الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بداية الشوط الطويل

سوسن بشير

2005 / 10 / 15
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي


بداية الحوار حول الإصلاح السياسي المزعوم في الدول العربية يكون من نقطة الاعتراف بأن هذا الإصلاح - إن وجد- فهو نتاج ضغط خارجي لا داخلي، فالأنظمة العربية جميعها و على اختلاف درجات تعنتها من بلد لآخر، قد خاضت مسيرة تزيد أو تنقص عن النصف قرن منذ انتهاء الاحتلال الأجنبي العسكري، رغم بقائه بصور أخرى غير عسكرية، و لم يحدث أن وردت كلمة " الإصلاح" السياسي تحديداً في قاموس هذه الأنظمة طوال هذه العقود، لكنها بدأت في الدخول إلى قاموس الخطب السياسية بعد مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بها، ربما لا لأجل عيون الديموقراطية العالمية المنشودة، و إنما لكي تنشغل الشعوب العربية بنفسها بعض الشيء، فلا تفاجئ أمريكا بضربة جديدة. و ربما لكي تتقبل الدول العربية الكيان الصهيوني بشكل أكثر فعالية مما تم حتى الآن، و ربما لتكتمل عملية الاحتلال الاقتصادي أكثر و أكثر، لعلم أمريكا أنها لن تستطيع في الوقت الراهن تكرار تجربة العراق، أي الدخول بالاحتلال العسكري بكل ثقله.

و في هذه المقدمة نقاط ثلاث يجب توضيحها:

أولاً: إن الحراك السياسي الزائف لبعض الأنظمة العربية بناء على أوراق الضغط الأمريكية، و أغراض أمريكا غير المعلنة في دفع هذه الأنظمة نحو ديمقراطية ظاهرية – حتى الآن- قد يحمل إيجابيات لقوى وطنية عربية تسعي نحو ديمقراطية تطبيقية حقيقية، و ما يمكن تحقيقه منها سيكون أفضل من الوضع الحالي بكل المستويات، و من هنا فعلى هذه القوى استغلال الفرصة لصالحها، و الحديث هنا لنكون أكثر توضيحاً لا عن قوى سياسية تسعى هي الأخرى لانقلابات على أنظمة الحكم الحالية، لأجل الوصول إلى السلطة بأي ثمن و عن أي طريق، و إنما هو بالأساس عن قوى وطنية قد تتركز أولاً في العمل الحزبي المستقل أو المؤسسات المدنية.

ثانياً: إن تجربة العراق الحالي بكل ما حملته من انقسامات بين العراقيين أنفسهم حول طبيعتها، هل هي استعمار عسكري جديد أم معركة تحرير، هي تجربة تحمل أوزار الماضي و مرارة الحاضر. فلم يكن العراق الديمقراطي ليبعث أبداً في ظل صدام، و لن يكون العراق الديمقراطي الذي نأمله تحت حكم الأمريكيين؛ فهو بلد محتل في الحالتين. لكن الشعب العراقي وحده هو القادر الآن على تحديد مستقبله، و تجاوز ما سببته حقبة صدام من محن بين السنة و الشيعة من جانب و بين العرب و الأكراد من جانب آخر.

ثالثاً: إن الإصلاح السياسي الحقيقي لا يتم بالأساس في المجتمعات التقليدية، أي التي لم تخرج بعد من طور العشيرة و القبيلة إلى طور دولة المؤسسات، فالتجربة الديمقراطية تتطلب مجتمعاً يقوم على أسس مدنية. و كذلك لا يتم هذا الإصلاح في دولة المؤسسات التي لا تمتلك اقتصادها، أي لا تملك خبزها ببساطة، فالحديث عن الإصلاح السياسي لدينا في كل الأحوال منوط بنهوض على مستوى البنى المجتمعية في بعض الدول العربية، و بنهوض اقتصادي في دول عربية أخرى.

بعد هذه المقدمة علينا أن نعترف بأن القوى اليسارية العربية – بكل ما تشتمل عليه هذه القوى من اتجاهات تختلف مع وعن بعضها – لم تحقق في السنوات الأخيرة نجاحاً ما على مستوى القاعدة الشعبية العربية، و يمكننا الحديث هنا عن الشعب في مصر بصفة خاصة، فالقاعدة الشعبية العريضة لن تصوت في أية انتخابات برلمانية أو غيرها لأي يساري، بينما ستتجه لمرشح الإخوان المسلمين إذا تُرك لها حرية الاختيار بعيداً عن المصالح و الأصوات المشتراه.
و ربما لا يجب أن نتوجه بالسؤال هنا لتلك القاعدة الشعبية، بل لاتجاهات اليسار، و ما حققته أو تركته من القاعدة المعروفة بـ " الالتحام بالجماهير". و ربما يجب أن تتعلم هذه الاتجاهات و التي لا يوجد لها أي نشاط يذكر، من جماعة الإخوان المسلمين و تنظيمها الداخلي و صمودها كجماعة " محظورة". و لكي تقوم الاتجاهات اليسارية بعمل ما فعليها أن تتواجد بشكل" منظم "أولاً قبل الحديث عن أي بعد " تنظيمي". و بشكل شخصي فإن النشاط الحزبي المستقل في مصر و كذلك اليساري المحدود لم يدفع كاتبة هذه السطور للالتحاق بأي منه.

و ربما تدفعنا قضية القاعدة الشعبية للتفكير من خلالها لا من خارجها، فهذه القاعدة الشعبية تعاني من الفواحش الثلاث؛ الجهل و الفقر و المرض، مما لن يدفعها سوى للحل الأسهل و هو الحل الديني بغض النظر عن اعتداله أو تطرفه. و لن تكون النهضة الوطنية الحقيقية بمحاولة اكتساب جزءً من هذه القاعدة الشعبية لأي من الاتجاهات اليسارية أو الحزبية أو غيرها - و هو ما لن يتم على أية حال – لكن تنبني هذه النهضة على محاولة الخروج بالقاعدة الشعبية من سكة التخلف ، و ذلك عبر آلياتها الدينية نفسها، أي أن أي إصلاح عليه أن يطال المؤسسة الدينية الرسمية و غير الرسمية في مصر، فبعض الجهات الدينية الفاعلة في المجتمع المصري لا تتبع بالضرورة المؤسسة الرسمية. و من هنا لن يكون الصراع مع الفكر الديني هو الحل، بل المحاورة معه، لأن الفكر الديني متعدد، و يمكن أن يبرز منه أكثر الاتجاهات تنويرية و يمكن بالطبع أن يحدث العكس. فلا يوجد سبيل لأي تيار أو اتجاه ليبرالي أو يساري أو لتسمه كما شئت سوى الحوار و التضامن مع أكثر التيارات الدينية استنارة و الوصول معه لأرضية مشتركة للنهوض بالقاعدة الشعبية، التي حالما نهضت و تخلصت من بعض المخلفات فيمكنها أن تكون فاعلة و مؤثرة للجميع عبر اختيار حر ينبني على العقل و المعرفة، و من هذا الاختيار يبدأ الإصلاح الحقيقي في رأي.

و تكون قاعدة الحوار المشترك هي " قبول الآخر" كقاعدة أساسية من الجانبين، و الارتفاع بمستوى هذا الحوار فوق مفردات" التكفير"، على أن تكون مشاركة المرأة فيه عاملاً أساسياً من الجانبين، لأن غياب المرأة في طور البدايات الجديدة يرهقها بعد ذلك كثيراً، حيث تجبر على الدخول في حروب حول أمور بديهية و تظل تدور في دوائر مفرغة. إن تسّنى لنا هذا الحوار نكون قد حققنا شيئاً على مستوى الإصلاح الأهلي الذي يؤدي بعد ذلك إلى ما يمكن تسميته بالإصلاح من الداخل، و نحن بالفعل لدينا شوط طويل لنمشيه، فيكون السؤال متى نبدأ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا