الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع المدني بين الفلسفة والقانون ( نقلا عن الماركسية

بلنك ميتاني

2015 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تبلور مفهوم المجتمع المدني في سياق نظرية التعاقد الاجتماعي بما يقابل المجتمع السياسي، أي المجتمع المؤسس على التعاقد الاجتماعي، فالغاية من اتحاد الناس في المجتمع المدني، إضافة إلى تحقيق الأمن والسلام، هي المحافظة على ممتلكات الأفراد مثلما يقول جون لوك, وهكذا فحيث يؤلف عدد من الناس جماعة واحدة، ويتخلى كلٌّ منهم عن سلطة تنفيذ السنة الطبيعية التي تخصه، ويتنازل عنها للمجتمع، ينشأ عندنا حينذاك فقط مجتمع سياسي أو مدني.
وقد برزت نظرية العقد الاجتماعي، التي أسهم روسو في ترسيخها بالضد من نظرية الحق الإلهي, من هنا اقترنت فكرة المجتمع المدني بالميدان الليبرالي السياسي، نقيضاً للفكر القروسطي، وهي جزء من مفهوم الدولة الحديثة، والدولة هي آلة تتجه لضبط سلوك الأفراد وحماية أمنهم وسلامتهم وملكيتهم حسب توماس هوبز، الذي كان يعطي لمفهوم الدولة بُعداً أرضياً بإنزال مفاهيم السماء إلى الواقع، عبر الحق الإلهي.
أما جان جاك روسو (1713-1788) فقد دعا إلى عقد اجتماعي بين الأفراد داخل المجتمع، لتنظيم حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في حين أن جون لوك (1632-1704)، اعتبر أن الغرض من العقد الاجتماعي هو الحفاظ على حق الأفراد في الملكية بوجود سلطة تنظم «الحق» في استخدام «العنف» لمعاقبة من ينحرف عن ذلك، لكنه اعتبر «الملكية المطلقة» لا تتفق مع طبيعة المجتمع المدني.
وكان توماس هوبز (1588-1679) قد جاء بفكرة القانون الطبيعي، معتبراً لكل إنسان كامل الحق في ممارسة قدراته الشخصية، وأن حياة الإنسان لا تستقيم من دون تشريعات وتنظيم لممارسة حريته.
أما جون لوك فقد اعتبر المجتمع المدني كأفراد طبيعيين دون دولة، أي مجتمع مدني بانفصال عن الدولة, وهو ما ذهب إليه جان جاك روسو، وقد انتقد هيغل (1770-1831) في كتابه «فلسفة الحق» الصادر عام 1821، نظرية العقد الاجتماعي، واعتبر أن المجتمع المدني قاصر في صيغته التعاقدية عن تحقيق الأمن، والدولة وحدها حسب وجهة نظره هي «نظام» العقل القادر على حماية الحرية.
ويعتقد هيغل أن هناك علاقة مركبة بين الدولة والمجتمع المدني، وهي علاقة تعارضية وتكاملية، فالمجتمع المدني هو مجال لتقسيم العمل وإشباع الحاجات المادية، وهو مجال تنافس الحاجات الخاصة والمتعارضة, أما الدولة فهي النظام السياسي القادر على صيانة مصالح المجتمع المدني، الذي هو حسب وجهة نظره لحظة من لحظات الحياة الروحية، وهي تقع بين العالم البسيط للأسرة الأبوية والدولة المتحكمة في ذاتها.
ولاحظ هيغل ميلاً في المجتمع المدني إلى التذرر والفردية، واعتقد خلافاً لليبراليين الكلاسيكيين على أنواعهم، أنه في سياق نظام الحاجات أو علاقات التذرر والاعتماد المتبادل المتوازنة، لا بد من أن تعلو حسابات السوق من ربح وخسارة على الاعتبارات الأخلاقية.
أما هيغل فإنه يفرق بين المجتمع السياسي (الدولة) وبين المجتمع المدني، الأول يمثل الإرادة العامة، في حين أن الثاني يمثل الإرادة الخاصة، حيث يعبّر عن مصالح الأفراد, ويعتبر هيغل «العائلة» إحدى أسس المجتمع المدني، فالدولة لا يمكن أن توجد بدون الأساس الطبيعي «العائلة»، التي يستند عليها «المجتمع المدني».
وفي نقد كارل ماركس (1818-1883) لأفكار هيغل يتعرض إلى المجتمع المدني، خصوصا في كتابه المثير والغني «الثامن عشر من برومير-لويس بونابرت»، حيث ينتقد الدولة البونابرتية، التي تلغي المجتمع المدني وتهيمن عليه، وهكذا اعتبر ماركس المجتمع المدني ركيزة واقعية للدولة، لكونه يمثل العلاقات المادية للأفراد، وهو مجال للصراع الطبقي، خصوصاً أن المجتمع المدني بالنسبة له هو مجتمع الإنتاج والاقتصاد والطبقات الاجتماعية، أي أنه الواقع الملموس، ذلك أن تدخل الدولة فيه يعني تجريداً له واستلاباً لفاعليته، أي أنه بهذا المعنى ركيزة للدولة ونقيض لها في الآن نفسه.
وقد نظرت الماركسية لفكرة اعتبار المجتمع المدني، يشكل قاعدة مادية مؤسسة للدولة، وقد استخدم كارل ماركس الشاب مفهوم المجتمع المدني بمعاني قريبة الدلالة من مفهوم هيغل، لكنه تخلى عن وجهة نظره هذه في إطار نقده للمثالية الهيغلية، حين اعتبر المجتمع المدني الأساس الواقعي للدولة، وأنه يعبر عن مجموع العلاقات المادية للأفراد في مرحلة محددة من مراحل تطور الإنتاج، وكاستنتاج يمكن القول إن المجتمع المدني عند ماركس هو مجال للصراع الطبقي.
من جهته اعتبر ماركس التذرر الفردي نوعاً من الاغتراب عن الجوهر الاجتماعي، وكذلك تعبيراً عن الصراع الطبقي, وكان رفض ماركس لفكرة مؤسسات وسيطة بين الفرد والدولة، يستهدف استبدال الدولة نفسها بمؤسسات طوعية بين الأفراد بعد ذبول الدولة، أي اضمحلالها، وعند ذلك يزول الفرق بين الفردي والاجتماعي والسياسي، أي أن الدولة تنحل في المجتمع وتذوب فيه.
وبهذا المعنى فإن نقده لفلسفة الحق عند هيغل يقوم على أساس أن المجتمع المدني هو الواقع المتميز، المتبدل والمتنوع، وهو الذات المتطورة في التاريخ، والتي تفعل فعلها وتؤثر في شكل الدولة ونظامها.
لقد رفض ماركس الجماعات الطوعية، التي تتوسط بين الفرد والدولة كحل لمعضلة المجتمع الحديث, أي أنه يرفض الاشتراكية اليوتوبية، في صالح أوتوبيا الاشتراكية، التي تعمم الرابطة الحرة إلى رابطة كونية، أي أن ديمقراطية ماركس لا تقوده إلى الدولة الديمقراطية، بل إلى الأوتوبيا حسب المفكر عزمي بشارة.
وقد طور أنطونيو غرامشي (1891-1937) مفهوم ماركس عن المجتمع المدني باعتباره مجموعة التنظيمات الخاصة، التي ترتبط بوظيفة الهيمنة وكجزء من البنية الفوقية عن طريق الثقافة والأيديولوجيا والسيطرة والإكراه، في حين أن ماركس كان يراه جزءا من البنية التحتية. واستناداً إلى هذه الرؤية غير الكلاسيكية للماركسية، فلم يعد المجتمع المدني فضاء للتنافس الاقتصادي أي للصراع الطبقي، بل هو فضاء للتنافس الأيديولوجي، منبهاً إلى ظاهرة الهيمنة.
إذن أخذ أنطونيو غرامشي بمفهوم جديد للمجتمع المدني باعتباره الفضاء للتنافس الأيديولوجي من أجل الهيمنة، وهو يميل إلى التوسط بين الدولة والمواطن. إن العودة الثانية لمفهوم المجتمع المدني مع نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية الحرب العالمية الثانية، وعلى لسان المفكر الماركسي الإيطالي غرامشي، قد جعلته واسع الدلالة ويحتل هذه المكانة المتزايدة بحكم توصيفه، فهو مجموعة التنظيمات الخاصة، وجزء من البنية الفوقية، التي يميز فيها بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي.
ويعتبر غرامشي أن وظيفة المجتمع المدني هي الهيمنة عن طريق الثقافة والأيديولوجيا، أما وظيفة المجتمع السياسي فهي السيطرة والإكراه, ويعني غرامشي بالمجتمع المدني: كل المؤسسات التي تتيح للأفراد الحصول على الخيرات والمنافع العامة، دون تدخل أو توسط الحكومة، وهو النسق السياسي المتطور، الذي تتيح صيرورة تمأسسه مراقبة المشاركة السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة