموضوعه بدون أية إضافات أخرى.
من أهم الأعمال التركيبية المعروضة، عمل بعدة أبعاد للفنان والنحات العالمي أنيش كابور عبارة عن فقاعات ضوئية مختلفة الأحجام تتوالد أفقياً، محفوظة في وعاء زجاجي شفاف مربع . في القاعة المخصصة للنحت يستوقفنا، عمل نحتي تركيبي للفنان (تم شاو) بعنوان (رجل محترق) وهو تركيب بشري أسود بلا ملامح لكنه مفتوح الفم بصرخة واضحة ويدين تمتدان بقوة للهرب من النيران التي تلتهمه، يقول الفنان إنه إستلهم عمله من النيران التي تلتهم الناس في العراق عند وقوع الإنفجارات.
(الطبيعة الخلاقة) هو إسم القاعة التي إزدحمتْ بالتصاميم المعمارية، نُظمت هذه القاعة بطريقة تتيح للزائر مشاهدة التصاميم المعمارية كلوحات معلقة على الجدران وفي نفس الوقت مشاهدة هذه التصاميم كنماذج مصغرة تتداخل مع الطبيعة الحرة. ومن أبرز التصاميم المعمارية المعروضة عدة تصاميم شهيرة للمعماري البريطاني (ريتشارد ماك كورماك) مثل تصميم كلية (سانت جونز) في جامعة أوكسفورد، وخمس لوحات تصميمية للمعمارية العراقية البريطانية زها حديد، لسقف مطار بكين في الصين الذي سيتم إنجازه عام 2018 .
في القاعة السادسة يستوقنا عمل فوتغرافي للفنانة التركية الأصل (جولر آتش) بعنوان (قلعة الأميرة) وهو تصوير فني لإمراة ترتدي عباءة صفراء فاقعة، تتمشى في بناية ذات أقواس ونقوش إسلامية، عمل تمتزج فيه الظلال الشفافة مع ثوب المرأة الطويل.
الفنان الالماني (أنسليم كيفر) الذي يعد من أهم الفنانين المعاصرين شارك بعمل تركيبي ذي دلالات لا حصر لها، بعنوان (ليليث البحر الأحمر) وهو عبارة عن ثوب شفاف معلق داخل جدران زجاجية، ثوب بال مترع بالثقوب وتتدلى من داخله أثواب صغيرة أخرى، كأنه ثوب لغريق يَجرُ بداخله ذكرى غرقى منسيين.
هناك مفاجأة جميلة تنتظر الزائرون في القاعة الأخيرة من المعرض وهي كولاج متكامل يشتغل عليه الفنان البريطاني (توم فليب) منذ ستينات القرن الماضي، الفنان يستلهم رواية فكتورية قديمة بأوراق مصفرة بعنوان ( وثيقة بشرية) نُشرتْ عام 1892 لمؤلف مغمور (دبليو. إيتش. مولوك)، عثر عليها الفنان بالصدفة ويعيد تشكليها ورسمها وإبراز بعض الكلمات في أسطر متعددة، وتوصيل الكلمات مع بعض بنهر من الحروف أو من كلمات أخرى ولصق صور على أوراقها أو تخطيطها وخربشتها، طريقة عرض هذا الكولاج التي تضمنت 500 ورقة مؤطرة ملعقة على الحائط ، كانت مدهشة وذلك بعرض ورقة الرواية الأصلية ثم النسخة الأولى التي إشتغل عليها الفنان ثم النسخة الثانية وهكذا ، مما جعل الزائرون يستغرقون بقراءة الوثيقة الأصلية ومحاولة فهم السبب في إختيار الفنان كلمات دون غيرها ومحاولة إيجاد نسق واحد يجمع الكلمات. هذا العمل كأنه رد إعتبار للكتاب الورقي في عالم أصبح لا يقرأ غير الكتب والنسخ الإلكترونية وأيضا رد إعتبار لكاتب مغمور بالموت والنسيان.
المعرض الصيفي للأكاديمية الملكية للفنون هذا العام يعد بحق مهرجان ألوان وأساليب مبتكرة من جميع أنحاء العالم، أختِيرت أعماله بعناية من بين 12000 عمل فني رُشح للمشاركة، كأنه وجبة مثلجات فنية ملونة في يوم لندني حار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??